حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: أوكرانيا «تتسلل» الى طاولة فيينا!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

ما هو الموقف المفترض الذي يجب ان يتخذه النظام الايراني من الازمة الاوكرانية؟ 

سؤال تردد كثيرا مع اندلاع الازمة الاوكرانية والاجتياح الروسي لهذا البلد، خاصة بعد الموقف الملتبس الذي صدر عن الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، والذي فهم منه دعما ايرانيا للعملية الروسية، وتوج بالاتصال الهاتفي الذي اجراه رئيسي مع نظيره بوتين. 

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران والسعودية ..«حب من طرف واحد»!

مع تطور العلمية العسكرية وانزلاقها الى ما يشبه الحرب الشاملة، التي تضع العالم امام مخاطر نشوب حرب واسعة وشاملة، جاء موقف المرشد الاعلى للنظام لاعادة تصويب الموقف الايراني، ويضعه في خانة هي اقرب الى “الحياد الايجابي” منها الى الانحياز المطلق للحليف الروسي، عندما اكد وقوف ايران الى جانب “وقف الحرب في اوكرانيا”، لكنه وجه اتهاما مباشرا للولايات المتحدة الامريكية بالوقوف وراء هذه الحرب. 

مع تطور العلمية العسكرية جاء موقف خامنئي لاعادة تصويب الموقف الايراني ويضعه في خانة هي اقرب الى “الحياد الايجابي” منها الى الانحياز المطلق للحليف الروسي

موقف المرشد الاعلى ساعد وساهم في تهدئة الرأي العام الداخلي، خاصة القوى السياسية المعتدلة داخل المعسكرين الاصلاحي والمحافظ، التي اعلنت خشيتها من الاثار السيئة، لاي موقف منحاز على ايران في هذه المرحلة الدقيقة، التي تزداد فيها امكانية التوصل الى تفاهم، مع المجتمع الدولي حول ازمتها النووية.

عودة التوازن النسبي للموقف الايراني من الازمة الاوكرانية، ينسجم مع “البراغماتية” الدقيقة التي تمارسها ايران، في التعامل مع التحديات التي اعترضتها وتعترضها، في علاقاتها مع محطيها الاقليمي والدولي، بحيث لا تكون مجبرة لاعتماد موقف لا تتخلى فيه عن حليفها، او تقدم خدمة مجانية لخصمها، بامساك العصا من المنتصف، مع عدم تخليها عن سعيها لتحميل الادارة الامريكية مسؤولية ما يشهده العالم من ازمات، وسعي واشنطن لاستهداف الدول التي لا تدور في فلك مصالحها الاستراتيجية، او حسب مفهوم إدارة البيت الابيض، تشكل تهديدا للمصالح القومية الامريكية. 

موقف المرشد الاعلى ساعد وساهم في تهدئة الرأي العام الداخلي خاصة القوى السياسية المعتدلة داخل المعسكرين الاصلاحي والمحافظ

لا شك ان القيادة الايرانية تعتبر الجهة الاكثر في العالم، التي تدرك الاثار الكبيرة لحزم العقوبات، التي فرضتها الدول الغربية على روسيا، ومدى المعاناة التي ستواجهها القيادة الروسية، في ادارة نتائج هذه العقوبات، كونها تشبه الى حد كبير العقوبات التي فرضت على ايران من جهة، وحجم الاضرار الاقتصادية التي تسببت بها من جهة اخرى، على الرغم من وجود فرص امام ايران، للتفكير بفتح قتوات التفافية على هذه العقوبات، كونها جاءت بالتدريج واستغرقت اكثر من ثلاثة عقود،  لتصل الى الحدة التي بلغتها، والتي تبقى في اوجها اقل من العقوبات التي فرضت على روسيا، خاصة وان السرعة التي تم التنفيذ فيها، لجهة الحزم والخطوات العقابية كانت مفاجئة لطهران، وكأنها قد اعدت مسبقا، بانتظار الخطوة الناقصة التي ستقوم بها هذه القيادة، بالدخول الى اوكرانيا ودفعها للغرق في وحول هذا المستنقع.

