«الكابيتال كونترول».. أكل «عظم المودعين بعد لحمهم»!

زحمة امام احد المصارف
لا تزال الطبقة السياسية تتعارك في ما بينها، تحت عنوان "قانون الكابيتال كونترول" وقد تم تأجيله للمرة الرابعة، أما في الحقيقة فهي لا تريد إقراره لإنها بحسب مصادر مواكبة للمشروع ل "جنوبية"، "لم تشبع بعد أن أكلت لحم المودعين حيا طوال السنتين الماضيتين، وتلذذت بشرب جنى أعمارهم حتى الثمالة، و اليوم بقي الجلد أي فتات الودائع التي تريد قضمها أيضا تحت أنيابها، ولذلك تتلطى وراء خلافاتها مع الحكومة ظاهريا، أما في الحقيقة فالجميع متفق على الإجهاز تماما على حقوق المودعين".

ليست المرة الاولى التي تقوم بها قيامة مجلس النواب ولا تقعد خلال عرض مشروع قانون “الكابيتال كونترول” عليه، ففي المرة الاولى سقط إقتراح القانون المقدم آنذاك من حكومة الرئيس حسان دياب، بعدها سقط إقتراح حاكم مصرف لبنان رياض لنيل صلاحيات إستثنائية، لتنظيم القيود التي تطبقها المصارف على المودعين وتوحيدها،  ثم سقطت صفة العجلة عن إقتراح قانون مقدم من النواب ياسين جابر وسيمون أبي رميا وآلان عون، واليوم كانت آراء النواب متباينة خلال إجتماع اللجان النيابية المشتركة لدرس مسودة القانون، المقدمة من حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وطلبت منها إعادة إرساله إلى مجلس النواب مرفقا بالاسباب موجبة لمناقشته.

إذا الاقتراح الذي كان يفترض باللجان النيابية مناقشته، لم يمر بالرغم من إنقضاء أكثر من عامين على بداية الازمة ما يعني أنه لن يكون مطروحا على الجلسة النيابية العامة غدا، علما أنه حين وقعت أزمة بنك أنترا في العام 1966 من القرن الماضي، أقّر مجلس النواب قانون الكابيتال كونترول في يوم واحد لحفظ حقوق المودعين، وهذا يظهر للمرة الثالثة أن الخلاف بين الطبقة السياسية عميق، لكنه يأتي على حساب المودعين ونهش ودائعهم، أو ما تبقى منها بعد أكثر من عامين من تهريب الودائع من قبل النافذين إلى الخارج، ببركة هذه الطبقة وبموافقة تامة من قبل أصحاب المصارف.

تجدر الاشارة إلى أن مشروع القانون الذي قُدم إلى اللجان المشتركة اليوم ناجم عن المفاوضات بين الجانب اللبناني وصندوق النقد الدولي، ويوم الاربعاء من المفترض أن تعاود الحكومة إرسال هذا المشروع إلى اللجان، مرفقا بالاسباب الموجبة، ومن هنا جاء إعتراض النواب بأن الحكومة لم ترسل الاقتراح بالطريقة الدستورية، هذا في الشكل، أما في المضمون فالاعتراضات كبيرة و تتناول العديد من النقاط الاولى تتعلق بمدة القانون(5 سنوات)، والتي إعتبرتها اللجان طويلة جدا خصوصا أنها قابلة للتمديد، وكان السؤال عن مصير الودائع للمواطنين وهل ستبقى محتجزة، بالاضافة إلى الاعتراض على السقف الاعلى للسحوبات (ألف دولار بالليرة اللبنانية ووفق سعر دولار يحدد لاحقا)، وعلى لجنة يترأسها نائب رئيس الحكومة وعضوية وزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف لبنان، وستتولى وضع الالية التنفيذية للقانون، وهذا ما يعطي صلاحية كبيرة للسلطة التنفيذية، ولن يكون بإمكان مجلس النواب محاسبتها ومساءلتها في تطبيق القانون.

