حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الحرب الاوكرانية.. إبحث عن المصالح الإيرانية!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما يزال الجدل داخل الاوساط الايرانية، بمختلف انتماءاتها المحافظة والاصلاحية، مستمرا حول تداعيات الحرب الروسية على اوكرانيا. وعلى الرغم من مرور اكثر من 40 يوما على هذه “الغزوة” البوتينية، فان هذا الجدل لم يرسو على موقف واضح، تأييدا او رفضا، حالهم – هذه الاوساط- حال الموقف الرسمي للنظام، الذي حاول الامساك بالعصا من المنتصف، عندما اعلن نصف موقف، برفض مبدأ اللجوء الى حل النزاعات بالحرب، في مقابل اتهام الولايات المتحدة باشعالها، في اوكرانيا على حساب شعبي روسيا واوكرانيا، ومن اجل تحقيق طموحاتها التوسعية وسياسة الهيمنة.

الارباك على المستوى الرسمي الايراني، يأتي من حجم المخاوف والتداعيات التي ستنتج عن هذه الحرب، والعجز عن الوصول الى قراءة حاسمة لمآلاتها، او اعتماد رؤية لتحليلها، والموقف الواجب اعتماده منها، وتوقع نتائجها واثارها بشكل صحيح ودقيق. وقد انعكس هذا الارباك على مختلف الاوساط، وخلق ازمة في محاولات هذه الاوساط لفهم الموقف الرسمي.

لا شك ان المستوى السياسي في النظام والحكومة، ينظر الى اثار هذه الحرب، من الزاوية او النقطة التي تشكل محور اهتمامه في هذه المرحلة، اي المفاوضات النووية ومساعي الخروج من دائرة العقوبات الامريكية، وقد زادت هذه النظرة تعقيدا بعد الموقف الروسي، الذي كاد يطيح بالمفاوضات ونتائجها في امتارها الاخيرة، عندما وضع شرط الحصول على ضمانات امريكية مكتوبة، داخل النص النهائي للاتفاق، يستثني العلاقة التجارية والمالية والاقتصادية بين روسيا وايران، من العقوبات الامريكية والاوروبية على روسيا نتيجة حربها على اوكرانيا.

طهران التي كانت تسعى لتحقيق معادلة متوازنة، في علاقتها بين موسكو وواشنطن، تجعلها رابحا في اتفاق فيينا المنتظر

طهران التي كانت تسعى لتحقيق معادلة متوازنة، في علاقتها بين موسكو وواشنطن، تجعلها رابحا في اتفاق فيينا المنتظر، بالغاء العقوبات التي تحاصرها، والتأسيس الجدي لتطبيع علاقتها مع واشنطن، والدول الغربية والمجتمع الدولي، وان تعمل على تعزيز العلاقات التي اسستها مع روسيا والصين، وسياسة الانفتاح على الشرق، على قاعدة التوازن بين المعسكرين. غير ان الموقف الروسي اعاد خلط واوراقها، وباتت المؤسسة الرسمية او الدولة العميقة، امام سؤال جوهري حول النوايا الروسية، ومدى جديتها في الوقوف الى جانب ايران، ومساعدتها بالتصدي للطموحات الامريكية، في اطار رؤية، كانت تعتقد طهران، انها تشكل عصب الموقف الذي يجمع بينها وبين موسكو وبكين، على طريق مشروع اعادة صياغة النظام العالمي الجديد، بعيدا عن الاحادية القطبية.

