هل أَقْفَلَتْ الانتخابات النيابية أبواب «نادي الرؤساء الأربعة»؟

الانتخابات النيابية

لم يَخْرج كميل شمعون من القصر الرئاسي إلا ليصبح أحد أكثر الزعماء تأثيراً في الحياة السياسية. عاد شمعون إلى البرلمان نائباً ووزيراً ومرشّحاً دائم لرئاسة الجمهورية، وظل حاضراً بقوة في المشهد السياسي ولم يتخلّ عن دوره النيابي، ولا سيما حين خاضَ معركةَ الحلف الثلاثي لإسقاط الشهابية.

كانت النيابةُ بالنسبة إلى شمعون، مثله مثل ريمون إده وبيار الجميل في الوسط المسيحي، ورشيد كرامي وصائب سلام بعد خروجهما من رئاسة الحكومة وعادل عسيران وكامل الأسعد وكمال جنبلاط ومجيد إرسلان في الوسط الإسلامي، جوازَ المرور إلى الناس وإلى موقع السلطة والحُكْم والقيادة.

ورغم الشوائب التي رافقت مرحلة ما قبل الحرب، بقيت النيابةُ محطةً أساسيةً في حياة الزعماء السنّة والموارنة والشيعة والدروز، وإرتبطتْ مع مرور السنوات بهويتهم القيادية.

مشهدُ عزوف رؤساء الحكومة السابقين الأربعة عن الترشح للانتخابات النيابية المقرّرة في 15 مايو المقبل، يحمل وجهاً جديداً من وجوه مقاربة الحال السنية وموقع النيابة فيها. وثمة مؤشرات وملامح عدة في الكلام عن الواقع السني في وضعه الراهن، وقد يكون أوّلها النظرة الى الموقع القيادي بعد خروج الرؤساء سعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام ونجيب ميقاتي من السباق الإنتخابي.

رغم الشوائب التي رافقت مرحلة ما قبل الحرب، بقيت النيابةُ محطةً أساسيةً في حياة الزعماء السنّة والموارنة والشيعة والدروز

حين حلّ الرئيس رفيق الحريري مرشحاً في بيروت في انتخابات عام 1996 كان يعرف أنه في طريقه إلى تبوء زعامة سنية بعد أفول بيوتات سياسية، وتراجُع القيادات السنية، وبفعل عناصر القوة التي يملكها من دور خارجي وتغطية عربية ودولية، إضافة طبعاً إلى دوره المالي والإقتصادي. ترشح الحريري – الأب في بيروت وليس في صيدا حيث ينتمي عائلياً، فهو رسخ وجوده في بيروت كمفتاح للقيادة النيابية ولاحقاً رئاسة الحكومة. بقدر ما كان دوره رئيسا للحكومة متقدماً وأساسياً في المحافل الخارجية، كان ترؤسه لائحة نيابية يوازي الأهمية ذاتها، من هنا كانت الحملة التي شنّها عهد الرئيس إميل لحود وسورية لإسقاطه نيابياً (العام 2000) تؤشر لعناصر القوة التي إمتلكها موقعه النيابي، من دون أن ننسى أن شطبه من المعادلة السياسية عبر إغتياله جاء عشية الإنتخابات النيابية في الـ2005.

الرئيس تمام سلام عاش إختباراً آخر حين قرر في العام 1992 التضامن مع المسيحيين في مقاطعتهم للإنتخابات تجسيداً لوطنية حرص عليها، ثم وقف في مواجهة الحريري ولاحقاً معه في إطار تفاهم عكس مكانته في العاصمة وحضوره تحت قبة البرلمان، ومن ثم من السرايا الحكومية. أما الرئيس سليم الحص، الذي حملتْه أكاديميته إلى الحُكْم فشقّ طريقه السياسية عبر إصراره على دخول الندوة البرلمانية ولو من موقع الخصومة للحريري وخياراته.

الرئيس السنيورة إختبَرَ الدور النيابي من البوابة «الصيداوية» (صيدا) رغم أن صورته التصقت بوزارة المال ومن ثم برئاسة الحكومة في مرحلة سياسية عاصفة، وإستمرّ أحد رموز الحريرية والمُدافِع الشرس عنها رغم معارضته للتسوية الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا (31 اكتوبر 2016) والتي إنطوتْ على «مخاطرة كبرى» بإعتراف الرئيس سعد الحريري نفسه يوم جرى الإعلان عنها. الرئيس ميقاتي كانت له طريق أخرى، فهو جاء عبر سورية إلى النيابة قبل أن تحمله الأقدار إلى رئاسة الحكومة.

انكفاء الأربعة (الحريري، سلام، السنيورة وميقاتي) عن الترشح تمّ لأسباب متفاوتة، وتحمل التباسات، وإن كانت كلها تصب في الخط ذاته، وهو إفتقاد الشارع السني لقيادة واحدة.

