عندما ينزل الضرب على «حزب الله» من.. «أهل بيته»!

علي الامين

لا شك أن الأزمة التي تطال لبنان بشكل خطير، منذ بدء تدهور سعر صرف الليرة، تطاول معظم اللبنانيين، ولا سيما القطاع العام، الذي تعرض ولا يزال لنكبة مالية، انسحبت على كل الموظفين، الذين يقفون مشدوهين أمام انهيار القدرة الشرائية، كما معظم موظفي القطاعات الإنتاجية في القطاع الخاص. و هذا المشهد المأساوي يعيشه الجميع ويلمس تأثيراته السلبية جداً، على مختلف مرافق لبنان الحيوية ومؤسساته، وحتى على صورته التي تتداعى داخلياً وخارجياً.

من نافل القول أن الأزمة المعيشية والاقتصادية، لا طابع طائفياً لها ولا سمة مناطقية، بل شاملة للجميع، على رغم “الكوميديا السوداء” التي يمكن رصدها في البيئة الشيعية، عن موقف محازبي “حزب الله” من هبوط سعر العملة الوطنية تجاه الدولار، فمعظم رواتب المنضوين في الحزب ومؤسساته هي بالعملة الأميركية، وهذا بحد ذاته يشكل تحدّياً واستفزازاً، لمعظم ما يسمى “البيئة الحاضنة”، التي بات العديد منها يُطلق نعوتاً تجاه الحزب ومحازبيه، أقلها أنهم غير معنيين بالأزمة، بل هم يدْعون الله، صبحاً ومساءً  أن تستمر العملة الأميركية بالصعود والليرة بالهبوط.

الانقسام داخل البيئة الشيعية حيال الأزمة، يتركز على هذا البعد، أي على من هو المستفيد من تدهور سعر الصرف ومن غير المستفيد، لذا يبرز “حزب الله” كطرف، وليس كجهة فوق الجميع، كما كان يسعى دائما إلى تقديم نفسه وزعيمه، الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، باعتباره الحضن الشيعي الدافئ للشيعة، والقوة العسكرية والأمنية في مواجهة اعدائهم، سواء كانوا اعداء في الداخل أو الخارج.

 إزاء هذا الواقع، يبرز “حزب الله” اليوم كطرف، أمام حالة من الضيق والقهر يتناميان لدى جمهوره، من دون أن ينجح في كتم الأفواه الجائعة والأيدي الممتدة، بحثا عن حبل نجاة أو عون من غرق داهم.

لذا فإن “حزب الله”، رغم محاولات تظهير قوته السياسية على مستوى لبنان، بأنه مركز القرار وراعي تحالفات القريبين منه ونزاعاتهم، وعلى رغم بعض المساعدات الاغاثية التي يقدمها، وتوصف من قبل الجمهور نفسه، بأنها “فتات” ومحكومة بالتمييز، بين محتاج وآخر على قاعدة الولاء، فإنه حتى من هم في جعبته الشعبية، باتوا يعبرون عن استياء يمكن ملاحظته، في العديد من مناطق نفوذ الحزب جنوباً وبقاعاً، وحتى بيروت والضاحية الجنوبية.

ظاهرة النهب والسلب هي الأكثر ازدياداً في هذه المناطق، من دون أن يبادر “حزب الله” إلى مواجهتها، ربما لادراكه أن قمعها سيتسبب في أزمة اضافية له، لذا يحيل المتضررين إلى القوى الأمنية، العاجزة إلى حد كبير عن القيام بواجباتها، لنقص القدرات من جهة، أو لتفادي الوقوع في احراجات في مناطق، هي في الأصل لا تمتلك الشعور بالثقة والقوة، بسبب انها مناطق تابعة للحزب.

حالة الاعتراض في “البيئة الحاضنة” كما تسمى، ليست بالسهلة أو في المستوى الذي يستطيع “حزب الله” لجمها، بالتأكيد هذه الحالة ليست سياسية، ولا تعكس خياراً ايديولوجياً، أو من الذين يُدرجون في إطار أعداء “حزب الله” أو ما يسميه “المقاومة”، هؤلاء تضيق بهم الحياة، ويشعرون بأنهم متروكون لمصير سيء، وبالتالي هم يزداد عددهم، كلما انحدرت أوضاع البلاد المالية والاقتصادية.

امام هذا الحال، لم يجد “حزب الله” وسيلة لمواجهته، الا بتعزيز أمن حماية المجتمع، أو بالأحرى مراقبة المجتمع، وتحذير وتهديد أصحاب الشكوى، الذين يحملونه أسوة ببقية المنظومة مسؤولية ما وصلوا إليه، ف”حزب الله” يدرج كل ما يصيب الناس إلى ما يسميه الحصار الأميركي، من دون أن يحمل أحداً من السلطة مسؤولية فعلية، بل ينبري للدفاع عن بعض رموز الفساد، باعتبارهم من المقاومين أو من مناصري المقاومة، كما هو الحال مع النائبين غازي زعيتر وعلي حسن خليل وغيرهما، والإشارة إلى الاسمين آنفاً لكونهما من أكثر المسؤولين الذين لا يختلف أبناء البيئة الحاضنة على تورطهم في الفساد، وما شكل صدمة للكثير من مناصري “حزب الله”، هو قيام نصرالله نفسه بالدفاع عنهما، ورفضه مشاركة حزبه في مجلس الوزراء لأشهر، بسبب استدعائهما للتحقيق في قضية انفجار المرفأ.

الثابت، أن “حزب الله” بات يولي من موقعه الأمني، ومن موقع السطوة على مؤسسات الدولة  اهتماماً متزايداً بإسكات أصوات الاعتراض الصادرة من “أهل بيته”، وهو يعمد إلى معاقبة من لا يرتدعون بالنصيحة عن القول والاحتجاج، إلى تهديدهم أو التحريض عليهم، وصولا إلى طلب الاعتذار على ما “ارتكبوه” من إعتراض على سوء الحال، ولعل من هاتف قناة “المنار” الناطقة بإسم ” حزب الله”، محتجاً بلطف، خلال حلقة برنامج تلفزيوني يُبث مباشرة، كان يتناول رجل الدين فيه مسألة حرمة حلق الذقن، لكن المشاهد المتصل، الذي قدم نفسه كمقاوم، عبّر عن رأي بأن المطلوب، هو البحث في حرمة الجوع والبطالة وليس البحث أن كان حلق الذقن حرام أو حلال… وبعد أيام خرج المتصل ليعلن اعتذاره عبر “المنار”، مغلّفاً بتوضيحات، تشير إلى المدى الذي بات فيه “حزب الله”، يضيق باي صوت متمايز في بيئته، يعكس حالة من الضيق أو الاحتجاج وليس الخروج عن الولاء.. فكيف من خرج؟!

السابق
«لم نكن على علم بالرسالة»… لبنان مسرور من الزيارة الكويتية
التالي
اليكم أسرار الصحف المحلية الصادرة يوم الاثنين في 24 كانون الأول 2022