هل يُراد تحجيم جنبلاط بـ «7 أيار» انتخابية؟

وليد جنبلاط

لم يُخْفِ الزعيم الدرزي، رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط توجسه من تحويل الإنتخابات النيابية في 15 مايو المقبل، محاولةً لـ «تحجيمه» لرغبةٍ في الإقتصاص من دوره في لبنان، ومن موقفه من قضايا المنطقة.

فجنبلاط، الذي ما زال يُعْلي الصوتَ في وجه «حزب الله» ومن خلفه إيران، وهو الذي كان شكل «رأس حربة» للحركة الاستقلالية بعد اغتيال رفيقه الرئيس رفيق الحريري، يدرك أن الحزب وحلفاءه «يَتَعَسْكرون» في مواجهته في إنتخاباتٍ تحولت بالنسبة إليه «معركة وجودية».

جميع خصومه توحّدوا في لائحة يُراد منها تطويقه وفرض الحصار عليه في لحظةٍ شكّل الخروجُ المبكّر لـ «تيار المستقبل» وزعيمه سعد الحريري من المعركة، خاصرةً رخوة لسيد المختارة (دارة جنبلاط)، وهو لم يتردّد يوم إعلان الحريري تعليق عمله السياسي بالقول «المختارة حزينة ويتيمة».

… حين وقف النائب تيمور جنبلاط أخيراً على درج قصر المختارة إلى جانب والدته السيدة جرفيت وشقيقته داليا (في ذكرى إغتيال جده كمال جنبلاط)، كان يطبع زعامة البيت الجنبلاطي ببصماتٍ خاصة لخليفة وليد جنبلاط، والده، رئيس «التقدمي» والزعيم الدرزي الذي تمكّن بعد اغتيال والده «المعلم» كمال جنبلاط من أن يكون رقماً صعباً في الحياة السياسية اللبنانية.

إقرأ أيضاً: شمس الدين يرسم عبر «جنوبية» خارطة التحالفات: المال الانتخابي يتحكم بنسبة الاقتراع!

لا شك في أن العقبات التي واجهها وليد جنبلاط والتحديات على صعيد «البيت الدرزي» وفي الواقع اللبناني طوال مرحلة طويلة من الحرب والسلم، جعلتْ منه شخصيةً لا يستغنى عنها، في موازاة تثبيت الدروز وجودهم من ضمن المعادلة اللبنانية الداخلية.

لا علاقة لعدد الدروز في لبنان بما يشكّلونه في النظام وتَوَزُّع الطوائف، ولا علاقة لحصر انتشارهم جغرافياً بمنطقة جبل لبنان وبعض الإمتدادات الحدودية بمكانتهم في التركيبة اللبنانية. هذا الثقل يأتي من أن الدروز عاودوا صوغ دورهم في الصيغة اللبنانية، كما فعل زعيم «الإشتراكي» حين حوّل المختارة «بيضة القبان» في المعادلات السياسية بعد الطائف، على المستوييْن النيابي والحكومي.

الدرزية المعارضة جعلتْ جنبلاط يئنّ تحت وطأة محاولة «حزب الله» حصاره من خلال رعاية لائحةٍ تستهدفه في الجبل والبقاع الغربي

غير أن التحولات في الداخل، ربطاً بما يجري في الإقليم والانتكاسة الأعنف للصيغة اللبنانية منذ ولادة الكيان قبل مئة عام، تجعل الإنتخابات النيابية المقبلة (في 15 مايو) أشبه بخطرٍ يحوم حول المختارة. إذ من البديهي القول إن الدروز يخوضون اليوم الإنتخابات على وقع سيناريو جديد، سواء داخل البيت الدرزي أو في العلاقة مع الحلفاء والخصوم.

