الإنتخابات الديموقراطية والتغيير

زياد عبد الصمد
التغيير هو عملية تراكمية تسير باتجاه بناء الدولة ضمن الأطر الديموقراطية ومن دون الانجرار نحو العنف.

أثبتت تجارب الشعوب، خاصة في المنطقة العربية منذ انطلاق الربيع العربي، أن التغيير هو مسار متعرّج تتخلله الكثير من الصعوبات والتحديات ويتطلب الكثير من التضحيات والجهود. أما الانتخابات فهي أداة من أدواته وتسهم في تحقيق التقدم في المسارات السياسية ولكنها ليست الأداة الوحيدة. ولكي تسهم في التغيير الفعلي يفترض أن تتمتع العملية الانتخابية بالحد الأدنى من المواصفات التي تتماشى مع المعايير الدولية المتعارف عليها والتي تضمن قدراً من الديموقراطية والعدالة والنزاهة والحرية.

ومن هذا المنطلق لم تؤدّ الانتخابات منذ استقلال لبنان الى أي تغيير فعلي، لا بل أدت صيغة النظام التوافقي المتبعة والقوانين الانتخابية المعتمدة الى تعطيل الحياة السياسية وبالتالي نتائج الانتخابات ومفاعيلها، ولا سيما خلال العقود الأخيرة.

أما بالنسبة للانتخابات المتوقعة في 15 أيار، فقد ضعف الزخم الذي خلقته ثورة 17 تشرين خلال الفترة المنصرمة وبالتالي لن تشهد اكتساحاً للمقاعد النيابية كما كان متوقعاً بنتيجة الغضب الذي أدى الى الثورة وتعبيراً عن رفض تسلط تحالف منظومة الفساد والسلاح. ذلك نتيجة عدة عومل أهمها القمع المتمادي الذي مورس بحق المتظاهرين واستخدام كافة أشكاله بما فيه الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع والاعتقال التعسفي الذي تعرّض له المواطنون فضلاً عن المحاكمات أمام المحاكم العسكرية وصولاً الى الاعتداءات الوحشية من قبل ميليشيات تابعة لأحزاب المنظومة.

أما بالنسبة للانتخابات المتوقعة في 15 أيار، فقد ضعف الزخم الذي خلقته ثورة 17 تشرين خلال الفترة المنصرمة وبالتالي لن تشهد اكتساحاً للمقاعد النيابية كما كان متوقعاً

كذلك تجري الانتخابات وفق قانون هو الأسوأ، إذ إنه لا يستوفي أبسط المعايير الدولية للانتخابات الديموقراطية، إن من حيث العدالة في توزيع المقاعد والناخبين وتصميم الدوائر، أو في تشويه النظام النسبي المعتمد، فالعتبة مرتفعة جداً (تفوق الـ20% في بعض الحالات) وبصوت تفضيلي واحد وبكوتتين واحدة مذهبية وأخرى جغرافية، فضلاً عن كون الإدارة غير مستقلة بينما لا تتمتع هيئة الإشراف بصلاحيات تخوّلها وقف التعديات في الإنفاق واستخدام الإعلام علماً بأن سقف الإنفاق مرتفع جداً، أما الأهم فإن القانون يقصي الشباب دون الـ21 عاماً والمرأة لعدم اعتماد الكوتا النسائية.

بالإضافة الى القانون السيّئ والممارسات القمعية التي تعرّض لها المدنيون، فإن إدارة قوى التغيير للمعركة الانتخابية لم تكن موفقة، فقد بدا التشتت والانقسامات في صفوفهم بشكل لافت ما أدى الى إضعاف الموجة الشعبية كما سبقت الاشارة. أما أسباب ذلك فهي عديدة، منها ما يتعلق بعدم الاتفاق على تشخيص المرحلة، فالانقسام حول الأولويات بين فساد المنظومة ودويلة حزب الله أدى الى تشتت القوى والتعارض في المواقف، وأيضاً الاختلاف على الاهداف ومهام المرحلة والاتفاق على البرنامج السياسي واقتراح الحلول لمواجهة تحديات المرحلة، كل ذلك انعكس على الحالة التنظيمية وعلى صياغة التحالفات التي تسهم في إنجاح المعركة الانتخابية.

ولا بد من الإشارة أخيراً الى ضعف التجربة التي أدت الى الإخفاق في الممارسات اليومية، كما أن الامر لا يخلو من بعض الأنانيات وتضخيم الذات بشكل غير موضوعي، ولكن لا يجب تجاهل قدرة قوى السلطة على اختراق بعض الحالات والتسبب بالانقسامات وتشتت قوى التغيير، ما أدى عملياً الى الإساءة الى صورة الثورة والتغييريين وأضعف ثقة الناخبين بهم.

إقرأ ايضاً: مليون ليرة.. مليون «خيبة»!

وعلى الرغم من كل هذه الصعوبات، وكثافة الترشيحات والانقسامات، تمكنت الجهود من تشكيل لوائح أساسية في معظم الدوائر تجمع عدداً من القوى والمرشحين آخذة في الاعتبار القدرة على الحصول على عدد كافٍ من الأصوات لتمكين اللوائح من تجاوز العتبة الانتخابية مع احترام الحساسيات المحلية وحسن التمثيل من دون أن يؤثر ذلك على المبادئ الأساسية والخيارات السياسية.

