الموت يغيب الأب مارون عطالله.. حارث سليمان: رجل يحفر جدار العتمة ليستولد الصبح

حارث سليمان الاب عطالله

توفي صباح اليوم (السبت) الاب مارون عطالله عن عمر ينهاز الـ 95، ويُستقبل جثمان الراهب الأنطوني يوم الاثنينالقادم عند الساعة العاشرة في كنيسة مار الياس – أنطلياس، ويحتفل بالصلاة لراحة نفسه في تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر. ثم يُنقل جثمان الاب الراحل إلى دير مار روكز – الدكوانة حيث يوارى الثرى.

وفي رثاء الأب عطالله، قتل الكاتب السياسي الدكتور حارث سليمان التالي:

“الاب مارون عطالله وداعاً!
رجل يحفر جدار العتمة ليستولد الصبح
مات اليوم طفل في الخامسة والتسعين من عمره..
مارون عطالله ليس راهبا أنطونيا فحسب انه فاتح من طراز آخر، فتوحاته ليست فتوحات أمراء الجند، التي كانت تجتاح الأراضي والموارد و وتؤسس الممالك والسلطنات، انها فعل تخطي وتوسع وامتلاء، لأنها تحاكي القلوب لتغسلها بماء المحبة والتفاعل والتلاقي، ولتخرج منها كل تعصب أو تزمت، وتتجه للعقول لتشحذها وتغنيها بالاسئلة المفاتيح، فتعيش فرح الدهشة العارمة بتذوق طعم المعرفة والحقيقة، وتتخطى حواجز النفوس فتهدم كيانات تحتمي بضيق الأفاق وتضاد الهويات فتجعلها رحبة واسعة الأرجاء مشرعة لرياح الافكار والتثاقف، متصلة في زمن الانفصال، متسامحة في أنواء الانفعال، مؤتلفة في لحظات الافتراق…
التاريخ لديه ليس سوى حقل غلة وسهل قمح، سنابله منذورة لتكون خبزا للمستقبل اوبذورا لمساحات عذراء لم تزرع بعد. فالتراث السرياني قداديس وأديار وأثار وعتبات قداسة مبحث لديه، يستحضرها لتكون شاهدة اتصال بين مسيحية مشرقية وأخرى فاتيكانية تدعو في الارشاد الرسولي لقبول الآخر المختلف والتواصل معه.
أما مؤتمرات العيش المشترك وانتظارات الشباب فليست الا”خبرة حياة” تتكسر فيها أوهام وأحقاد ومخاوف وشكوك، وتقام من خلالها لقاءات للتعارف والانصات الى الذات والى الآخر، انها بيوت صداقة تبدأ ولاتنتهي، وتقيم خيوطا وشبكات اتصال لاكتشاف الآخر طبقا لما يكون حقا، وللتدرب على ادارة الاختلاف واكتشاف المشتركات والعيش معا…
كأننا به يوحنا معمداني آخر استحضر الى أنطلياس نهر الأردن فغسل بمياهه شباب لبنان من أدران الحرب الاهلية، ومسح عن وجوههم بصماتها الهمجية ومن عقولهم ثقافتها المأزومة وأنار قلوبهم بأمل جديد وعزم ورجاء. ثم حمل النهر والشباب والرجاء الى كل ناحية من لبنان…
لايأنس الرجل في مكان ولا يستريح في جماعة، فهو يسابق نفسه كنجم شهّاب، يبتعد عن انجاز مضى ليسابق انجازا يأتي، يتعجل من معه جاعلا من رفاق طريقه ينجزون ما لايتوقعون ويلهثون لحاقا به، كأنه للتو قد بلغ سنته العشرين وكأن كل عمره، ليلة أخيرة قبل الطوفان وصعود الفلك…
ولدته أمه فردا واحدا لكنه أودع سنينه في محطة الزمان فصنع حياوات رجال كثر في نفس واحدة، لايحب الدعة بين مريديه وأنداده، لاانسلاخا عن عطف ومودة يحيطونه بها بل نذورا من ذاته ليكون بشارة على الضفاف الأخرى المقابله، خلف خطوط التماس النفسية والثقافية والدينية، التي جعل دأبه أن يتخطاها…
كل الأمكنة متاحة، كل الأفكار مباحة، لا يحده مكان أو مسؤولية بل يحوّل كلّ مقام أقام فيه، الى ورشة أو غفوة من أجل حلم يتحقق وصرح يشاد…
رجل لايضيئ شمعة في ديجور الليل بل يحفر جدار العتمة بمثقاب الأسئلة ليستولد الصبح: من كنيسة مار الياس في انطلياس ودروس عاميتها وحركتها الثقافية الى مركز الدراسات المشرقية في الجامعة الانطونية والنادي اللبناني للكتاب، ومن دير بحر صاف ومحيط بكفيا الكبرى ومواسمها الثقافية الى حلقات القرى والبلدات في وادي قاديشا وصولا لطرابلس الفيحاء يزرع في ضمائر الناس أزهارا بألف لون، ويستبق الألفية الثالثة ويطوبها عيد فرح، لتلاقي شباب العرب….
مارون عطالله ولد طفلا في الليلكي ضاحية الحدث وما زال الطفل فيه رغم كل السنين”.

السابق
بعد ارتفاعه أمس.. كيف افتتح دولار السوق السوداء اليوم؟
التالي
الانتخابات والمسؤول العربي الكبير