ينطلق هذا السيناريو بدايةً من قانون الإنتخاب. فمنذ إقراره عام 2017 وإجراء الإنتخابات الماضية (2018) على أساسه، لم يُخْفِ جنبلاط إمتعاضَه من هذا القانون الذي إعتمد النسبي المطعّم بالأكثري. فهو كان أكثر ارتياحاً إلى القانون الأكثري وتقسيم الدوائر، الذي غالباً ما قيل إنها مفصّلة على قياسه وعلى عدد النواب والأسماء التي يأتي بها. من هنا صَنَعَ جنبلاط كتلةً نيابيةً صافيةً لا تهتزّ تحت وقع تدخلات من خارج الجبل. ولذا جاء القانون المختلط، ليطيح القواعد التي رسمها زعيم المختارة طوال مرحلة ما بعد الطائف وإنتهاء الحرب. والإختبار الأول للقانون في إنتخابات 2018 لم يكن مشجعاً بالنسبة إليه، وهو اليوم يخوض التجربة بتحدياتٍ أكبر.

جرحان طبعا منطقة الجبل: اغتيال كمال جنبلاط عام 1977 وحرب الجبل عام 1983. ورغم المصالحة الدرزية – المسيحية التي أرساها وليد جنبلاط مع البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير وشكلت واحدةً من العلامات الفارقة في الطريق إلى الإستقلال الثاني، فانها إستمرت عرضةً لنكء الجراح التي ما تكاد تلتئم حتى تُفتح مجدداً على وقع الصراع السياسي في البلاد.

فالعلاقة مع المسيحيين من هذه الزاوية تمثل إحدى إشكالات الوضع الدرزي الإنتخابي، وجنبلاط يخوض الانتخابات تحت وهج حساسيات مزمنة مع الفريق المتمثل بـ «التيار الوطني الحر». والعلاقة المتوترة بينهما تعود إلى ما قبل عودة العماد ميشال عون إلى لبنان من باريس في مايو 2005. ورغم تَوافُقٍ ظرفي في مصالحةٍ متجدّدة مع عون ومحاولة جنبلاط من حين إلى آخِر تحييد رئاسة الجمهورية، إلا أن حادثة قبرشمون (صيف 2019) وقبْلها عدم رضى جنبلاط على التسوية الرئاسية، جعلا العلاقة على توتُّرٍ دائم يغذّيها نبْش مسؤولين من التيار في الذاكرة المؤلمة لحرب الجبل.

وينطلق جنبلاط من حال توافقية مع «القوات اللبنانية» في الجبل، لكنها لم تمتدّ إلى البقاع الغربي. فجنبلاط الذي كان يعوّل على «تيار المستقبل»، أراد بعد تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي وعزوف تياره عن الترشح للانتخابات، أن يحافظ على تَحالُفٍ مع «القوات» بالحد الأدنى. ورغم خلافات انتخابية حول تبادل مقاعد مارونية وكاثوليكية وأرثوذكسية نجح الطرفان في صوغ تحالف مناطقي، ومعهما الشمعونيون التقليديون الذين يتمثلون بحزب الوطنيين الأحرار، وهم الذين تجمعهم معارضة «حزب الله».

هذه المعارضة جعلتْ جنبلاط يئنّ تحت وطأة محاولة «حزب الله» حصاره من خلال رعاية لائحةٍ تستهدفه في الجبل والمناطق التي يتمتّع بوجودٍ فيها كالبقاع الغربي، وهو حصارٌ مزدوج من الخاصرتين الدرزية والمسيحية. ويستشعر جنبلاط بأنه للمرة الأولى منذ العملية العسكرية لـ «حزب الله» في بيروت وبعض الجبل، في 7 مايو 2008، ومنذ ان أعاد تدوير الزوايا وتنظيم الخلاف مع الحزب، أن هناك إستهدافاً مباشراً له، وأن تهيئة المناخ أمام تيمور لخلافته تحتاج إلى الكثير من العناية والاهتمام الداخلي والخارجي. من هنا محاولته إبقاء الخطوط مفتوحة مع الرئيس نبيه بري، وفتْحه خطوطاً مباشرة مع السعودية.

