في سنوية لقمان سليم الأولى: الشيعة من كربلاء إلى العدوسية

الشيخ محمد علي الحاج

مظلومية كبرى لحقت بشيعة علي بن أبي طالب تتمثل في عدم فهم مراد “علي” وأئمة آل البيت من دعوتهم، حيث سعى بعض أتباعهم لتشكيل أطر سياسية واجتماعية.. بإسمهم! فهل كان “علي” والأئمة يهدفون لذلك؟ إشكالية مطروحة على الدوام: هل التشيع مذهب سياسي؟ أم أنه مجرد منظومة قيم فقط؟

اقرا ايضاً: بالفيديو: مكرم رباح لـ«جنوبية»: قوة لبنان بوجود أمثال لقمان!

ففي حديث عن الامام جعفر الصادق عليه السلام: (ليس منا – ولا كرامة – من كان في مصر وكان فيه مائة ألف أو يزيدون، وكان في ذلك المصر أحد أورع منه)، وفي مورد آخر يرفض أحد الأئمة استقبال شخص لكونه كان يصرّح بأنه من “جماعة الإمام” لكن الإمام رفض هذا التوصيف، وأنه لا يوجد لديه “جماعة”.

هو معنى التشيع الحقيقي أن يكون الشخص هو الأكثر “ورعاً” في المصر الذي يكون فيه، عندها يكون “شيعياً”.

معنى “الشيعي” أن يتحلّى الفرد بالتقوى، والقيم، والأخلاق.. وليس التشيع تأسيس مجموعة متراصّة، أو تشكيل كيان سياسي، فضلاً عن عدم جواز الحكم باسم الأئمة!!

ولم يرد آل البيت بناء تجمع طائفي فئوي، بل كانت أدبياتهم تركز على أن الانتساب لآل البيت هو عبارة عن الاقتداء بجملة القيم والمبادئ التي دعوا إليها وكرسوها، وإن حوّل البعض مفهوم التشيع وكأنه عصبة، لكن ذلك لا يعني أنه ليس انحرافا عن تعاليم آل البيت.

أنطلق من هذه المقدمة لأطل على واقعنا الشيعي اللبناني الذي شهد صراعا – على الدوام – بين مدرستين، أولاهما ترى أن التشيع مجرد اقتداء بمسلك الأئمة، وليس بناء عصبية، أو مجرد ولاء أعمى للأئمة، وبين فريق آخر يذهب أبعد من ذلك، فيستثمر آل بيت النبي كي يبني على ولائه للأئمة مشاريع سياسية!! وهناك هوة سحيقة بين الاتجاهين.

وهنا كان لقمان سليم – وأمثاله من نخب الطائفة الشيعية – يعتبرون التشيع فكر وثقافة، بل مسؤولية، وليس امتيازاً، في حين يرى “عوام الشيعة” أنهم أصحاب امتيازات لا تقتصر على الدنيا فحسب، بل تتعداها لامتيازات أخروية أيضاً..!

لذا شهد واقعنا الشيعي اللبناني – وغير اللبناني أيضاً – صراعاً فكرياً في الرؤية والدور والمسلك الذي يجب أن يكون عليه الشيعة والتشيع..

وفي هذا السياق يأتي رفض علماء الشيعة لتشكيل”حيوية شيعية” في سوريا إبان تولي الإمام السيد محسن الأمين صدارة علماء الدين في عصره. وعلى ذلك كان كبار علماء جبل عامل في تاريخهم العريق، وعشرات الشواهد على ذلك تزخر بها كتب تاريخ جبل عامل وعلمائه. وهذا التوجه عينه يمارسه الإمام السيد علي السيستاني في العراق في وقتنا الراهن..

وبالعودة لموضوعنا، وبناء على كل ما مرّ؛ فإنني أعتبر أن شهادة لقمان سليم تندرج ضمن هذا الإطار، ضمن إطار الصراع على الدور المطلوب منا، والمسؤولية المناطة بهذا الرعيل من المثقفين المدنيين، بل والعلمانيين، الذين يرفضون محاولات الاستثمار السياسي لهذه المجموعة، ويرفضون أسرها لصالح بعض الثقافات الغريبة عن بيئتنا.

وإن كان لقمان ضرج بدمائه في الثالث من شباط في “العدوسية”، فإن الراحل كان يموت يومياً وعلى مدار عقد ونصف من نضاله الفكري والسياسي، على غرار ما يعاني منه مئات الشخصيات الفكرية والسياسية والإعلامية والاجتماعية والثقافية.. يومياً، ويتم تصويرهم بأنهم خارجون عن “الدين” والأصح أنهم خارجون عن منظومة “القطيع” التي يريد أرباب الطبقة الحاكمة تكريسها بكل ما أوتوا من قوة وحكم واستبداد.

هو صراع فكري عميق، صراع بين من يريد بلورة منظومة القيم الشيعية ووضعها في موقعها الحقيقي، وبين من يريد استغلال تلك المنظومة لصالح مشاريعه الحزبية السياسية؛ وسيبقى هذا الصراع قائماً، كما قد يرتفع دونه شهداء جدد، كما ارتفع لقمان شهيداً، وكما يرتفع يومياً شهداء أحياء كثر، شهداء أحياء حقيقة يحصل ذلك عند اتهامهم بالمروق عن الدين، وبالتجديف.. وبالواقع ذنبهم الوحيد أنهم أصحاب مناقبية وفكر وقيم.. بل و”دين” وإن كان الناطقون بلسان السماء، والمؤسسات الدينية يعتبرونهم كفاراً وخارجين عن التشيع والإسلام!

السابق
بالفيديو: فجر نفسه وأفراد أسرته.. بايدن يعلن مقتل زعيم داعش!
التالي
هذا ما جاء في مقدمات نشرات الاخبار المسائية ليوم الخميس 3/2/2022