حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: طهران «تبتز» «الفرصة النووية» الأخيرة!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

على الرغم من تمسك الطرفين الامريكي والايراني، بالخيط الضعيف الذي يمنع طاولة المفاوضات، لاعادة احياء الاتفاق النووي من الانهيار، وتأكيدهما بان الامور باتت اقرب الى خواتيمها، وتقاذف كرة القرار السياسي الذي يعيد الامور الى نصابها، ويفتح الطريق امام مرحلة جديدة، الا ان مرور سنة على هذه المفاوضات، واكثر من شهر على تعليق الجولة الثامنة لجلسات فيينا، يبدو من الصعب، على اي من الاطراف المعنية بهذه المفاوضات، تقديم رؤية واضحة حول مستقبلها، وما يمكن ان تنتهي اليه، ما يفتح الباب امام تأويلات مختلفة ومتشعبة، تغلب عليها احتمالات السلبية، بان تطيح المماطلة المسيطرة بأصل المفاوضات، وتعيد الامور الى دائرتها الاولى، وتحمل ايضا تفاؤلا بامكانية حصول انفراجة حقيقة بالقدر نفسه. 

اقرأ أيضا: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الحرب الاوكرانية.. إبحث عن المصالح الإيرانية!

يبدو ان طهران قد حسمت خياراتها باعادة احياء الاتفاق وانهاء العقوبات الاقتصادية، خاصة في محاولة ربط مصير المفاوضات بالموقف الروسي، بعد الصدمة التي احدثها، الذي طالب بضمانات امريكية مكتوبة حول آليات التعامل الاقتصادي بين موسكو وطهران، بعد العقوبات التي فرضت على روسيا نتيجة الحرب على اوكرانيا. فتأكيد وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبداللهيان، بان بلاده لن تسمح لاي من الاطراف الدولية، التأثير سلبا على المصالح الاستراتيجية والقومية لايران، جاء في سياق فهم منه، بأنها محاولة لطمأنة الشارع الداخلي، بان المواقف التي اتخذتها طهران، بالوقوف الى جانب روسيا في المحافل الدولية، لا يعني ان قيادة النظام او المفاوض النووي، على استعداد للمخاطر بهذه المصالح، خدمة لمصالح اي من الاطراف حتى روسيا، التي تصنف بانها صديق اسراتيجي لايران. 

طهران قد حسمت خياراتها باعادة احياء الاتفاق وانهاء العقوبات الاقتصادية

تبرز في الاوساط السياسية الايرانية، قراءة تتحدث عن ضرورة التأني وعدم التسرع، في حسم الموقف على المسار التفاوضي النووي في فيينا، بانتظار ان تهدأ الامور واتضاح الرؤية، التي ستكون عليها الامور نتيجة الحرب الروسية على اوكرانيا، وكيف سيكون عليه الموقف الاستراتيجي لموسكو، والخطوات التي قد تلجأ اليها في حال النصر او الهزيمة، والشيء نفسه ينطبق على الموقف الامريكي والغربي– الاوروبي، والالية التي ستتعامل بها هذه الدول، مع تداعيات هذه الحرب وقدرتها على ترميم ما اصاب قدراتها الرادعة، وهيمنتها السياسية على الاتجاهات الدولية بشكل سريع. 

وفي قراءة مقابلة، يعتقد البعض من القوى الايرانية، امكانية توظيف الازمة الاوكرانية لتعزيز الموقف الايراني، في مواجهة الضغوط الامريكية، لجهة ان هذه الحرب تركت اثارا عميقة على النظام العالمي، ما يعني ان هذه التطورات، تفترض بالمفاوض التريث في حسم الموقف، بالذهاب الى الاتفاق مع واشنطن، خاصة في ظل تمسك الاخيرة بشروطها الرافضة لمطالب طهران، بالغاء جميع العقوبات، بما فيها اخراج قوات حرس الثورة عن لائحة الارهاب والعقوبات باعتبار هذه المؤسسة من الخطوط الحمراء للنظام، عدم تجاوبها مع مطلب تقديم ضمانات، تتعلق باستمرارية واستدامة الاتفاق الموقع. وبالتالي فان تعليق الامور وتأجيل العودة الى طاولة التفاوض، مع استمرار ايران بانشطتها النووية بالتوازي مع القيام بعدد من الخطوات، التي تلبي جزءً من الحاجات الامريكية، سيساعد في الحصول على تنازلات امريكية اكبر واكثر، مما هو مطروح على الطاولة في هذه المرحلة. 

