بدعم من السنيورة.. لائحة ببيروت في مواجهة الحزب.. ماذا عن طرابلس؟

في ظل تمايز موقف الرئيس فؤاد السينيورة عن موقف الرئيس سعد الحريري بعدم ترك الساحة السياسية، اكدت مصادر سياسية أن الاتصالات التي يُجريها السنيورة، بالتنسيق مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس الحكومة الأسبق تمام سلام، حققت تقدُّماً ملموساً على طريق تشكيل لائحة لخوض الانتخابات النيابية في دائرة بيروت الثانية، على أن تنسحب على الدوائر في محافظات الجنوب وجبل لبنان والبقاع والشمال. وكشفت أن سفير لبنان السابق لدى الأمم المتحدة، والعضو في محكمة العدل الدولية في لاهاي نوّاف سلام، أوشك على حسم خياره ترشُّحاً، وهو على تواصل مع الرئيس السنيورة.

ولفتت المصادر عبر “الشرق الأوسط” إلى أن المشاورات التي يتولاّها السنيورة مع الشخصيات البيروتية واتحاد العائلات أدت إلى توافق على ضرورة خوض الانتخابات في دائرة بيروت الثانية (11 مقعداً نيابياً)، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن عدم إخلاء الساحة البيروتية للوائح الانتخابية المدعومة من «محور الممانعة» يستدعي الإعداد للدخول في منافسة كاملة، لأن المواجهة القائمة تدور بين إعادة الاعتبار للنهوض بمشروع الدولة أو انهياره.

ورأت أن بوادر الانفراج التي تحقّقت تؤسس للنهوض ببيروت ومنع «حزب الله» من وضع يده على الشارع البيروتي بسيطرته على معظم المقاعد النيابية بالتعاون مع بعض حلفائه، حتى لو لم ينضمّوا إلى اللائحة التي يسعى لتشكيلها، في إشارة إلى جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش) التي قررت أن تخوض المعركة منفردة رغم أنها تلتقي في خياراتها الاستراتيجية مع «حزب الله». فيما يخوض النائب فؤاد مخزومي، المنازلة الانتخابية من موقع الاختلاف مع «محور الممانعة» حول الخيارات السياسية من جهة، والمنافسة مع اللائحة التي يرعى السنيورة تشكيلها بالتنسيق مع ميقاتي وسلام.
ورأت المصادر نفسها أن مجرد الوصول بالمشاورات التي يتولاّها السنيورة إلى خواتيمها الإيجابية بولادة اللائحة الانتخابية يؤدي إلى إخراج الشارع البيروتي المناوئ لـ«حزب الله» وبعض حلفائه من حالة الإرباك التي تسيطر عليه حالياً بعد عزوف زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري عن خوض الانتخابات انسجاماً مع قراره بتعليق العمل السياسي من دون أن يدعو إلى مقاطعة الانتخابات.
وقالت إن الإرباك الذي ساد لبعض الوقت الشارع البيروتي وتحديداً التيار الأزرق الذي يتمتع بثقل انتخابي في العاصمة، من غير الجائز تجاوزه، رغم أن الحريري نأى بنفسه عن رسم خريطة الطريق لجمهوره الواسع ومحازبيه يحدد فيها الخطوة التالية، ما دام لم يطلب منهم مقاطعة الانتخابات.

وأكدت أن من يتعامل مع تشكيل لائحة يراد منها عدم إخلاء الساحة لـ«حزب الله» على أنها تأتي في سياق الخطوة الأولى لوراثة الحريرية السياسية وتحديداً زعيم تيار «المستقبل»، فإنه سيكتشف أن تقديره ليس في محله.
وأضافت المصادر نفسها أن تشكيل اللائحة الانتخابية لن يكون حتماً هو الحل ما لم تكن مدعومة بمرشحين لديهم القدرة على النهوض ببيروت واسترداد الدولة من «حزب الله»، وهذا لن يكون في متناول اليد إلا إذا تلازم اختيار المرشحين مع الإطلالة على أبناء بيروت ببرنامج يجمع بين السياسة والإنماء لإعادة الاعتبار للعاصمة المنكوبة على كل المستويات بعد الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت وإغراق لبنان في انهيار شامل.