والبراغماتية الايرانية في التعامل مع الازمة الاوكرانية، تنبع من ضرورة استغلال الفرصة، التي اتاحها هذا الاجتياح العسكري الروسي، لتحسين شروطها على طاولة التفاوض الجارية في فيينا، حول الملف النووي والحديث عن وصولها الى الامتار الاخيرة، لاعلان التوصل الى اتفاق بينها وبين المجموعة الدولية (4+1) وواشنطن. 

لا شك ان القيادة الايرانية تعتبر الجهة الاكثر في العالم التي تدرك الاثار الكبيرة لحزم العقوبات، التي فرضتها الدول الغربية على روسيا

من هنا، قد لا يكون مستغربا حصول تغيير في اللجهة الايرانية، وان تأخذ طابعا تصعيديا واكثر تشددا، بعد المشاورات الاخيرة، التي اجراها كبير المفاوضيين الايرانيين علي باقري كني في العاصمة طهران، التي جرت على اعلى المستويات باشراف المجلس الاعلى للامن القومي وشارك فيها البرلمان، من خلال لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية, وهو تصعيد زاد مخاوف المفاوض الغربي والامريكي، من امكانية عودة المفاوضات الى النقطة التي تم حسمها في المرحلة الاولى من الجولة الثامنة الحالية، المتمثلة بعودة المفاوض الايراني لطرح مسألتين اساسيتين، تتعلقان بالعقوبات المفروضة على مؤسسة حرس الثورة العسكرية، وادراجها على لائحة المنظمات الارهابية الامريكية، وكذلك الازمة مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدم اقفال ملف الاسئلة التي وجهتها لطهران، حول انشطة جرت في مواقع غير معلنة سابقا، كشف فيها عن وجود اثار لمستويات مرتفعة لليورانيوم المخصب، اذ يطالب المفاوض الايراني، بحسم هذا الملف واقفاله، في وقت تتعرض الدول المفاوضة، الى ضغوط خاصة اسرائيلية لعدم الاستجابة لهذا المطلب.

البراغماتية الايرانية في التعامل مع الازمة الاوكرانية تنبع من ضرورة استغلال الفرصة التي اتاحها هذا الاجتياح العسكري الروسي لتحسين شروطها على طاولة التفاوض الجارية في فيينا 

هذان المطلبان، اضافهما المفاوض الايراني الى المطالب الاساسية، التي صنفها في دائرة الخطوط الحمراء للنظام، والتي تتعلق بالغاء ورفع جميع العقوبات، التي تضمنها اتفاق عام 2015، ومعها العقوبات التي اضافتها ادارة الرئيس السابق دونالد ترمب بعد عام 2018، وايضا الحصول على ضمانات بعدم الانسحاب الامريكي من الاتفاق، مع تغيير ادارة البيت الابيض، والحصول على فترة اختبار للتأكد من الغاء العقوبات.

“الان او أبداً”، هو الموقف الذي يلخص الموقف الجديد للمفاوض الايراني في الايام الاخيرة في فيينا، اي ان المطلوب هو ليونة من واشنطن والعواصم الغربية في مقابل المطالب الايرانية، ما يسهل التوقيع على الاتفاق قبل السابع من الشهر الجاري، والا فان هذه الاطراف ستخسر امكانية الاتفاق بشكل نهائي. 

المطلوب هو ليونة من واشنطن والعواصم الغربية في مقابل المطالب الايرانية

شد الحبال الذي تشهده فيينا في الايام الاخيرة، بين طهران والاطراف المفاوضة التي رفعت من مستوى تهديدها بالانسحاب من المفاوضات، في حال اعادت طهران فتح هذه الملفات والشروط الجديدة، يبدو انه محكوم بالمستجد الاوكراني، ومحاولة كل جهة توظيف هذا العامل لتحسين شروطه. فهل ستساعد حاجة الطرفين للاتفاق والانتهاء من هذه الازمة والتفرغ للتعامل مع تداعيات الازمة الاوكرانية، في دفعهما للبحث عن تسوية جديدة، تضمن عدم خسارة اي منهم، خاصة طهران التي تسعى لتوظيف هذه الازمة لاستعادة دورها وموقعها على خريطة الطاقة الدولية.  

السابق
فضيحة مزدوجة.. جديد قضية الـ«PCR»: ماهر ميقاتي: الصحة طلبت تحويل الأموال الى جمعية خاصة !
التالي
علوش خارج تيار «المستقبل».. هل بدأت موجة الانشقاقات؟!