وجيه قانصو يكتب لـ«جنوبية»: «حزب الله».. من الدويلة إلى دولة الدويلة

وجيه قانصو
يخص الدكتور وجيه قانصو «جنوبية» بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع ومنصاته.

  ثمة رهانات كبرى، تعقد على الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان. بين رهان تغييري أو إصلاحي، انطلق منه رموز حراك 17 تشرين لتعديل ميزان القوى، وإمكان توليد قوة وازنة وفاعلة، في عملية اتخاذ القرار الرسمي، وبين رهان مقابل أكثر طموحاً ينطلق منه “حزب الله” لا يقتصر على تعديل ميزان القوى، بل يطمح إلى وضع قواعد جديدة، لصناعة القرار ووضع السياسات العامة.

حظوظ رهان الطرف التغييري أو الثوري، تبدو ضئيلة بل ضعيفة، بسبب عدة عوامل:

بعضها ذاتي، يتعلق بدعاة الثورة والتغيير أنفسهم، حيث اتسم أدائهم بالتشتت في المواقف والتضارب في الترشيحات، والمزايدة في التصعيد غير المحسوب. كما اتسم خطابهم بغياب صورة المشهد الكبيرة عند أكثرهم، إضافة إلى حضور فاقع “للأنا” المتضخمة، وحتى النرجسية عند الكثيرين من المتصدين، ومن هم في الواجهة، ما جعل حراك 17 تشرين وما تولد منها من تحريك للماء الراكد حينها، مناسبة استثمار انتخابي لا مناسبة جلية في التغيير. 

هو انكفاء تحكمه حسابات استراتيجية، تجعل لبنان فضلة وأقل أهمية بالقياس

كذلك فقد كان واضحاً غياب الدعم الخارجي لقوى التغيير، وانكفاء الدول المعادية لحزب الله، في إلقاء ثقلها المادي والمعنوي في المعركة الانتخابية. هو انكفاء تحكمه حسابات استراتيجية، تجعل لبنان فضلة وأقل أهمية بالقياس، إلى لعبة تنافس الأمريكيين مع الصين، والصراع مع روسيا، ومحاولات احتواء إيران. إضافة إلى التقديرات المسبقة بأن الانتخابات، مهما كانت نتائجها، ستكون ذات أثر لا يذكر، على مستقرات وثوابت اللعبة السياسية في لبنان.

هذه العوامل جعلت قوى المعارضة و “الثورة”، تتواضع في طموحها، وترى أن أفضل الممكن هو إحداث اختراق في المجلس النيابي، لا يغير من ميزان القوى، بقدر ما يشوش ويعرقل حركة صناع القرار الأساسيين، الذين يرجح حصول عودة مظفرة لهم إلى المجلس النيابي.

طموح ينتقل من حال الدويلة داخل الدولة والمستقلة عنها، إلى حال الإمساك بالدولة والتحكم بكامل مقدراتها

أما رهان الطرف الآخر، حزب الله بالتحديد، فيبدو وفق منطق خطابه الانتخابي، أنه لن يكتفي بإعادة إنتاج ميزان القوى السابق، وتكرار مشهد الحياة السياسية المألوف، بل يعمد إلى التقدم خطوة كبرى إلى الأمام، بوضع قواعد لعبة جديدة، تمكن الحزب ومن تحالف معه، بالتفرد في رسم السياسيات ووضع الاستراتيجيات وتموضع جديد للبنان، تدفع به إلى التوجه شرقاً وتعمق الفجوة بينه وبين محيطه العربي. هو باختصار، طموح ينتقل من حال الدويلة داخل الدولة والمستقلة عنها، إلى حال الإمساك بالدولة والتحكم بكامل مقدراتها. هو انتقال لا يضمن للحزب  مشروعية داخلية ودولية فحسب، بل يوفر له إمكانات مؤسساتية ولوجستية وحتى قانونية، ليصبح لاعباً مؤثراً في سياسات المنطقة وطبيعة توازناتها.

هو طموح عززه سقوط تحالف 14 آذار، وتضعضع قواه، وانسحاب القوة الوازنة فيه، تيار المستقبل، من المشهد السياسي بالكامل بطريقة مهينة. والجنوح الغربي، الأمريكي تحديداً، إلى التسوية مع إيران، التي مؤداها الفعلي الاعتراف بالدور الإيراني في المنطقة، وإمكانية مقايضة دولية مع إيران، يكون لبنان أهم أثمانها وضحاياها.  إضافة إلى انكشاف هشاشة المجتمع اللبناني وتفككه، بعدما أفصحت قوى المجتمع المدني، عن غياب التصور السياسي الواضح لدورها، والتباس حقيقي لدى قوى التغيير و”الثورة”، في معنى الثورة ومقدماتها ومقتضياتها، إضافة إلى خفة في أداء أكثر رموزها، وغياب الترتيب في الأولويات لديها، وجنوح الكثر من الناطقين بإسمها إلى لعب أدوار استشهادية أو بطولية ذات طابع نجومي، أكثر منه تقويضاً لأركان السلطة، وتفكيكاً لقواعدها والإتيان بقواعد جديدة.

فالخطأ الذي حصل، هو حين تم تحميل الحراك الاحتجاجي، أكثر من قدراته وإمكاناته

أعلم أن شروط تحقق الثورة، لم تكن متاحة في 17 تشرين  من العام 2019، وليست متاحة الآن أيضاً.  فالخطأ الذي حصل، هو حين تم تحميل الحراك الاحتجاجي، أكثر من قدراته وإمكاناته، حيث بدا في بداياته عالي السقف ثم انحدر انخفاضاً وتدنياً، ليتحول إلى مجرد مسعى، لاختراق المجلس النيابي بأصوات محدودة.  ولعل، فالذي كان ينبغي التفكير فيه ملياً، ليس في القدرة على الإتيان ببضعة أصوات في الانتخابات النيابية، بل في جدوى خوض الانتخابات نفسها، أي في التغيير الحقيقي الذي ستحرزه الانتخابات، في طريق الثورة الشاملة، بخاصة إذا هنالك خطر الوقوع في فخ السلطة، باللعب في ملعبها ووفق قواعدها.  

هو سؤال يندرج ضمن السؤال الأكبر، الذي لم يأخذ حظاً كافياً في التفكير والنقاش والتدبر: ما معنى أن نثور؟

السابق
«قبل هدر دم الأبرياء».. مرشح للانتخابات جنوباً يُناشد رفضاً «للسواطير والجنازير»!
التالي
العهد يُعزّز «دفاعات» حزب الله الدبلوماسية..والراعي يُحذّر من سعي عوني إلى التمديد!