عن القاتل وعن القتيل

لقمان سليم

(إلى عائلة لقمان سليم الصغيرة والكبيرة)
مَن يَقتل؟ القاتل هو الذي يَقتل. مَن يُقتَل؟ القتيل هو الذي يُقتَل. أهذا الجواب، يا ترى، يوازي جوابَ مَن يفسّر الماءَ بعد الجهد بالماء؟ ليس الأمر عندي بهذه الخفّة. إطلاقًا. إذ يستحيل عليَّ أنْ أتعامل مع موضوعٍ تراجيديٍّ كهذا، ظلاميٍّ، انحطاطيٍّ، دمويٍّ، همجيٍّ، ومفجع، بما يوحي أنّي أكتفي بأنْ أصف. بأنْ أفسّر. بحيادٍ مثلًا. ببرودةٍ مثلًا. بسخافةٍ مثلًا. إلى آخره.
لا. لستُ من أهل الخفّة بحيث أتطرّق إلى ذكرى مرور سنة على مقتلة لقمان سليم الفظيعة (وأين؟!) فوق أرض الجنوب، على تلك الأرض، حيث النسيم هناك يخضع للرقابة، وحيث الشجر كذلك، وحيث الحيطان، وحيث الآمال والأحلام والإرادات والطموحات المسحوقة، وحيث الحشرجات، فكيف بالقلوب المتمرّدة. 

اقرأ أيضاً: ذكرى لقمان سليم… قتلة وجواسيس

لماذا القاتل يَقتل؟ هو يَقتل لأنّه قاتل. لأنّه قادرٌ على القتل. لأنّه متمكّن. لأنّه قويّ. لأنّه متغطرس. لأنّه لا يخشى القانون. لأنّه يقتل القانون. لأنّه يهرسه هرسًا، ويمعسه معسًا. لأنّه ضدّ الدولة. لأنّه فوق الدولة. لأنّه دولةٌ فوق الدولة بدلَ الدولة. لأنّه يحتقر الدولة. لأنّه لا يتحمّل الحرّيّة. لأنّه ضدّ الحرّيّة. ولأنّه يلغي الآخر، كلّ آخر. ولأنّه نقيض الآخر. ولأنّه أنا أو لا أحد. ولأنّه يكره الضوء. ولأنّه لا يسمح للضوء بأنْ يكون ضوءًا، ولا للظلّ بأنْ يكون ظلًّا.
لماذا القاتل يَقتل؟ هو يَقتل أيضًا وخصوصًا لأنّه قاتل. لأنّه ضعيف. لأنّه جبان. لأنّه خائف. لأنّه كلّ ما يمكن أنْ يضفيه قاموسٌ على قاتل.
بل خصوصًا لأنّه كلّ ما يمكن أنْ يقوله قتيلٌ في قاتل. وما يقوله أهلُ قتيلٍ في قاتل.
*
مَن أيضًا هو القاتل؟
القاتل هو أيضًا مَن يتحالف مع قاتل. مَن يمجّد قاتلًا. مَن يدافع عن قاتل. مَن يسكت على قاتل. مَن يجامل قاتلًا. مَن يشجّع قاتلًا. مَن يغضّ عن قاتل. مَن يكتم قاتلًا. مَن يدفع جزيةً لقاتل. مَن يقبل بأنْ يكون ذمّيًّا عند قاتل. مَن يستفيد من قاتل. ومَن يركع أمام قاتل.

*
مَن أيضًا هو القتيل؟
كلُّ قتيلٍ مادّيٍّ، كلُّ قتيلٍ معنويٍّ، هو القتيل.
كلُّ جائعٍ، كلُّ فقيرٍ، كلُّ مريضٍ، كلُّ شريدٍ، كلُّ مظلومٍ، كلُّ مقهورٍ، كلُّ ذليلٍ غصبًا عنه، كلُ متمرّدٍ كلُّ ثائرٍ كلُّ صاحبِ كرامةٍ كلُّ حرٍّ هو (مشروع) قتيل.
مَن أيضًا هو القتيل مَن أيضًا هو القتيل؟
أليس لبنان، أليس لبنان الدولة، دولة المواطن، دولة المواطَنَة، أليس لبنان (بالظلط) ل ب ن ا ن هو القتيل القتيل القتيل؟!

السابق
حزب الله «يَستثمر» في اللحوم بعد المازوت جنوباً..والفلتان الأمني يَستفحل بقاعاً!
التالي
بعد عام على اغتياله.. عائلة لقمان سليم تنتظر العدالة: أين أصبحت التحقيقات؟