نادي الرؤساء الأربعة، كاد يتحول إلى ما يشبه «الجبهة اللبنانية» إبان الحرب الأهلية، قيادات مارونية سياسية ودينية متعددة الإتجاه تجتمع تحت سقف واحد، وفي الخط نفسه. ما حصل مع نادي الرؤساء أن لكل واحدٍ منهم خريطة طريق مختلفة، وإن كان الأربعة يتّفقون على فكرةِ حماية إتفاق الطائف وموقع رئاسة الحكومة. وما يميّز سلام والسنيورة أنهما أكثر تَقارُباً في الفكرة نفسها التي نبعت من واقع معارضتهما الشديدة لعهد الرئيس ميشال عون ولـ «حزب الله» و«التيار الوطني الحر». وأضيف على ذلك عدم تأييدهما تعليق الحريري عمله السياسي والمشاركة في الإنتخابات.

إقرأ أيضاً: «الثلاثي الرئاسي» يُلملم «فضيحة» الترسيم والمصارف.. وفرنسا على خط الإنتخابات!

تُمَثِّلُ الانتخاباتُ النيابية لسلام والسنيورة فرصةً لاستعادة الواقع السني حضورَه في الحياة السياسية بعد أفول التسوية الرئاسية وما خلّفتْه من آثار سلبية على هذا الواقع، من تَشَرْذُمٍ وخلافات داخلية. وإذا كان إنكفاءُ سلام حصل لأسباب مختلفة تماماً أي للإفساح أمام جيلٍ جديد من الطاقات، فإن إنسحاب السنيورة كان على الأرجح نتيجة واقع إختلال العلاقة مع الحريري. وقيل إن السنيورة لن يترشح في صيدا إحتراماً لموقع النائبة بهية الحريري المقاطعة للإنتخابات، ولن يترشح في بيروت لأن أبناء بيروت متضامنون مع الحريري، لكن الأقرب إلى المنطق، انه يراعي الحساسيات حتى لا يُفهم أنه يحاول سحب الزعامة من سعد الحريري، رغم أن عزوفه إقترن وفي السطر عيْنه مع تأكيد إنخراطه في الإنتخابات، وهو الأمر الذي لن يعوّض غياب قيادة سنية فاعلة، كان يمكن أن تشكل رافعةً للقوى السنية المعارضة. لكن الحملة التي شُنّت عليه جعلتْه يحرص على الحد من الخسائر.

لميقاتي حسابات مختلفة. رئيس الحكومة القريب من قوى «8 مارس»، لم يسحب ترشيحه مراعاةً للحريري. هناك قطبة مخفية في خطوته تتعلق بدوره بعد إنتهاء الإستحقاق النيابي، في الإستمرار رئيساً للحكومة، سواء ظلت حكومة تصريف أعمال، أو أعيد تكليفه بعد الانتخابات، من دون أن يكون ممثّلاً لكتلة نيابية. وسط تساؤلات تتعلق بإحتمال أن تكون خطوته منسَّقةً مع حلفائه خارج أسوار النادي الرئاسي.

انكفاء الأربعة (الحريري سلام السنيورة وميقاتي) عن الترشح تمّ لأسباب متفاوتة لكنه يعبر عن إفتقاد الشارع السني لقيادة واحدة

من بين الأربعة يتفرّد السنيورة بأنه يدعم لوائح معروفة التوجّه في المعارضة للإئتلاف الحاكم (عون وحزب الله)، وهو في صوْغه تحالفاتٍ من الشمال إلى بيروت وجبل لبنان، يدرك تماماً أن خوضه المعركة النيابية مسألة مصيرية لا تتعلق بفوزه أو خسارته بل بواقع الحال السنية في وجه معارضيها، لأنه يواجه «حزب الله»، ويُرْبِكُهُ موقف الحريري.

وإذا كانت المعركة مع الحزب معروفة الخلفيات والأهداف، فان عدم مباركة الحريري، ولو ضمناً، لحركة السنيورة تجعله أمام معركة ثانية لا تقلّ صعوبة لأنها تزيد من إرباكات الناخب السني كما التفسخ في بيئةٍ تتعرض لهزات داخلية وتُستهدف من خصومها.

بعد عزوف الأربعة عن الترشح، يصبح مشهد الساحة السنية موزَّعاً على قيادات مناطقية في غياب زعامةٍ من الصف الأول. وستعود صيدا إلى تبنّي زعامة محلية، ومثلها طرابلس وبيروت، والبقاع الغربي والأوسط. ومن شأن هذا التفسخ أن يُضاعِفَ مَخاطر ما تتعرض له من إهتزازات تؤثر على دورها لاحقاً في الاستحقاق الرئاسي، حين يصبح القرار السياسي مجزأ، وموزَّعاً بين أحلاف سنية لها سياستها المحلية وامتداداتها الإقليمية.

السابق
الطقس العاصف لم ينته بعد.. منخفض جديد والحرارة 4 درجات!!
التالي
ميقاتي يسحب فتيل الصدام بين القضاء والقطاع المصرفي