الحريري «يقطع» لنفسه one way ticket!

علي الأمين
فعلها سعد الحريري. حيث لا يجرؤ الآخرون، ولكن على "قاعدة علي وعلى أعدائي". قال كلمته ومشى. استدرك هذه المرة، و"قوطب" على الرئيس ميشال عون، وقطع لنفسه هذه المرة، one way ticket، وبالأخص عن "حزب الله"، الذي كان يشعر هو كما الجميع، انه على "قاب قوسين او أدنى" منه. آثر الحريري ان يكون خروجه من الحياة السياسية والإنتخابية، مدوياً ومباغتاً، أشبه ب"إنقلاب أبيض" على رأس المنظومة "حزب الله"، التي كان حتى الأمس القريب، حليف حليفه، والواقف دوماً على "خاطره"..إلى ان وقعت الواقعة.. ماذا بعد؟!

انكفاء سعد الحريري و”تيار المستقبل” عن الانتخابات النيابية المقبلة، ترافق مع إعلانه عن “تعليق” مشاركته في الحياة السياسية بمعناها “التقليدي”. خطوة أراد منها صاحبها، أن تحرك المياه الراكدة على المستوى الوطني، اذ بات جمودها مبعث للموت لكل ما يحيط بها،  لما تسببه من “اوبئة” تهدد استمرار الحياة والسياسة والعيش، وصولا إلى بقاء الكيان والدولة.

اقرا ايضاً: توجه سني للمقاطعة الإنتخابية بعد إعتزال الحريري..وتواطؤ حكومي لتمرير الموازنة!

خطوة أراد منها صاحبها أن تحرك المياه الراكدة على المستوى الوطني اذ بات جمودها مبعث للموت لكل ما يحيط بها


لقد أقرّ الحريري في أخطائه السياسية، والتي طالما احالها إلى سعيه، من أجل حماية الدولة ومنع التدهور، وصولا إلى منع الانجرار إلى الحرب الأهلية، وطالما اتهمه كثر من بيته السياسي، بأنه هو من مكّن “حزب الله” عبر خياراته السياسية، من التمدد الأمني والعسكري، وصولا إلى تمكينه من الإمساك شبه الكامل، بالقرار السياسي والاستراتيجي. ولم تُجدي نفعاً، سياسة “ربط النزاع” التي “ابتدعها” الحريري، في لجم اندفاعة الحزب للتحكم والسيطرة، بل وفرت له الظروف الملائمة، للخروج عن كل قواعد الدولة، لاسيما في انحرافه المستفز عن سياسة النأي بالنفس، و تحويل لبنان إلى قاعدة أمنية وعسكرية وسياسية بقيادة ايرانية، من أجل تحرير اليمن والعراق وسوريا، وصولا إلى “الجزيرة العربية”.

تعليق الحريري مشاركته السياسية في جوهره قرار سياسي ومفصلي هو لم يقل أنه اعتزل السياسة ولم يعمد إلى وضع شروط للعودة ولا استخدم قراره في سياق ابتزازي للمنظومة الحاكمة


تعليق الحريري مشاركته السياسية، في جوهره قرار سياسي ومفصلي. هو لم يقل أنه اعتزل السياسة، ولم يعمد إلى وضع شروط للعودة، ولا استخدم قراره في سياق ابتزازي للمنظومة الحاكمة.
أنه إعلان خروج من المنظومة هذه، التي ظنّ بعد استقالته غداة انتفاضة ١٧ تشرين ٢٠١٩، انها ستعيد حساباتها بعد هذا الإجماع اللبناني في الشارع، على مطالبتها بالاستقالة والتغيير، وهنا أخطأ ليس في الاستقالة، بل في رهانه على العودة برعاية فرنسية، رغم ادراكه أن مشروع “حزب الله” والمنظومة التي يديرها، لا يمكن ان تغامر بنفوذها لحساب مصلحة وطنية، انطلاقا من أن هذه المصلحة، هي في نظرهم مشروطه ببقاء السلطة في يدها، من دون أي تغيير في نهجها.

السياسة الإيرانية في إدارة الشأن اللبناني كانت شديدة الحرص على بقاء رمزية الحريري في السلطة بقاء تحت السيطرة وقد عملت على “تدجين” الحريري وسلوكه


السياسة الإيرانية في إدارة الشأن اللبناني، كانت شديدة الحرص على بقاء رمزية الحريري في السلطة، بقاء تحت السيطرة، وقد عملت على “تدجين” الحريري وسلوكه، مستفيدة من النزعة السلمية لدى الحريري ورهاناته على تغليب المصالح الدولتية والوطنية، على مشروع الدويلة لدى “حزب الله”، بل رهانه على الهامش الذي يمثله الرئيس نبيه بري، الذي راهن الحريري على دوره المستقل، من أجل تزخيم البُعد الداخلي والوطني، على حساب الأبعاد الإقليمية القاتلة للبنان.
لم يكن الرئيس الحريري مقصّرا في حماسته أو رهاناته أو حتى “أوهامه”، رغم أنها كانت مسبوقة بتجارب مخيبة وردت في خطابه الأخير، بدء من ٧ أيار، وصولا إلى التسوية الرئاسية، وبينها سياسة النأي بالنفس، وغيرها العديد من مثيل التعطيل الحكومي بالتشكيل والتأليف، ولا يخفى، أن إغواء السلطة واغرائها لعب دوراً لا يجب تهميشه في تغاضي الحريري، بل في “انخراطه”، بشكل أو بآخر، أسوة ببقية أفراد المنظومة مع تفاوت في درجات الإنغماس بينهم، في المحاصصة والفساد، على رغم أنه الوحيد الذي خسر ثروته في السلطة، فيما تضاعفت ثروات اقرانه في المنظومة.

