العرب بين «ألغاز» الغاز.. و«لعنة قايين»!

كتاب لعنة قايين

” بات الغاز مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين ، وبديل الطاقة المناسب للنفط ، سواء بعد تراجع احتياطي النفط عالمياً أو لأنّ الغاز هو طاقة أنظف من النفط وأقلّ ضرراً للبيئة . ولذلك فالسيطرة على المناطق الغنية بالغاز في المنطقة العربية وآسيا وأفريقيا ، تُعتبر بالنسبة إلى القوى الكبرى أساس الصراع الدولي الحالي في تجلياته الإقليمية  ” . هذا ما يقرّره الباحث والكاتب الكندي اللبناني الدكتور كمال ديب ، في مقدمة كتابه الموسوم ب ” لعنة قايين ،  أو ( حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سورية ولبنان )  ” . والصادر في طبعة ثانية في ال 2019 ، عن ” دار الفارابي ” في بيروت .

كتاب ” لعنة قايين ” هو كتاب عن : ” إقتصاد الغاز وعلاقته بالجيوبوليتيك الدولية “

عموميّة موضوع حيويّ

ونحن نشير إلى أنّ الحرب الروسية – الأوكرانية الدائرة اليوم ( وهي التي يقف على رأس أسبابها الجوهرية ، ما يشكّل أحد اضلاع موضوع هذا الكتاب ) ، إقتضت منَّا التّذكير بكتاب ” لعنة قايين ” ، الذي هو كتاب عن : ” إقتصاد الغاز وعلاقته بالجيوبوليتيك الدولية  ” .

وكتاب ” لعنة قايين : حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سورية ولبنان ” لكمال ديب يغطّي نقصاً مهمّاً في المكتبة العربية . فهو يقدّم المعلومات الأساسية حول موضوع حيويّ يحتاج إليها كل باحث وإعلامي ومسؤول ، وكل قارىء يهتم بالشأن العام .

مضمون الكتاب

وهذا الكتاب يتضمن : مقدّمة وأحد عشر فصلاً ويسير وفق خطة مُحكمة ، تُدخل قارئه في أجواء رحلة بحثيّة ، تأخذه في ( 1 ) تاريخ الغاز الطبيعي و ( 2 ) تطبيقات عِلم الاقتصاد حول الغاز كمَصدر للطاقة و ( 3) أسباب صعوده وتراجع النفط . ثم يتشعّب منذ الفصل الرابع إلى عددٍ من الفصول لمعالجة الجيوبوليتيك الدولي والحروب والأزمات التي كان الغاز في طليعة أسبابها ، سواءٌ في أوروبا وآسيا أو في الشرق الأوسط وإفريقيا . هذه الفصول تتضمن معلوماتٍوتفاصيل عن الحرب السورية والغاز في قطر ولبنان وشرقي البحر المتوسط وأدوار كل من السعودية وتركيا وإيران . ويختتم الكتاب بفصل عن مشروع أوراسيا وأهمية أن يلتحق العرب به .

كتاب ” لعنة قايين ” : حروب الغاز من روسيا وقطر إلى سورية ولبنان يغطي نقصاً مهمّاً في المكتبة العربية

مسألة حياةٍ أو موتٍ عالميّة

هذا ،  على أنّ  : ” حروب الغاز ليست معارك عسكرية وصواريخ وأساطيل ، بل هي أكثر تعقيداً . بدأت صراعاً على منابع الغاز وطرق الإمدادات ، واشتعلت حروباً من وسط آسيا إلى سورية وأوكرانيا وأفريقيا ، وتخللتها مواجهات قانونية وعقوبات ومقاطعة بين دولٍ وشركات … فالكلام عن الغاز لا يقتصر على الاقتصاد ، بل هو حاضر في الجيوبوليتيك بعدما أصبح سِباق الهيمنة على العالم صراعاً على الغاز الذي غدا اليوم كما النفط في الأمس مسألة حياةٍ أو موتٍ بالنسبة إلى الأمم كافة .

لَعنَتَا قايين عربيّاً

ووفق الإرث الديني للمشرق العربي ، هابيل وقايين ( أي قابيل ) هما ولدا آدم وحواء يعملان معاً ، الأوّل مزارع والثاني راعٍ لكنّ الحسد أصاب قايين الذي قتل أخاه واستحوذ على الثروة لنفسه ، فأصابته لعنة الرب أو  ” لعنة قايين  ” . والنفط هو ” لعنة قايين ” العرب . ففي القرن العشرين كان حلم النهضة العربية حاضراً بقوة . ثم جاء الاستعمار الغربي وقسّم العرب ورسم بينهم حدوداً وفق توزيع ثروة النفط وجعل عليها أمراء بعدد سكان قليل ، تاركاً الثقل السكاني العربي خارجها . ثم دفع الاستعمار ” الأخ ليقتل أخاه ” ، فاستُعملت ريوع النفط وقوداً لقتل العرب وذبح فلسطين .

