الكاظمي يسجل «هدفاً ذهبياً» في مرمى خصومه المقربين من طهران

مصطفى الكاظمي

مع أن الأنظار لا تزال تتجه إلى قول المحكمة الاتحادية الفصل فيما يتعلق بنتائج الانتخابات العراقية الأخيرة، فإن معركة التجديد من عدمه للرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان) بدأت مبكرة. التوزيع المحاصصاتي للرئاسات الثلاث (الجمهورية للكرد والوزراء للشيعة والبرلمان للعرب السنة) جعل تسمية المرشحين لهذه المواقع صفقة واحدة في ظل الحكومات التوافقية التي تم تشكيلها عبر الدورات الانتخابية الأربع الماضية.

اليوم وفي ظل الجدل الذي لا يزال محتدما بشأن الأغلبية الوطنية التي يدعو إليها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر والتوافقية التي تصر عليها باقي القوى والكتل السياسية فإن اختيار رئيس الوزراء يبدو هو المهمة الأصعب بين المتخاصمين من دعاة الأغلبية أو التوافقية.

رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي انتهت ولايته بعد إجراء الانتخابات المبكرة في العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي هو واحد من مجموعة أسماء مرشحة لهذا المنصب داخل الغرف المغلقة. فمن الناحية العملية يبدو الوقت مبكرا للحديث عن رئيس الوزراء القادم في وقت لم تصادق المحكمة الاتحادية على النتائج فيما لا تزال القوى الخاسرة في الانتخابات (قوى الإطار التنسيقي) تفترش الأرض أمام بوابات المنطقة الخضراء منذ شهرين ونصف تقريبا رافضة النتائج ومعها الكاظمي.

إقرأ أيضاً: عون «يُحاصر» الثنائي وميقاتي حكومياً ومجلسياً..و«قواعد الاشتباك» قيد الإختبار جنوباً!

وترى القوى الخاسرة أن التزوير الذي طالها سببه المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وبتواطؤ مع الكاظمي حسب ادعائها بينما يرى المراقبون السياسيون أن القانون الانتخابي الجديد تم التوافق عليه من قبل القوى السياسية وهي نفس القوى التي توافقت على اختيار الكاظمي لرئاسة الحكومة الانتقالية التي كان من بين مهامها إجراء الانتخابات المبكرة. ومع أن هناك مهام أخرى وضعت أمام الكاظمي مثل إعادة هيبة الدولة فإن الكاظمي نجح في غضون عام وبضعة أشهر نجح في أهم ملفين حددا لحكومته وسط شكوك في إمكانية تحقيقهما وهما إجراء الانتخابات، وإعادة هيبة الدولة.

ومع أن القوى السياسية ربطت مسألة حصر السلاح بيد الدولة ضمن هيبة الدولة فإن الكاظمي الذي نجح في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، حقق نجاحا آخر لا يقل أهمية عن إجراء الانتخابات وهي تأمين زيارة تاريخية لبابا الفاتيكان وقمة ثلاثية (عراقية – مصرية – أردنية) ومن ثم مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة.

الكاظمي الذي انتهت ولايته بعد إجراء الانتخابات المبكرة في 10 أكتوبر واحد من المرشحين لرئاسة الحكومة العراقية

لكن في العراق تبدو الآية معكوسة على صعيد النجاح أو الفشل لأي مسؤول أو حكومة. ففي حال فشل رئيس الوزراء وحكومته فإن القوى السياسية التي تتقاسم معه كل السلطة حتى التفاصيل الدقيقة تتنصل لكي يتحمل المسؤولية وحده. أما في حال تحققت نجاحات فهي تتشارك معه السلطة وبالتالي سوف ينالها قدر من النجاح لكنها ها إما تعرقل هذا النجاح أو تقف ضده علنا لكي لا تحسب نقاطه لصالح رئيس الحكومة. وفي حال الكاظمي الذي نجح في العلاقات الإقليمية والدولية إلى حد كبير تحمله القوى السياسية مسؤولية إخفاقات الداخل التي تتشارك هي فيها وبخاصة مسألة حصر السلاح بيد الدولة ومواجهة الفصائل المسلحة التي تملك السلاح والمال بينما لم تؤيد نجاحات الخارج بل تضعها في باب الدعاية له شخصيا.