لعل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” من أكثر الأطراف التي يجب أن تبتسم وتحتفي بانكفاء الحريري


لعل “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، من أكثر الأطراف التي يجب أن تبتسم وتحتفي بانكفاء الحريري، طالما أن عصبيتي الطرفين، قامت بدرجة كبيرة في المسرح السياسي، على معركة أضعاف “الحريرية” بل اقتلاعها من جذورها، بعدما تم اغتيال الحريري الأب، لكن على الأرجح، هم قلقون من انكفاء الخصم “الوجودي” لهما، غيابه مربك ليس للطائفة السنية، ولا لجمهور ومحازبي “تيار المستقبل”، بل لأطراف المنظومة نفسها، التي خرج منها أحد أبرز حلقاتها في الشكل، و”الموسمي” في التأثير والفاعلية، فالحريري بخروجه أظهر أنه “الحلقة الأضعف” فيها دوما، إلى حدّ أن الخروج أو الانكفاء هذا يعطي انطباعا، بأنه كسب ولم يخسر، كسب فرصة الاستثمار في المستقبل، وكسب في التخفف من تحمل أعباء المنظومة وخياراتها، التي كان وظلّ على هامش خياراتها الاستراتيجية.

يبقى أن فكرة الزعيم القوي في طائفته، والتي استثمر فيها “حزب الله”، بعدما نجح في فرض مفهومه الخاص للميثاقية، بعد إمساكه وسيطرته الكاملة على تمثيل الشيعة اللبنانيين، ومن ضمنها “تطويع” الرئيس بري الذي سلم لاستراتيجية إيران، واكتفى بمحصول خاص على صعيد الحصص، و و واضطلع بدور المُدافع عنها خارج القضايا الحساسة الخارجية، وتلك المتصلة بمصالح إيران الاستراتيجية.

الزعيم القوي هي خطة إيرانية عبر عنها الاستثمار الإيراني الخاص بشخص السيد حسن نصرالله فلحق به الآخرون بتشجيع ايراني


الزعيم القوي، هي خطة إيرانية عبر عنها الاستثمار الإيراني الخاص، بشخص السيد حسن نصرالله، فلحق به الآخرون بتشجيع ايراني، والغاية كانت فرض “الفيتو” الشيعي، والدليل أن ذلك لم يتوفر لأي سياسي آخر في طائفته، فلا  الرئيس ميشال عون نجح في تحصيل حق “الفيتو”، ولا الحريري استطاع أن يحول دون توزير سني من “اللقاء التشاوري”، أو من سواه في حكوماته، ولا الوزير السابق وليد جنبلاط  استطاع التفلت من القيد الارسلاني أو سواه.

العودة الى تظهير التعددية داخل الطوائف ولجم نزعة الاحتكار السياسي فيها البعيدة عن المنطق وغير الواقعية هو ما يقلق “حزب الله”


العودة الى تظهير التعددية داخل الطوائف، ولجم نزعة الاحتكار السياسي فيها، البعيدة عن المنطق وغير الواقعية، هو ما يقلق “حزب الله”، لا شك أنه يسيطر بقوته، لكنه لا يستطيع أن يتحكم من دون وجود أدوات فاعلة في طوائفها، وقادرة على تلبيته ويستطيع ابتزازها.

غياب الزعيم القوي أو انكفائه وتراجعه داخل الطوائف يشكل صفعة لمقولة الزعيم الأوحد أو الثنائيات في حكم الدولة وحتى الترويكا والمثالثة الفعلية


غياب الزعيم القوي، أو انكفائه وتراجعه داخل الطوائف، يشكل صفعة لمقولة الزعيم الأوحد، أو الثنائيات في حكم الدولة، وحتى الترويكا والمثالثة الفعلية، فكل تلك المظاهر والتعبيرات السياسية، أضعفت الدولة وشجعت المنظومة على استباحتها لحساب الدويلة التي سيطرت وتحكمت.

في خطوة الحريري ما يشي بقلب لطاولة يسيطر عليها “حزب الله” وهي  كفيلة بأن تحفز على إطلاق حيويات جديدة في المجتمع اللبناني تتسم بنزعة انقلابية


 في خطوة الحريري ما يشي بقلب لطاولة يسيطر عليها “حزب الله”، وهي  كفيلة بأن تحفز، على إطلاق حيويات جديدة في المجتمع اللبناني، تتسم بنزعة انقلابية على مفهوم الزعيم الأوحد، لصالح تعددية موضوعية وطبيعية داخل المكونات الطائفية اللبنانية وعلى المستوى الوطني. أما التخويف من الاحباط السني، فهي كذبة، يتلطى خلفها أولئك، الذين يتشبثون بمقولة أن الميثاق، هو تفاهم بين أطراف المنظومة برعاية إيران أو “حزب الله”.. لا فرق!

السابق
التعرض لدورية لليونيفيل في بلدة راميا وجرح جندي والاستيلاء على معدات
التالي
من لبنان نحو الخليج.. «كبتاغون» في الشاي!