موسكو تتخوف، من امكانية اي تقارب محتمل بين طهران وواشنطن

واذا ما كانت الصدمة الروسية قد صب في صالح الاصوات المعارضة للاندفاعة نحو موسكو وبكين، خاصة في الاوساط الاصلاحية واللبيرالية، او المتغربة حسب وصف قوى اليمين المتشدد لهم، فانها دفعت في المقابل الدبلوماسية الايرانية، لاعادة حساباتها في التعامل مع موسكو وموافقها، وامكانية ان تتحول الى عامل تخريب، في استعادة ايران لموقعها ودورها على الساحة الدولية، انسجاما مع مصالحها الاستراتيجية في التعامل مع مصادر الخطر، خاصة وان موسكو تنظر الى الاتفاق النووي، حاجة امريكية في هذه المرحلة، تسعى لتوظيفه مع ايران كورقة، في تشديد الحصار على موسكو، من بوابة عودة ايران الى اسواق الطاقة، كمصدر لتعويض جزء من النقص في امدادات النفط والغاز الروسي، بالاضافة الى ان موسكو تتخوف، من امكانية اي تقارب محتمل بين طهران وواشنطن، ما يعني خطر عودة ايران للعب دور “الحاجز”، بين روسيا وطموحاتها باتجاه المياه الدافئة، كما كانت في مرحلة الحرب الباردة.

المؤسسة العسكرية، وتحديدا حرس الثورة، الذراع العسكرية الاساسية للنظام، والذي يعتبر الجهة المعنية، اكثر من غيرها بالمتغير الاوكراني والحرب الروسية، لجهة تأثيراتها على ساحات نفوذه المتشابكة، مع النفوذ الروسي في الشرق الاوسط، وما يمكن ان تخلقه من تعقيدات وارباكات، تسعى – هذه المؤسسة- وبما لها من تأثير على القرار الاستراتيجي للنظام، التوصل الى خلاصات واضحة، تساعدها على وضع استراتيجية ، تسمح لها بالتعامل مع مختلف النتائج والتداعيات لهذه الحرب، بحيث تتمكن من الحفاظ على مصالحها ومصالح النظام الاستراتيجية، خاصة ما يتعلق بموقفها في مواجهة العقوبات الامريكية المفروضة عليها، بالاضافة الى استراتيجتها، في التصدي للوجود الامريكي في الشرق الاوسط ومنطقة غرب آسيا.

انتصار واشنطن والنيتو، يعني خسارة ايران لمشروع تفكيك الاحادية القطبية ولتفكيك الوجود الامريكي في محيطها

من هنا، فان الرؤية التي تعتمدها هذه المؤسسة، تنطلق من ان التعامل مع الحرب الاوكرانية، انها مجرد حرب بين بلدين – روسيا واكرانيا- هو خطأ استراتيجي من قبل ايران، لانه يتعارض مع حقيقتها، وكونها حربا بين روسيا وحلف النيتو، بقيادة امريكية على الارض الاوكرانية، وبالتالي فان انتصار واشنطن والنيتو، يعني خسارة ايران، اولا، للعمق الروسي في هذه الحرب الاستراتيجية ومشروع تفكيك الاحادية القطبية، وثانيا، خسارة ايران لكل الجهود والسياسات والاقتصادية، والحروب التي خاضتها مع واشنطن على مدى اربعة عقود، كانت تسعى وتعمل خلالها، على تفكيك الوجود الامريكي في محيطها، وابعاده مع حلف النيتو عن حدودها ومجالها الحيوي في غرب آسيا.

لذلك، فان الموقف او القراءة، التي تتعامل بها مؤسسة الحرس مع الحرب الاوكرانية، تنظر الى تمدد النيتو شرقا، تهديد حقيقي للعمق الاسيوي لايران ودول المجال الحيوي لروسيا، خاصة وان وجود النيتو في افغانستان، على مدى عشرين سنة شكل تهديدا مباشرا لايران، كما هو في العراق، ما يعني ان تمدد هذا الحلف الى اوكرانيا وجورجيا ودول شمال ايران، يشكل تهديدا اضافيا لطهران، تعززه حالة العداء الامريكي، القائمة بين النظام والولايات المتحدة، ما يفرض خلاصة تشكل محور موقف هذه المؤسسة من الحرب، تقوم على ضرورة تغليب المصالح الاستراتيجية والامن القومي، والذي يعني هنا الوقوف الى جانب موسكو، على اي ضرورة اخرى. وبالتالي تصبح معها واشنطن والنيتو، هما الجهة المسؤولة عن اشعال الحرب الاوكرانية، في اطار سياستهما التوسعية، ويتحملان مسؤولية ما تتعرض له اوكرانيا من خسائر ودمار.

السابق
الطقس الصحراوي يعود..سلسلة موجات حارة والذروة الاربعاء!
التالي
برّاد «ملغوم».. الى رومية!