وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات النيابية.. معركة على الشرعية

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

ثمة رهانات عديدة تحملها الحملات الانتخابية المقبلة في لبنان، بعضها محلي والبعض الآخر إقليمي ودولي. بعضها عالي السقف في طموح التغيير، والبعض الآخر يائس من جدوى الانتخابات ومنسحب منها. بعضها يطمح إلى إعادة إنتاج السلطة نفسها، مهما كانت كوارثها الأمنية والاقتصادية، والبعض الآخر لا يرى فيها أكثر من رسائل رمزية، لا تحمل قوة دفع فعلية للتغيير.

هذا في الرهان والطموح، أما في المعطى السياسي، فالمعركة في عمقها صراع على الشرعية:

 بين مسعى حزب الله لإيجاد أكثرية نيابية، مؤيدة أو موالية أو متحالفة معه، لتأمين الغطاء التشريعي والسياسي لسلاحه. وهي عملية لا تكتفي باكتساح المقاعد الشيعية الموالية لصالحه، بل أيضاً تأمين غطاء مسيحي، يتمثل في تمكين حليفه ميشال وعون وخلفه جبران باسيل الاحتفاظ بقوته النيابية، أي حيازة أكثرية مقاعد مسيحية تسمح لباسيل، تكرار مقولة الرئيس القوي في حال ترشحه لرئاسة الجمهورية. هذا بالإضافة إلى إحداث اختراق داخل الشارع السني، بعدما أحدث انسحاب سعد الحريري تشتتاً وارتباكاً فيه.

مسعى حزب الله الانتخابي، لا يقتصر على الاحتفاظ بالحصون الدفاعية بل هو أيضاً للتقدم خطوة إضافية، للإمساك بمفاصل القرار السياسي اللبناني

مسعى حزب الله الانتخابي، لا يقتصر على الاحتفاظ بالحصون الدفاعية، التي حصن بها سلاحه من خلال القوة النيابية والكتلة الانتخابية الواسعة المؤيدة والموالية له، بل هو أيضاً للتقدم خطوة إضافية، للإمساك بمفاصل القرار السياسي اللبناني، وفي الوقت نفسه بناء جسور تواصل مع الخارج، بالأخص المعسكر الغربي، من خلال الإتيان بحكومة واجهة، تلبي الغرب في التفاصيل الإجرائية والإدارية، وتكون له الكلمة العليا في العناوين السيادية والمسائل الاستراتيجية.  

أما المسعى الآخر، فيمثل مروحة واسعة من القوى والشخصيات والجهات، التي تتسم بعدم الانسجام والتناغم في الميول والأولويات، بل حتى التخبط في تخطيطها وإدارتها للعملية الإنتخابية، إلا أن غرضها الأساسي إحداث تغيير جذري في الحياة السياسية، تبدأ بإزاحة النخبة السياسية الفاسدة،  ويرتقي إلى السعي لاستعادة الدولة لسيادتها وهيبتها، على سلاح حزب الله وحساب المعسكرات المقفلة والبؤر الأمنية المنتشرة.

معركة الانتخابات المقبلة هي معركة الشرعية: إما شرعية السلاح على حساب الدولة، أو شرعية الدولة على حساب السلاح

بالتالي، فإن معركة الانتخابات المقبلة هي معركة الشرعية: إما شرعية السلاح على حساب الدولة، أو شرعية الدولة على حساب السلاح. إما انتزاع الدولة لسيادة قرارها الأمني والخارجي، وإما البقاء في الوصاية المبطنة التي ينزع حزب الله إلى تحقيقها في معركته الانتخابية المقبلة.

إما عزلة لبنان عن محيطه، وعدم قدرته على ضبط القوى الداخلية، في تنفيد أجندات أجنبية وترسيخ همينة إيرانية، وإما اعتبار الدولة البوابة الوحيدة للدول، بالأخص إيران، للحضور داخل لبنان.

ندرك أن الانتخابات النيابية المقبلة لن تحدث تغييرا جذرياً، ولا تحولاً في معطيات القوة القائمة

من هنا ندرك أن الانتخابات النيابية المقبلة لن تحدث تغييرا جذرياً، ولا تحولاً في معطيات القوة القائمة، لكن في حال نجحت قوى السيادة والتغيير في كسب الأكثرية النيابية، فإن هذا سيمكنها من: تغيير المعادلة السياسية، تحجيم قوة الفساد، خلق تعبئة شعبية ومجتمعية، إظهار درجة عالية من الرفض الشعبي للواقع السياسي والأمني القائم. هي في أقل فوائدها، رسالة رمزية وقوية بوجود مزاج اجتماعي، يرغب في استعادة سيادة دولته وحاكمية القانون، ورفضه لأية أشكال هيمنة داخلية أو وصاية خارجية، وفي أعلى صورها، بداية وانطلاقة قوية لانتزاع اللبنانيين زمام المبادرة، ومسعاهم في تقرير مصيرهم، مهما كانت صور التخويف والتخوين وحتى الاتهام بالردة. 

التأكيد الرسمي وتعبير الأكثرية السياسية والنيابية عن عدم شرعية حزب الله، تسقط عن حزب الله الحصون الدفاعية

نزع الشرعية عن سلاح حزب الله، لا يعني أنه سيسلم سلاحه. فحزب الله عبَّر عن طريق أكثر من قيادة رسمية له، أن سلاحه خارج التداول، وحضور هذا السلاح وطريقة أدائه لن يتأثرا بالنقاش الداخلي، بل إن الشرعية السياسية لن تدفعه إلى تغيير طبيعة حضوره وانتشاره.  لكن الفارق هنا، أن التأكيد الرسمي وتعبير الأكثرية السياسية والنيابية عن عدم شرعية حزب الله، تسقط عن حزب الله الحصون الدفاعية التي كان يتترس بها، وتعرضه لعزلة سياسية واجتماعية وملاحقة دولية.

أي إن الانتخابات المقبلة، ليست معركة نزع سلاح حزب الله، بل معركة نزع الشرعية عنه، ومعركة تحجيم القوة السياسية التي تقف وراءه، وتؤمن الغطاء السياسي والقانوني له.  أي إعادة هذا السلاح إلى حجمه السياسي الطبيعي، والكشف عن حقيقته الأيديولوجية، وإظهار درجة تناقض هذا السلاح، بوضعيه الفاقعة والعدوانية، مع ثوابت الكيان اللبناني وأصول العمل السياسي في داخله.

نزع الشرعية عن السلاح يسقطه معنويا وشعبياً وقانونياً، ويضيق عليه الخناق دولياً

هي معطيات ليست كافية، لنزع هذا السلاح أو وضعه تحت وصاية الدولة، لكن نزع الشرعية عنه يسقطه معنويا وشعبياً وقانونياً، ويضيق عليه الخناق دولياً، ما يضطر الحزب في مرحلة لاحقة، إما إلى التفاوض والمساومة لتسوية وضع هذا السلاح، أو إلى الإصرار على تفلت سلاحه خارج الشرعية.. عندها تكون رسالة المعركة الانتخابية قد حققت غرضها.

السابق
خاص «جنوبية»: السُنة مأزومون.. والحريري والسنيورة يتساجلان «عن بُعد»!
التالي
الدولار يرتفع عصراً.. اليكم حال السوق السوداء