لكن جنبلاط يعرف تماماً أن المحاولات لتطويقه باتت جدية، أكثر من أي إنتخابات سابقة. وما فعله «حزب الله» حين اتهمه الوزير السابق وئام وهاب بأنه أسقطه في الجبل (في انتخابات 2018)، بات اليوم من الماضي. فالحزب فَرَضَ نفسه عرّاب مصالحةِ خصومِ جنبلاط في لائحة واحدة، ومَن غيره يقدر ان يجمع «التيار الوطني الحر» ووهاب والأمير طلال إرسلان وناجي البستاني الذي حاول جنبلاط المجيء به إلى التحالف معه؟ علماً أن زعيم «التقدمي» صاغ مع إرسلان ووهاب مصالحة ثلاثية، جعلت وهاب شريكاً في الوضع الدرزي، في حين يصرّ جنبلاط دائماً على إبقاء مقعد فارغ لإرسلان في لائحة عاليه من أجل ضمان عدم تحول الجبل مسرحاً لـ «كباش قاسٍ» داخل البيت الدرزي. لكن جنبلاط في مقلب آخر يعيش همّ الاقتراع السني بعد إنكفاء الحريري، والخشية من ترْكه يواجه وحيداً «حزب الله» من دون حليف سني قوي، يضيف إلى الحصة النيابية ركناً ثابتاً منذ عام 2005.

ما يزعج خصوم جنبلاط من الدروز، اختصار الطائفة بجنبلاط فيما الثنائية الدرزية تاريخية بين جنبلاطيين وإرسلانيين، ومعهما شخصياتٌ مناطقية تدور في فلكهما، كما عائلة الداود في حاصبيا أو وهاب حالياً. لكن الواقع السياسي فرض جنبلاط بامتدادته العربية والإقليمية والدولية، شبْه ممثّل وحيد للطائفة كإطار سياسي شامل، من دون الحاجة إلى عرّابين. وقيامه بدور الحلقة الوسطى بين حلفاء الترويكا ومن ثم في حركة الإستقلال وقوى «14 مارس» وخطبه الشهيرة في ساحة الشهداء، جَعَلَه متقدّماً في المشهد الدرزي اللبناني. من هنا فإن أي انتخابات تحاول قصقصة جناحيه، يعني أنها محاولة لتقزيم دوره في الإستحقاقات المقبلة الحكومية والرئاسية.

لكن في المقابل فان جنبلاط في قيادته الإنتخابات النيابية، يملك ما لا يملكه سوى «حزب الله» وبري في الإطمئنان الشعبي المطلق لقاعدته. وهو في هذه النقطة، لا يخشى إنخفاضاً في التصويت أو إقتراعاً غير مضبوط. إذ انه يملك ماكينة إنتخابية تتميز بفاعلية مطلقة، في القرى والبلدات الدرزية والمشتركة.

جنبلاط في قيادته الإنتخابات النيابية يملك ما لا يملكه سوى «حزب الله» وبري في الإطمئنان الشعبي المطلق لقاعدته

ونادراً ما لم تصبّ في فرْض إيقاع مدروس بالإقتراع حيث يجب، حجباً للأصوات أو إقتراعاً شاملاً أو إختياراً للصوت التفضيلي. إلا أن هذا لا يعني أن جنبلاط اليوم لا يخشى المفاجآت لا سيما في مرحلة يدخل فيها «حزب الله» على المكشوف في الإنتخابات في الجبل للمرة الأولى بهذا الوضوح.

ذلك أن إنتخابات درزية – درزية أو درزية – مسيحية يعرف جنبلاط حدودها، أما مع «حزب الله» فالمعركة لها حسابات مختلفة تتعلق بالمستقبل والعلاقة بين المكوّنيْن الدرزي والشيعي في زمن الشهيات المفتوحة على إحداث تغييراتٍ غير محسوبة في النظام.

السابق
أرمن لبنان من «حزب السلطة» إلى ضفاف الانقسامات السياسية!
التالي
الشعبوية النيابية «تُطيّر» الكابيتال كونترول..والغموض يكتنف الإستحقاق الإنتخابي!