وحذّرت من أن يأتي اختيار بعض المرشحين على خلفية الجنوح نحو توزيع جوائز ترضية، بدلاً من أن يبادر إلى إعداد خطة لملء الفراغ الذي أحدثه عزوف الحريري عن الترشُّح، لأن عدم التدقيق في اختيار المرشحين لترشيح الأنسب منهم لتمثيل دائرة بيروت الثانية سيؤدي إلى التفريط بالفرصة لمنع «حزب الله» وبعض حلفائه من الاستئثار بالعدد الأكبر من المقاعد النيابية.
وقالت إن الأسبوع الطالع سيكون حاسماً على طريق وضع اللمسات الأخيرة استعداداً للإعلان عن تشكيل اللائحة الانتخابية قبل أيام من إقفال باب الترشُّح في 15 آذار الجاري، ورأت أن تشكيلها يستدعي من المعنيين تقديم التنازلات والتسهيلات المطلوبة لتأمين الولادة الطبيعية للائحة، وكي تكسب حماسة الناخبين للإقبال بكثافة على صناديق الاقتراع.

ودعت المصادر نفسها مَن يدور في فلك الحريرية السياسية، وهم كثر، للخروج من حالة الإرباك من جراء الصدمة التي أصابتهم بعزوف الحريري عن خوض الانتخابات، وهذا ينسحب أيضاً على الناخبين المؤيدين لسلام الداعم لتشكيل اللائحة مشترطاً أن تكون على مستوى التحديات للخروج من الاستحقاق النيابي بنتائج ملموسة تَحول دون إخلاء الساحة لـ«حزب الله» أو لحليفه «المنافس»، «الأحباش» اللذين يتناغمان حول خياراتهما الاستراتيجية التي لا تقتصر على الداخل وإنما تتمدد باتجاه الإقليم، وتحديداً النظام السوري.

وكشفت أن التواصل مع الجماعة الإسلامية لم ينقطع، وحذّرت في المقابل من المخاطر المترتبة على سوء الأحوال السياسية بين السنيورة وبعض المسؤولين في «المستقبل»، وقالت إنه لا مكان لترف الوقت للدخول في صراعات جانبية لأن الأضرار السياسية ستلحق بالجميع، والخسارة لن تقع على عاتق فريق دون الآخر، ما دامت المعركة الانتخابية تدور حول الخيارات أكانت داخلية أو خارجية.
ويبقى السؤال: هل تفرض حتمية المعركة السياسية تلاقي الضرورة بين من يرعى تشكيل اللائحة وبين من يتحفّظ على الدور الذي يتولاّه السنيورة؟ خصوصاً أن الخلافات السياسية ما لم تتوقف ستشكّل ثغرة يمكن لمنافسيهم البناء عليها لتدعيم وضعهم الانتخابي، علماً بأن بعض الرموز التي تدور في فلك الحريرية السياسية كانت قد أخذت على عاتقها البحث في مجموعة من الخيارات، ولملمة الوضع كشرط لعدم إخلاء الساحة، من دون أن تتواصل مع السنيورة الذي كان قد أعلن بصراحة أنه لن يكون الوريث السياسي للحريري.

ترقد دائرة الشّمال الثانية (طرابلس والضنّية والمنية) في سبات انتخابي لا تعرفه بقية الدوائر الانتخابية. هذه البرودة تعزوها مصادر سياسية إلى انتظار موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لم يعلن صراحة حتّى الآن، على بعد نحو 10 أيّام من إقفال باب الترشّح، عن نياته حيال الاستحقاق. علماً أن ميقاتي أعلن في لقاء تلفزيوني في 10 أيلول الماضي، بعد نحو أسبوعين على تأليف الحكومة، أنّه لن يحسم موقفه إلّا «قبل ساعاتٍ من إقفال باب الترشّح». فيما كل المؤشرات تدلّ إلى حراك انتخابي للرجل الذي أكّد قبل أيام «أننا لن نترك السّاحة السنّية للفراغ»، وعقد لقاءين منفصلين مع الرئيس فؤاد السنّيورة والأمين العام لتيّار المستقبل أحمد الحريري، في وقت لم تتوقف لقاءاته، مباشرة أو عبر فريقه السّياسي، مع نوّاب ومرشّحين من طرابلس والضنّية والمنية. وعليه، سيرسم ميقاتي، في ظل عزوف تيار المستقبل، صورة المشهد الانتخابي في الدائرة بنسبة كبيرة، سواء قرّر عدم الترشّح مباشرة أو تبنّي دعم لائحة معينة.

