أزمة قمح «وإشتعال» المحروقات في بيروت..ولبنانيو كييف متروكين للنار!

الجالية الاوكرانية في لبنان

لا صوت في العالم يعلو فوق صوت الاجتياح الروسي لأوكرانيا الذي أطلق «النسخة الساخنة» من حرب باردةٍ تجدّدتْ من خلف الصراع على توازن إستراتيجي تبحث موسكو عن صوغه «بين قطبين» (أميركي وروسي) ولو عبر معاودة كتابة التاريخ بالقوة وتغيير الخرائط في أوروبا وترسيماتِ ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

وفي بيروت، حضرتْ تشظياتُ الاجتياح على أكثر من مستوى، اقتصادي وإنساني (ذات صلة باللبنانيين في اوكرانيا)، في الوقت الذي دانت الخارجية اللبنانية «اجتياح الأراضي الأوكرانية»، داعية روسيا «إلى وقف العمليات العسكرية فوراً وسحب قواتها والعودة إلى منطق الحوار والتفاوض كوسيلة أمثل لحلّ النزاع القائم بما يحفظ سيادة وأمن وهواجس الطرفين ويساهم في تجنيب شعبي البلدين والقارّة الأوروبية والعالم مآسي الحروب ولوعتها».

وعزت هذا الموقف إلى «إيمان لبنان بوجوب حلّ كل النزاعات التي قد تنشأ بين الدول بالوسائل السلمية، أي عبر التفاوض، ومن خلال آليات الوساطة التي يلحظها القانون الدولي الذي ينبغي أن يبقى الملاذ الأوحد للدول تحت مظلّة الأمم المتّحدة، ونظراً لما شهده تاريخ لبنان الحديث من إجتياحات عسكرية لأراضيه ألحقت به وبشعبه أفدح الخسائر».

وفيما كان العالمُ منقسماً بين إعلان الناتو «وَقْفَة الرَجُل الواحد» دفاعاً عن مصالحه الأمنية، وبين وقوف العواصم قاطبةً على رِجْلٍ واحدة ترقُّباً لِما بعد اندفاعة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وبلا أي رادع في «لعبة بوكر روسية» جديدة وتحدّيه قوة ردْعٍ امتحن حدودها في أكثر من ساحة منذ أن «قضم» شبه جزيرة القرم و«هَضَمَ» عقوباتها، بدت الزاوية السياسية لبنانياً لقياس الحرب الروسية على أوكرانيا، محصورةً بأبعادها المتصلة بخطْف الاهتمام الدولي إلى هذه البقعة اللاهبة المفتوحة على ارتداداتٍ متعددة البُعد وعلى أزمة طويلة المدى يُخشى أن تتحوّل «جاذبة صواعق».

قلقٌ في بيروت من أن يسرق «ملعب النار» الأوكراني الاهتمامَ الدولي بـ «الارتطام» اللبناني

ومن فوق المعاني العميقة لتجريع بوتين واشنطن وحلفاءها كأس قلْب الطاولة جيوسياسياً واقتصادياً ورفْضه إدخال أوكرانيا إلى المدار اليورو – أطلسي بحيث تكون شوكة في خاصرة روسيا التي كرّرت التعاطي مع سيف العقوبات الذي تعالى صليله أمس على طريقة «أعلى ما في خيلك»، وفي انتظار أن يستجمع الغربُ قواه ويحتوي «الصدمة» التي حاول الناتو أن يستوعبها عبر تحديد «منطقة حمراء» لبوتين عنوانها تشظي الغزو خارج حدود أوكرانيا، فإن التطورات الدراماتيكية في الميدان الذي غطّاه إما الدخان الأسود أو صافرات الإنذار أو «صرير الذعر» بين السكان، حجبت ما عداها من أخبار في لبنان الذي رَصد ما يجري في الرقعة المشتعلة من أوروبا على أنه سيزيد جراحه على أكثر من مستوى.

ارتداداتٌ لبنانية للحرب على أوكرانيا

فإلى البُعد السياسي الذي يشي بتحوُّل أنظار العالم إلى الوقائع التاريخية التي تتطاير من اجتياح أوكرانيا، وسط خشية تالياً من أن تخرج «بلاد الأرز» من دائرة الرصد والمعاينة الدولية لواقعها الذي يتطلّب «عناية فائقة» لضمان نجاتها من الانهيار الشامل على حمّالة دعم خارجي لا مفرّ منه، فإن مخاوف برزت من انعكاسات ارتفاع أسعار النفط على المسار الانحداري لـ «العاصفة الكاملة» التي تضرب لبنان، ولا سيما على تكلفة المحروقات التي «تحلّق» أساساً مولّدة أزماتٍ متسلسلة تزيد بؤس اللبنانيين بؤساً.

ولا يقلّ وطأة الخوف من أزمة رغيف بحال طالت الحرب الروسية – أو تمددت في ظل الكشف عن أن استيراد لبنان للقمح تركّز في العام 2021 على أوكرانيا وبنسبة نحو 80 في المئة.

ورغم المعلومات عن أن «بلاد الأرز»، التي كانت خسرت بسبب دمار إهراءات القمح في مرفأ بيروت (بفعل انفجار 4 اغسطس 2020) القدرة على تخزين كميات كافية، ما زالت تملك مخزوناً يكفي لنحو شهر ونصف الشهر، إلا أن القلق من أن تتسع رقعة الحرب وتضيق هوامش البدائل، وأن يؤدي ارتفاع سعر هذه السلعة الاستراتيجية عالمياً والاضطرار للبحث عن سوق رديفة إلى ازدياد تكلفة الاستيراد، وهو ما يُخشى أن ينعكس على مسألة التمويل الذي يتم بدولاراتٍ (مدعومة) يوفّرها مصرف لبنان، وتالياً على سعر الرغيف… رفيق الفقراء.