وعلى صعيد معركة التجديد لرئاسة الحكومة فإن القوى المناوئة للكاظمي وفي مقدمتها قوى الإطار التنسيقي الشيعي ترفض التجديد للكاظمي الذي بات من الواضح أن إيران تؤيده وربما تحتاج وجوده لولاية ثانية طبقا لما أعلنه حسين أمير عبد اللهيان وزير الخارجية الإيراني. في مقابل هذه القوى يقف التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي يريد حكومة أغلبية وطنية ويؤيد إلى حد كبير التجديد للكاظمي لولاية ثانية. غير أن اللافت في الأمر أن الصدر، الذي لم يعد مقربا من إيران والباحث عن أغلبية وطنية لا تؤيدها طهران الباحثة عن التوافقية مثلما تقول التسريبات وأحاديث الغرف المغلقة، يؤيد التجديد للكاظمي وهو هدف يتطابق مع الرؤية الإيرانية الجديدة بشأن الكاظمي. أما قوى الإطار التنسيقي المقربة من إيران فإنها تريد التوافقية التي تريدها طهران لكنها ترفض التجديد للكاظمي الذي مدحه قبل يومين عبد اللهيان.

ولأن مفارقات السياسة العراقية لا تنتهي فإن قصة البحث عن رئيس للوزراء باتت ترتبط إلى حد كبير بمسألة البحث عن رئيسي الجمهورية والبرلمان. فالكرد المنقسمون على مرشحهم لرئاسة الجمهورية يبحثون مع السنة عن صيغة ترضي التحالفين السنيين، حزب تقدم بزعامة محمد الحلبوسي رئيس البرلمان السابق الباحث هو الآخر عن ولاية جديدة، وتحالف عزم بزعامة رجل الأعمال خميس الخنجر، مقابل تأييدهم المرشح لمنصب رئاسة الجمهورية المختلف عليه بين الحزبين الكرديين (الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني). والكرد يبحثون مع الشيعة صيغة ترضي الطرفين الشيعيين المتخاصمين (الصدر والإطار التنسيقي) لاختيار رئيس جديد للوزراء بين عدة مرشحين من بينهم الكاظمي.

القوى المناوئة للكاظمي وفي مقدمتها قوى الإطار التنسيقي الشيعي ترفض التجديد للكاظمي الذي بات من الواضح أن إيران تؤيده

ويميل الكرد إلى التوافقية وهو ما لا ينسجم مع رؤية الصدر لكنهم يتطابقون مع زعيم التيار الصدري في تأييد الكاظمي الذي لا ترضى عنه جماعة الإطار التنسيقي. وكان من بين أهداف وفد الإطار التنسيقي بزعامة نوري المالكي الذي زار أربيل والسليمانية مؤخراً عدم التجديد للرئاسات الثلاث وهو ما يعني عدم التجديد للكاظمي أيضاً الذي يريده الأكراد مع أنهم مختلفون على المرشح لمنصب رئيس الجمهورية. وفيما لا يزال الموقف غامضاً إلى حد كبير من إمكانية التجديد للرئيس الحالي للجمهورية برهم صالح أو رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي فإن ثناء عبد اللهيان على الكاظمي جعله يسجل هدفا في مرمى خصومه وربما يكسب نصف الجولة نحو معركة رئاسة الوزراء.

السابق
هل وقف وفيق صفا «على خاطر» جبران باسيل؟
التالي
بغداد تدعو لمفاوضات «مباشرة» بين طهران وواشنطن