لا يجب تجاهل قدرة قوى السلطة على اختراق بعض الحالات والتسبب بالانقسامات وتشتت قوى التغيير

بمقدور هذه اللوائح تحسين الصورة واستعادة بعض من الثقة التي فُقدت خلال الفترة الماضية على أمل أن تشهد المرحلة التي تفصل بين انتهاء مهلة تشكيل اللوائح ويوم الاقتراع حملات ناجحة. وقد شاهد اللبنانيون إطلاق هذه اللوائح في كل الدوائر والكثير منها مقنع وتشكل خيارات جدية بالنسبة الى الناخبين، على أمل أن يصار الى توقيع تعهدات من قبل المرشحين من كل المناطق يلتزمون فيها بالمبادئ الأساسية التي يخوضون على أساسها الانتخابات ويتعهدون بتشكيل “لقاء” يجمعهم تحت قبة البرلمان في حال الفوز.

إن ذلك من شانه الإسهام في بناء المزيد من الثقة مع الناخبين، علماً بأن المفاجآت متوقعة في الكثير من الحالات نتيجة غضب الناخبين بعدما حوّلت القوى المتسلطة لبنان من دولة متوسطة الدخل الى دولة ذات دخل متدنٍّ وأدت سياساتها الى إفقار أكثر من 80% من اللبنانيين وفقدان نصفهم عمله ومصادر رزقه واحتجزت أموالهم في المصارف علماً بأن فساد المنظومة وجشعها مستمران رغم كل الانهيارات التي تسبّبا بها.

وهناك تجاوزات خطيرة تقوم بها القوى المتسلطة في بعض المناطق من تعدّيات لمنع المعارضة من القيام بالحملات الانتخابية، بالإضافة الى ارتفاع سقف الإنفاق الانتخابي مستفيدين من المادة 62 من القانون التي تتيح توزيع الرشى، هذا فضلاً عن وجود مرشحين على لوائحها من بين المطلوبين من القضاء اللبناني بعد جريمة المرفأ وآخرين ملاحقين بالعقوبات من جهات دولية نتيجة ملفات الفساد. كما أن المحاولات مستمرة لحرمان غير المقيمين من الاقتراع وممارسة حقهم الديموقراطي.

قادمون على انتخابات بلدية في العام المقبل وانتخابات نيابية بعد 4 أعوام على قوى التغيير أن تكون جاهزة بلا أعذار

إن الفترة الزمنية التي تفصل بين 17 تشرين والانتخابات النيابية، لم تكن كافية لكي تنتظم قوى المعارضة في تيارات وأحزاب سياسية على امتداد الوطن وتعزز حضورها الشعبي، لذلك، وبما أن عملية التغيير هي عملية تراكمية، لا بد من استخلاص العبرة من التجربة والبدء بالعمل منذ اليوم التالي للانتخابات أي في 16 أيار لتكوين حركة معارضة سياسية واسعة تدير حواراً وطنياً جامعاً حول كل القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية لبلورة رؤية مشتركة وبالتالي تحديد الأهداف وتطوير الأطر التنظيمية التي تسمح بممارسة العمل السياسي.

إننا قادمون على انتخابات بلدية في العام المقبل وانتخابات نيابية بعد 4 أعوام، على قوى التغيير أن تكون جاهزة بلا أعذار.

كذلك يقع على عاتق هذه القوى الاستمرار في الدفاع عن المصالح الوطنية وعن حقوق المواطنين من خلال مراقبة عمل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإدارة العامة والمطالبة بالإصلاحات الضرورية وبلورة خطة للتعافي تتوزع فيها الخسائر بشكل عادل بين مختلف الفئات الاجتماعية، مع متابعة ملفات المحاسبة على الجرائم المرتكبة بحق اللبنانيين من جريمة المرفأ والتليل وطرابلس الى الجرائم المالية الاخرى.

الفترة الزمنية التي تفصل بين 17 تشرين والانتخابات لم تكن كافية لكي تنتظم قوى المعارضة في تيارات وأحزاب سياسية على امتداد الوطن

أخيراً لا بد من دعوة اللبنانيين للمشاركة الكثيفة في الاقتراع للوائح المعارضة. فكل صوت في هذه المرحلة المصيرية له أهمية. أولاً لأنه يرفع العتبة ما يصعب مهمّة محادل المنظومة من اكتساح المقاعد بسهولة ولكن أيضاً لتوفير حواصل انتخابية للوائح المعارضة لتتمكن من الاختراق والوصول الى البرلمان لتستكمل دورها الرقابي والتشريعي والضغط من أجل إقرار الإصلاحات الضرورية التي تطالب بها الثورة وإنقاذ البلد وحماية حقوق المواطنين من مقيمين ومهاجرين.

السابق
فيديو صادم : مجزرة مروعة ارتكبها النظام السوري.. اعدام جماعي راح ضحيته 41 شخصاً!
التالي
بالفيديو: نظام الأسد يُعدم 41 مدنياً ويُحرق جثثهم في حي التضامن!