يعتقد البعض من القوى الايرانية امكانية توظيف الازمة الاوكرانية لتعزيز الموقف الايراني في مواجهة الضغوط الامريكية

وفي الوقت الذي تحاول طهران التركيز، على صياغة موقفها من الاتفاق النووي، ومسار التفاوض بينها وبين الولايات المتحدة، والوصول الى نتائج ايجابية تساعد على خروجها من تحت العقوبات، وتفتح الطريق امام اعادة ترميم اقتصادها، وتحريك عجلة التنمية وتحسين الحياة المعيشية لمواطنيها بعد ارتفاع مستويات الفقر بشكل غير مسبوق، فاقت نسبته 80 في المئة ( ما بين الفقر ودون خط الفقر)، تأتي خطوة الافراج عن عدد من المعتقلين الامريكيين من اصل ايراني من السجون الايرانية، مقابل الحصول على جزء من اموالها المجمدة في الخارج من البنوك الكورية، كأحد المؤشرات المتبادلة بين واشنطن وطهران، على رغبتهما في الانتهاء الى نتائج ايجابية على المسار النووي، على الرغم من تأكيدهما الفصل التام بين المسارين. 

في موازاة ذلك، يبدو ان القيادة الايرانية، وعلى الرغم من انشغالها بالمسار التفاوضي والكباش القائم بينها وبين واشنطن، فانها تتابع بقلق ما تشهده منطقة الشرق الاوسط، من تحركات دبلوماسية وحراك سياسي، خاصة على المسار التركي العربي الخليجي، وما يمكن ان يشكله من تحديات في المرحلة المقبلة، خاصة فيما يتعلق  بامكانية بروز محور جديد، في مواجهة طموحاتها ومشروعها الاقليمي. وهو حراك يضاف الى الحراك الحاصل على خط العلاقة، والتنسيق المتزايد بين اسرائيل وعدد من العواصم العربية – الخليجية ايضا، وهي تلتقي مع عودة الحرارة على خط العلاقة بين تل ابيب مع انقرة. 

الانشغال الايراني بالعقبات التي تواجهها على المسار النوووي ومفاوضته، وما استتبعته من اثار وتأثيرات الموقف الروسي والازمة الاوكرانية، سمح لعواصم اقليمية، حسب اعتقاد بعض مواقف القرار الايراني، بالعمل على اعادة ترتيب اوراقها، في مواجهة الدور المرتقب لايران ما بعد الاتفاق مع واشنطن وخروجها من دائرة العقوبات. وهو الامر الذي سمح لها في تفعيل تدخلاتها في ساحات، تعتبرها طهران مجالا حيويا لها، ويؤثر اي متغير فيها على منظومة وعقيدة الامن القومي لطهران، من هنا جاءت الضربة الصاروخية التي استهدفت مدينة اربيل مركز اقليم كردستان، بالاضافة لما تشكله ازمة السلطة والحكم في العراق، والانسداد السياسي في استكمال الاستحقاقات الدستورية، واتهامها لكل من دولتي الامارات وتركيا، بلعب دور سلبي يستهدف الدور والنفوذ الايراني على هذه الساحة. 

القيادة الايرانية تتابع بقلق ما تشهده منطقة الشرق الاوسط من تحركات دبلوماسية وحراك سياسي خاصة على المسار التركي العربي الخليجي

ويشكل الحراك التركي، باتجاه السعودية وقبلها الامارات، ودور انقرة المتنامي على خط الازمة الروسية الاوكرانية، وما يتسرب عن امكانية تفاهم روسي تركي، حول دور الاخيرة على الساحة السورية بعيدا عن طهران، من مصادر القلق الايراني ايضا، لما تحمله من مؤشرات على حدوث تحولات في البنى السياسية الاقليمية، وامكانية حصول اصطفافات جديدة في محيطها. وفي حال عجزها عن التعامل مع هذه المستجدات، فان الانجاز الوحيد الذي ستخرج  به، لن يتعدى ما ستحصل عليه من اعفاءات جزئية  من العقوبات الامريكية، وبآثار غير مستقرة وغير ثابتة على المستوى الاقتصادي.

السابق
لماذا أفلس لبنان؟ القصة من بداية النهب المنظم إلى معالجات التصحيح المالي
التالي
بعدسة «جنوبية»: السفير السعودي يجول على القيادات الروحية