محاضر جلسات «خميس مجلة شعر».. كتاب يوثّق كواليس شعراء «قصيدة النثر»

كتاب

ولادة قصيدة النثر، وتحولات الشعر العربي الحديث، من طور الجدل الشفاهي وتراشق الادعاءات، إلى التوثيق، من خلال كتاب جمع، عشرات من محاضر جلسات، “خميس مجلة شعر”، التي ناقش خلالها كبار أدباء العرب في تلك المرحلة، دواوين، ستصبح في كثير منها، من بين الأشهر والأهم في القرن العشرين.

الأب جاك أماتييس السالسي، مؤلف الكتاب وبفضل إحاطته بتلك المرحلة، وعميق معرفته بـالشاعر يوسف الخال، استطاع أن يضيف إلى المحاضر التي تغطي الفترة من 1957 إلى 1964 ، دراسات وصوراً وتحاليل وفهارس، تزود القارئ المهتم برؤية واضحة عن الجو الأدبي في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، من خلال أدباء المرحلة أنفسهم.

يقع الكتاب في أكثر من 500 صفحة، صدر حديثاً عن “دار نلسن” في بيروت، تحت عنوان «خميس مجلة شعر»، ويتكون من أربعة أقسام، تحتل المحاضر نحو نصف الكتاب.

في قراءة متأنية للكتاب نكتشف الكثير مما جهلناه عن تلك المرحلة (ثورة ثقافية شعرية)، وكم كانت النقاشات جادة، والأحكام مدروسة، والمتابعة الأدبية حثيثة، كل يدلي بدلوه، وكأنه يصنع التاريخ. فالجلسات الأسبوعية ، كانت إضافة إلى جماعة «مجلة شعر»، تستضيف أدباء لبنانيين وعرباً، من بينهم : سلمى الخضراء الجيوسي، وفدوى طوقان، وبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة، ونذير العظمة، وكثر آخرون.

بدأت «ندوة الخميس» كملتقى شعراء ، جاءوا لإلقاء قصائدهم والإصغاء إلى نقدها، ناقشوا مفهوم الشعر، وأساليب التعبير واللغة وصورة الشاعر في التراث. في المرحلة الثانية، وابتداء من 3 أبريل (نيسان) 1958. اقتصرت الندوة على المشتغلين في الشعر وبعض الزوار، وصار المحور هو نقد المجموعات الشعرية الصادرة عن دار “مجلة شعر”.

إقرأ أيضاً: صرخة في كتاب.. «يا مَقهُورِيِّ العالم انتَفِضُوا»!

يعتبر مؤلف الكتاب، الأب جاك أماتييس السالسي أن «حركة مجلة شعر» وندوة خميسها، حاملة راية الثورة والتمرد والرفض أمام جمود التراث العربي، قامت بتأسيس ورعاية يوسف الخال وقيادته. وكتابان يقفان في الخلفية الفكرية لهذا الشاعر، هما: «المقدمة» لشارل مالك و«الصراع الفكري في الأدب السوري» لأنطون سعادة. وفي رأيه أن شخصية الخال حملت ملامح من فكر مالك وسعادة. استمد من الأول معاني الحرية، أهمية العقل الباحث عن الحقيقة، وفكرة وحدة الحضارة الإنسانية. واستلهم من الثاني مفهوم التجديد والنظرة الجديدة إلى «الكون والحياة والفن» لإحداث نهضة حضارية وتأسيس عقلية حديثة.

ويخصص الكتاب صفحات لما لم تتطرق إليه محاضر جلسات «خميس شعر»، ومنه الخلاف مع «مجلة الآداب» حينها.
ويصف المؤلف ظاهرة «مجلة شعر» وخميسها بأنها «إنسانية – حضارية ثقافية – أدبية»، يشرح أنها تأسست في سياق ولادة تجمعات أخرى شهدها القرن العشرون، تشكلت بسبب المآسي الاستثنائية التي عاشتها البشرية. حربان عالميتان، الثورة البولشيفية، الارتجاجات المفصلية التي تعرضت لها المنطقة العربية، التيارات الغربية التي بدأت تتسرب إلى الفكر العربي. خلال هذه الفترة نشأت تجمعات، منها «الرابطة القلمية» عام 1920 في أميركا الشمالية، «العصبة الأندلسية» في أميركا الجنوبية عام (1932 – 1960)، «جماعة أو مدرسة الديوان» عام 1921. وفي مصر أيضاً أنشأ أحمد زكي أبي شادي «جماعة أبوللو» وأصدر «مجلة أبوللو» عام 1932…

أما في لبنان فأنشأ ميشال أسمر «الندوة اللبنانية» عام 1946 لتكون منبراً لـ«قوة المفكرين» تاريخاً وثقافة. وعام 1956 ألّف شبان طليعيون، أكثرهم من مدرسة الحكمة، «حلقة الثريا»، التي رسمت طريقاً لمستقبل الأدب والشعر والسياسة الوطنية.

وعام 1957 أسس يوسف الخال في لبنان «حركة مجلة شعر» وندوتها الأسبوعية «خميس مجلة شعر»، التي احتضنت الحركة الشعرية الجديدة الناشئة في العالم العربي واتخذها حافزاً لمبادرة ثقافية جريئة مغامرة.

انتهت جلسات «خميس مجلة شعر»، منذ أكثر من نصف قرن، لكن القضايا التي طرحتها لا تزال موضع اهتمام المثقفين والباحثين، لأنها تضرب بجذورها عميقاً، ولا تزال تستحق الدراسة والبحث.

يصف يوسف الخال نشاط «حركة مجلة شعر» و«ندوة الخميس»، قائلاً: «نحن مفترق الطريق. لا للشعر فقط، بل فيما ننتمي إليه أيضاً. بعدنا لن يكون وجه الأشياء كذي قبل. فالكارثة نحن: طوفاناً كنا أم ولادة… نحن في لبنان والعرب، شرارة الحريق الأولى».

اللافت في الكتاب هو الاعتراف والكشف عن ولادة قصيدة النثر،وورد في الصفحة ٩٢ من الكتاب:”…لذلك يمكن القول إن انسي الحاج كان أول من أثارت قصائده موضوع قصيدة النثر في “الخميس” وشوقي ابي شقرا أول من نشر محاولة وصفها بقصيدة النثر،وأدونيس أول من كتب دراسة عن قصيدة النثر…”

السابق
بهاء الحريري.. «الحالم» بوراثة «المستقبل» و١٤ آذار!
التالي
وزير التربية يناشد الشباب.. هل يُقفِل المدارس؟