كل ما سبق يدعو للسؤال التالي هل لا يزال هذا القانون ضروريا، بعد كل الخسائر التي تتكبدها فئة المودعين بسبب تواطئ السلطة مع المصارف منذ بداية الازمة، ومن سيخدم في المرحلة المقبلة المودعين أم المصارف؟

يجيب وزير المال السابق سامي حداد “جنوبية” على هذا السؤال بالقول:” من حيث  الشكل، يحق للنواب الاعتراض على إقتراح القانون، لأنه غير مستوف للشروط الدستورية، أما في المضمون  فهذا القانون  مطلوب، لأنه أول خطوة للحصول على المساعدات التي سيقدمها لنا صندوق النقد، ومن دونه لا يمكن للبنان الخروج من أزمته”، مشددا على أنه “سواء وقعنا مع صندوق النقد أم لا، نحن بحاجة ماسة لقانون الكابيتال كونترول لسببين، الاول لا يجوز أن يتمكن  النافذون وحدهم (وبدعم من الطبقة السياسية)، من إخراج ودائعهم من المصارف إلى الخارج، وهذا ما فعلوه طوال العامين الماضيين، بينما فشل النواب على إقرار قانون طوال هذه الفترة من إقرار الكابيتال كونترول”، مشيرا إلى أن “السبب الثاني نزع صفة “القانوني” عن التحاويل إلى الخارج، ولا يجب أن يبقى إسترداد حقوق المودعين بشكل فردي، على غرار ما حصل في الفترة الماضية من خلال دعاوى من أشخاص ضد المصارف”.

ويرى أن ” المطلوب هو حفظ جماعي لهذه الودائع وأن لا يحصل اي إسترداد فردي لها على حساب باقي المودعين”، لافتا إلى أنه” لا يدافع عن القضاء أو المصارف والاكيد أنه من حق المودعين الحصول على ودائعهم وأن ما قامت به المصارف في العامين الماضيين غير قانوني وغير أخلاقي، والمطلوب هو قانون ينظم عملية إستعادة المودعين لودائعهم و ليس لحماية المصارف”.

حداد لـ”جنوبية”: المطلوب قانون ينظم إستعادة الودائع لا حماية المصارف

يضيف:”المصارف اليوم لا تملك الأموال لإعادتها إلى المودعين  وهذه هي الحقيقة المؤلمة، أم جوهر الموضوع فهو كيف سيتم توزيع الخسائر وأخلاقيا يجب الحفاظ على أموال المودعين وخصوصا الصغار منهم وبالعملة التي وضعوها فيها”، لافتا إلى أن “السؤال الكبير  الذي لم يعطينا السياسيين جواب واضح له هو من هم صغار المودعين (حجم الوديعة) وما هي المدة التي يجب أن يستعيدوها”.

 يصف حداد أداء “الطبقة السياسية بأنه تعيس جدا في تعاملها مع الازمة ولم تقم بأي خطوة حقيقة للخروج منها كما أنها لا تملك الرؤية أو البرنامج التي تمكّنها من ذلك” .

ويختم:”حكومة حسان دياب مع كل أخطائها وضعت خطة للخروج من الازمة، ووافق عليها صندوق النقد، ولكن الطبقة السياسية رفضتها و لم تعط البديل”.

يصف الخبير المالي الدكتور باتريك مارديني “مشروع قانون الكابيتال كونترول الذي قدمته الحكومة بالسيء جدا”، شارحا ل”جنوبية” ذلك بالقول:” هذا القانون لا يضع ضوابط على الدولار القديم الموجود في المصارف، بل أيضا على الليرة اللبنانية وهذا له مردود سلبي على إعادة النهوض بالوضع الاقتصادي”.

مارديني ل”جنوبية”: مشروع  القانون لا يحمي حقوق المودعين بل يشرّع صرفها من قبل الحكومة 

ويلفت إلى “أن هدف خطة الانقاذ، يجب أن يكون إطلاق العجلة الاقتصادية بالليرة اللبنانية، عن طريق تحريرها من جميع القيود، أما المشكلة الثانية أن مشروع القانون يضع قيودا على المودعين، أصحاب الودائع بالدولار لكن مع إعطاء الكثير من الاستثناءات للدولة اللبنانية”، موضحا أنه “بموجب هذا القانون، يحق للدولة التصرف بهذه الودائع كيفما تشاء، وهذا يعني أن القيود ستوضع على المودعين الاوادم، وما تبقى من ودائع ستكون تحت تصرف الدولة ومن يدور في فلكها، ولذلك هذا القانون لا يحمي حقوق المودعين، بل يشرّع صرفها من قبل الحكومة و لهذا فهو قانون سيء”.

باتريك مارديني
باتريك مارديني خبير اقتصادي
السابق
ثوار كسروان يطلقون لائحة ائتلافية.. لمواجهة احزاب السلطة
التالي
خاص «جنوبية»: بعد تجميد حسابات وعقارات لـ«الاخوين سلامة» في اوروبا.. القضاء يتحرك لاستردادها