في غضون ذلك، لا يزال الإرباك يسود صفوف تيّار المستقبل ونوّابه ومرشحيه بعد «تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي. وزادت هذا الإرباك أمس «صدمة» استقالة النائب السابق مصطفى علوش من منصبه نائباً لرئيس تيار المستقبل، ما يحرّره من أيّ التزامات تنظيمية ويجعل «ترشّحه في لائحة مع مقربين من التيّار، تحت مسمّى آخر، أمراً وارداً جدّاً»، بحسب ما أكّدت أوساط في المستقبل لـ«الأخبار».

في المقابل، طغى الحديث عن تباين بين النّائبين فيصل كرامي وجهاد الصّمد على السّاحة الانتخابية، علماً أن «اختلاف المقاربات» بين الرجلين بدأ مع تسمية الصّمد الوزير السّابق الفضل شلق لتأليف الحكومة بدلاً من السّفير مصطفى أديب، وحجبه الثقة عن حكومة الرئيس حسّان دياب لعدم تمثيل الضنّية في حكومته، وانسحابه من اللقاء التشاوري، وتسميته الحريري رئيساً مكلفاً، وصولاً إلى حجبه الثّقة عن حكومة ميقاتي الأخيرة.

وفيما سُرّبت معلومات بأنّ اتصالات كرامي قطعت شوطاً كبيراً لتشكيل لائحة يمكنها الفوز بأكثر من حاصلين حازهما كرامي والصّمد في انتخابات 2018، قالت أوساط مقربة من الصّمد لـ«الأخبار» إنّ التحالف بينهما «لم يُنجز بعد، والاتصالات لا تزال في مرحلة التشاور، وأيّ موقف نهائي لن يتبلور قبل إقفال باب الترشّح في 15 آذار». ونقلت الأوساط عن الصّمد الذي حاز في انتخابات 2018 أصواتاً تفضيلية زادت على حاصل انتخابي، ثبتت موقعه كرقم صعب في الضنّية، أنّه شرطه لأي تحالف مع كرامي أو غيره «رفض التحالف مع التيّار الوطني الحرّ أو القوّات اللبنانية أو أيّ فريق لا ينسجم مع قناعاته السّياسية». كما أنه يتحفّظ عن التحالف مع رئيس «المركز الوطني في الشّمال» لأنّ «الانتخابات لا تُخاض بالعواطف والعلاقات الشّخصية والاجتماعية، أو من باب تسجيل المواقف، بل تخضع لحسابات دقيقة بهدف تعزيز فرص الفوز وضمان النّجاح». وهو يصرّ على التعاطي معه كـ«شريك سياسي قبل أن يكون شريكاً انتخابياً، وأن يكون له رأي في تشكيل أيّ لائحة يكون في عدادها، وتحديداً في قضاء المنية – الضنية»، مؤكدة أن «مروحة الخيارات أمام الصمد واسعة. فإلى كرامي، هناك انفتاح جدّي على الرئيس نجيب ميقاتي، كما أنّ هناك اتصالات بينه وبين أطراف سياسية عدة، من بينها النّائب محمد كبارة والنائب السّابق محمد الصفدي وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية».

السابق
الحكومة تؤجّل البلديّات وترحّل الميغاسنتر: هل تطير الانتخابات النيابية؟
التالي
الدولار يواصل ارتفاعه..الى ٢١ الف ليرة؟!