«سوريا الجديدة»..النظام يعيد هيكلة محيط دمشق!

سوريا المهدمة

يهدم النظام السوري، الأحياء التي كانت تحت سيطرة المعارضة في ضواحي دمشق، تحت ستار إزالة الألغام، لإفساح المجال لـ«سورية الجديدة».

وقام تحقيق أجرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، ومؤسسة Lighthouse Reports، ومنظمة التحقيقات السورية للصحافة، وراديو روزانا، بتحليل عمليات الهدم شبه الكامل لحي القابون، في ضواحي دمشق، وهو واحدٌ من العديد من الأحياء في العاصمة التي يجري تطهيرها وإعادة تطويرها بشكلٍ تام، بعدما نزح السكَّان السابقون بسبب القتال أو أصبحوا لاجئين في الخارج، وفق ما أوردت «عربي بوست».

القابون هو واحدٌ من مناطق عدة في دمشق وسورية، هُدِمَت بعد أن حدِّدَت للمصادرة في إطار البناء بعد الحرب، إذ تأمل الحكومة في تشجيع الاستثمار الأجنبي في العقارات.

وتُظهِر الخطط المُقتَرَحة، رؤيةً مختلفةً تماماً للقابون عن ذلك الحيّ العمالي الذي كان قائماً قبل الحرب، والذي لم يتمكَّن سكَّانه من المطالبة بأراضيهم منذ توقف القتال.

القابون هو واحدٌ من مناطق عدة في دمشق وسوريا هُدِمَت بعد أن حدِّدَت للمصادرة في إطار البناء بعد الحرب

اتهم سكان وباحثون سابقون نظام الرئيس بشار الأسد، بإعادة هندسة المنطقة اجتماعياً، بعد أن أصبحت معقلاً للمعارضة خلال الحرب.

وتقول مزينة السعدي، وهي من سكَّان القابون السابقين، وتعيش حالياً في الدنمارك، «إنه شكلٌ من الانتقام، ورسالة من النظام لأهل القابون: لا يوجد شيء لكم هنا».

إقرأ أيضاً: مراوحة إنتخابية معارضة في دائرة الجنوب الثالثة..وتذمر من إستئثار «الشيوعي»!

في الأعوام الأربعة الماضية، أعلن الجيش السوري على حسابه على «تويتر» ما يقرب من ألف عملية هدمٍ في أنحاء سورية، تمتدُّ من درعا في الجنوب إلى حلب في الشمال، مبرراً بشكل روتيني ذلك بـ «إزالة العبوات الناسفة التي خلّفتها الجماعات الإرهابية». وتُظهِر صور الأقمار الاصطناعية ومقاطع الفيديو، أن المزيد من عمليات الهدم «قد نُفِّذَت».

يساعد الجيش الروسي، الذي يصف تدريبه للمهندسين العسكريين السوريين على أنه «مهمةٌ إنسانية»، على الأرض، في عمليات إزالة الألغام في أحياء عدة في دمشق، بحسب وسائل إعلام رسمية روسية.

ويكشف تحليلٌ لمئات الصور ومقاطع الفيديو ومنشورات القابون على مواقع التواصل الاجتماعي عن نمط من الانفجارات الكبيرة، التي تدمِّر المباني بالكامل، وكثيراً من المناطق المحيطة بها، ما لا يتناسب مع الأهداف الإنسانية المُعلَنة.

ويقول بير هاكون بريفيك، مسؤول إزالة الألغام في مؤسسة المساعدات الشعبية النرويجية: «للأعمال الإنسانية المتعلِّقة بالألغام أنظمة وأهداف ونتائج مختلفة تماماً».

ويؤكد أن الأساليب التي تستخدمها القوات السورية «يمكن أن تتسبَّب في دفن أيِّ متفجراتٍ غير مُنفجِرة تحت الأنقاض، ما يصعِّب إزالتها».

وكان أحد المباني المهدمة عبارة عن مشروعٍ سكني عسكري غير مكتمل، يُعرف باسم مبنى الأوقاف، في أواخر عام 2018.

وتُظهِر صور الأقمار الاصطناعية أنه في الأسابيع التالية هُدِمَ كلُّ شيء في دائرة نصف قطرها 500 متر من المبنى، بما في ذلك مدرسة. وستُشيَّد في المكان نفسه عقاراتٌ استثمارية، وفقاً لمخطّطٍ رسمي اطَّلَعَت عليه «الغارديان» وشركاؤها في التحقيق.

في الأعوام الأربعة الماضية أعلن الجيش السوري عما يقرب من ألف عملية هدمٍ في أنحاء سوريا تمتدُّ من درعا في الجنوب إلى حلب في الشمال

تقول سارة كيالي، الباحثة الأولى في الشؤون السورية في منظمة «هيومان رايتس ووتش»، إن عمليات الهدم «يحتمل أن تكون جرائم حرب، لأنه لم يكن هناك عداء نشط أو هدف عسكري في المنطقة بعد استعادتها».

خلال الحرب، قدمت دمشق تشريعات سمحت للنظام بمصادرة الأراضي والبناء عليها باستثمارات أجنبية، وغالباً ما جرَّد السكان من أراضيهم بسبب الشروط المفروضة عليهم للمطالبة بالملكية، مثل الاضطرار إلى العودة إلى سورية لتقديم المطالبة شخصياً.

هُدِمَ حيُّ القابون بموجب أحد هذه القوانين التي مُرِّرَت في 2015، ما يسمح للسلطات بإعادة ترسيم الحدود في أوقات الحرب والكوارث الأخرى، والمطالبة بأراضي المستوطنات غير الرسمية.

تاريخياً، كان سكان القابون يعيشون في مستوطنات عشوائية إلى حد كبير، يعملون في المتاجر والشركات الصغيرة والعمل اليدوي. تتمثَّل رؤية النظام للقابون في حي أكثر فخامة من الأبراج الشاهقة والمساحات الخضراء المنسقة بعناية، بالقرب من وسط المدينة، ولكنها متصلة أيضاً بالمدن الأخرى.

جوزيف ضاهر: النظام استخدم الحرب لدفع الخطط الحالية لإعادة هيكلة دمشق وجلب رأس المال من المستثمرين

وتُعَدُّ مخطَّطات القابون، جزءاً من رؤية النظام الأوسع لدمشق، لعاصمة تجارية بها تطورات عمرانية جديدة مبنية على مناطق عشوائية سابقة، ومناطق صناعية وأراض زراعية. كان المشروع الرئيسي هو ماروتا سيتي، وهو حيٌّ من الأبراج الشاهقة المتلألئة والحدائق البكر المخطط لها في بساتين الرازي، وهي ضاحيةٌ عشوائية كانت مركزاً للمعارضة.

يقول الباحث جوزيف ضاهر، إن النظام استخدم الحرب لدفع الخطط الحالية لإعادة هيكلة دمشق، وجلب رأس المال من المستثمرين ومكافأة شبكته الخاصة.

ويضيف للصحيفة البريطانية أنه رغم الخطط الحكومية وعمليات الهدم، فإنه كان هناك القليل من البناء الفعلي بسبب نقص الأموال وانعدام الأمن.

السابق
العلاقة السعودية-اللبنانية من «إعلان جدة» إلى الادعاء على جعجع!
التالي
ميقاتي «يتوسل» المساعدات الخليجية..ونصرالله يُغلّب المصلحة الإنتخابية لنيل الأكثرية!