لبنانيو أوكرانيا

في موازاة هذا البُعد من الحدث الأوكراني، كان هدير نداءات استغاثة أطلقها لبنانيون عالقون في «قلب النار» يتردّد في وسائل إعلام محلية وثّقت مناشدة شبان الدولةَ التحرك لإجلائهم وحماية حياتهم. ونُقل عن أحد الطلاب (وسيم ج) الذي يدرس الصيدلة في كييف قوله في تسجيل صوتي إن هناك خوفاً كبيراً على اللبنانيين كغيرهم من المدنيين.

وأضاف «استيقظتُ على صوت دوي الانفجارات قرابة الخامسة صباحاً، التي هزت المدينة، الناجمة عن غارات روسية». وطالب الدولة اللبنانية «بتأمين طائرات لنقلنا»، مشيراً إلى أنه حاول الاتصال بالسفارة اللبنانية في اوكرانيا لكن أحداً لم يردّ.

وفيما أفاد لبنانيون آخرون أن السفارة في أوكرانيا غائبة عن السمع مستنكرين «اكتفاء السلطات في بيروت بإعفائنا من فحوص pcr لكورونا وترك العودة على نفقتنا الخاصة»، كشف رئيس الجالية اللبنانية في أوكرانيا علي شريم، في حديث لموقع «النشرة» الإلكتروني، عن حالة هلع في صفوف الجالية اللبنانية في ظل التطورات العسكرية القائمة، مشيراً إلى أن العدد هو بحدود 4300 من ضمنهم نحو 1000 من الطلاب، لافتاً إلى أن أكثر ما يقلق فعلياً هو وضع الطلاب، نظراً إلى أنهم لا يملكون الخبرة اللازمة للتعامل مع هكذا ظرف.

ولفت إلى أنه في تواصله مع أبناء الجالية يطلب منهم التجمع ضمن مجموعات «من أجل سهولة التواصل معهم والعمل على مساعدتهم، بالإضافة إلى دعوتهم إلى الهدوء».

إقرأ ايضاً: «نزل المعاش بالدولار»: صفعة جديدة للعسكر والقوى الأمنية.. الخسارة إجبارية شئتم أم أبيتم!

وفي الإطار نفسه، أفادت تقارير صحافية أن مدينة خاركوف الشرقية (التي تبعد 80 كيلومتراً عن الحدود الروسية) تستضيف العدد الأكبر من اللبنانيين، تليها كييف، ويتوزع بقية أفراد الجالية على عدة مدن هي: أوديسا، المدينة الجنوبية على البحر الأسود، سيمفروبول في شبه جزيرة القرم، دونتسك وزاباروجه ودنيبره بيتروفسك وسومه، مدن الشرق الأوكراني. أما في غرب البلاد، فيُحصى عدد قليل من اللبنانيين المقيمين في مدينة لفيف.

ونقل موقع «لبنان 24» عن أحد الطلاب اللبنانيين الموجودين في خاركوف أن «هدوءا يسود المدينة حتى اللحظة لكن المحال مقفلة ووسائل النقل متوقفة والناس في الطرق وغالبيتهم حضروا حقائبهم للانتقال إلى مناطق آمنة».

ولفت إلى أن «عدداً من الطلاب اللبنانيين سينتقلون إلى مدينة لفيف، وهي على حدود بولندا في حال تأزمت الأوضاع»، مؤكدا وجود حالة ضياع يعيشها اللبنانيون هناك، فهم لا يعرفون ماذا يفعلون.

وعلى وهج هذه التقارير، دعت الخارجية اللبنانية عصر أمس «جميع الرعايا اللبنانيين المقيمين في أوكرانيا الى توخي أقصى درجات الحيطة والحذر والبقاء حالياً في أماكن آمنة»، وحضّت الرعايا الراغبين بالمغادرة على تسجيل أسمائهم على رابط الكتروني.

كما أعلنت أنها «تتابع اتصالاتها السياسية مع جميع الدول المعنية والصديقة، بما فيها دول الجوار لتأمين الممرات الآمنة وتسهيل مغادرة الرعايا اللبنانيين الراغبين بذلك وفق تطور الحالة الأمنية، وسنقوم بإصدار بيانات لاحقة تشرح الخطوات المتخذة بهذا الخصوص»، محددة رقماً لخط ساخن للتواصل معه.

وفي سياق آخر، نظم عشرات من أفراد الجالية الاوكرانية في لبنان وقفة احتجاجية أمام السفارة الروسية في بيروت، استنكاراً للغزو.

وردد المحتجون هتافات مناهضة للرئيس الروسي، ورفعوا لافتات مكتوب عليها «أوقفوا العدوان الروسي»، و «لا لبوتين لا للحرب»، و «أوقفوا الجنون الروسي».

واستنكر السفير الأوكراني إيهور أوستاش، في تصريح الغزو الروسي، مشدداً على ضرورة وحدة الشعب الأوكراني في مواجهة موسكو «وأنوّه برسائل التضامن التي وصلت إلى الجالية الأوكرانية».

يُذكر أن في لبنان ما بين 3 و4 آلاف أوكراني أو يحملون جنسية هذا البلد.

السابق
عون وباسيل يتنصلان من بيان بو حبيب..وصفقة حكومية تمرر الخطة الكهربائية!
التالي
لبنان يستورد 60 % من احتياجاته من أوكرانيا..ملامح أزمة قمح وزيت!