أصبح سباق الهيمنة على العالم صراعاً على الغاز الذي غدا اليوم مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى الأمم كافة

أمّا في القرن الواحد والعشرين ، وُلدت لعنة ثانية على العرب هي الغاز الطبيعي . لتصبح الشعوب العربية وبلاد العرب وقوداً في ” حروب الغاز ” – في سورية وليبيا واليمن والعراق ومصر ، وصولاً إلى لبنان وفلسطين وهنا أيضاً أوجد الغرب أمراء يملكون الكثير من الغاز ويقبلون أن يكونوا ” شركاء ” في قتل عربٍ آخرين .

أساس الصراع الدولي الحالي إقليمياً

ومما تحفل به مقدمة الكتاب ، نقتطف الآتي :

يرى بعض المراقبين ومحللي قطاع الطاقة أنّ أحداث المشرق العربي وخصوصاً منذ 2011 تتعلق بالدرجة الأولى بالغاز الطبيعي وموارده . أي إنّ حروب سورية وليبيا والعراق واليمن ( وحتى مالي التي تقع جنوبي الجزائر ) ، تهدف إلى السيطرة على أسواق الغاز وحقوله .

ومنذ أن أصبح الغاز مصدر الطاقة الاستراتيجي على المستوى العالمي ، أخذت أميركا ، كما روسيا والصين وألمانيا زعيمة الاتحاد الأوروبي ، تبدي اهتماماً كبيراً بمصادر الطاقة والغاز   في الخليج العربي ودول شرق المتوسط وشمال إفريقيا .

عصر الغاز الذهبي

ووفق تقرير وكالة الطاقة الدولية للعام 2011 ، دخل العالم ” عصر الغاز الذهبي ” خلال العقد الأول من الألفية الحالية .

 وعلى صعيد المفهوم الاقتصادي ، لا يمكن للغاز كسلعة تجارية أن يُشعل حروباً بمفرده . إلاّ أنّ تشابك الأمور – جهد روسيا في السيطرة على حيّز هام من سوق الطاقة ، وسعي أميركا لربط أمن الطاقة لدى حلفائها بمصالحها الدولية ومظلتها الأمنيّة – جعل الغاز أداة الصراع الدولي الجديد .

وما يعزّز أهمية الغاز الطبيعي أنه بات مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين ، بديلاً للنفط الذي تراجعت احتياطياته عالمياً ، ولأنّ الغاز الطبيعي أقلّ ضرراً للبيئة .

” لعنة قايين ” الأولى على العرب مثَّلها النّفط في القرن العشرين واللعنة الثانية عليهم يمثّلها الغاز الطبيعي في القرن الواحد والعشرين

ولهذا فإنّ التحكّم أو السيطرة في المناطق الغنية بالغاز في الخليج وإيران وشرقي المتوسط وشمال أفريقيا ، يعتبر بالنسبة إلى القوى الكبرى نافذة أساسية للصراع الدولي في أبعاده الحالية .

حروبٌ على شرايينِ حياةٍ إقليمية ودولية

ولا تقتصر حروب الغاز على الدول المصدرة له ، بل أيضا وخصوصاً على الدول التي  تعبرها  خطوط نقله . ذلك أنّ هذه الخطوط تحوّلت إلى شرايين حياةٍ لدولٍ وكيانات ، وإلى وسائل ضغط ومساومة لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية ، إقليمية ودولية ، بحيث باتت هذه الخطوط والمشاريع المتعلقة بها ، أهدافاً رئيسة لقوىً إقليمية وعالمية تريد الضغط على حكومات أو إسقاط أنظمة حكم .

وهكذا يشهد العالم منذ تسعينيات القرن العشرين – وعلى امتداد مساحة آسيا وأوروبا – صراعاً غازيّاً يمتد من المنطقة العربية ويصل إلى وسط آسيا وشرقي أوروبا . وهذا الصراع استعر واتّخذ وجهة عسكرية عندما اقترب نضوب احتياطيات النفط في عدة مناطق من العالم ، وكلما ظهرت تقديرات جديدة عن تزايد الاعتماد العالمي على الغاز الطبيعي كأحد أهم مصادر الطاقة النظيفة .

السابق
بعدسة «جنوبية»: تزامناً مع الجلسة النيابية.. اعتصامٌ للمودعين في محيط الأونيسكو وهذه أبرز المقررات
التالي
رسالة من لقمان (٥): أولسنا على حق؟!