حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق تحت قبة الوفاق.. إبحث عن العبادي!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

مما لا شك فيه ان الوضع في العراق، دخل بعد يوم الجمعة الفائت 5/11 منعطفا دراماتيكيا، عندما تحولت المظاهرات التي دعت اليها الفصائل والاحزاب السياسية المقربة من ايران، الى مواجهات مع قوات حفظ النظام وادت الى سقوط عدد من القتلى وعشرات الجرحى. 

اقرا ايضا: حسن فحص يكتب لـ «جنوبية»: العودة الايرانية الى «بيت الطاعة» الأمريكية!

المظاهرات التي خرجت اعتراضا على نتائج الانتخابات، واتهام الحكومة والمفوضية المستقلة للانتخابات، بالتلاعب مع جهات اجنبية في العملية الانتخابية، وهندسة النتائج لصالح طرف على حساب اطراف اخرى، تمثل الاسلام السياسي والقوى التي تقاسمت المشهد السياسي في العقدين الماضيين، كان من المفترض بها ان تبقى في اطار السلمية وتحت سقف القانون، الا ان الانتقال الى المعالجة الامنية، يبدو انها كانت تهدف الى تفكيك الاعتصام، على غرار ما حصل مع اعتصامات التشرينيين، لكن المفاجأة كانت في تمسك هذه القوى بموقفها، وتصعيد المواجهة والمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن هذه الاعمال، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي. 

المفاجأة كانت في تمسك هذه القوى بموقفها وتصعيد المواجهة والمطالبة بمحاكمة المسؤولين وفي مقدمتهم الكاظمي

وفي اللحظة التي كانت الحكومة ورئيسها، تواجه احراجا واضحا من قبل الشارع الشعبي المؤيد لهذه الفصائل، خصوصا وان المستوى السياسي المعروف بالاطار التنسيقي لها، كان يقدم تجربة جديدة في التعامل مع الازمة الانتخابية، وما يرافقها من تداعيات تتعلق بمستقبل الدور والتمثيل في السلطة التنفيذية بناء على الاتجاه الذي تسير عليه نتائج الانتخابات. في هذه اللحظة وفي الساعات الاولى من فجر يوم الاحد 7/11، جاء الاعتداء على منزل رئيس الوزراء بمسيرات انتحارية، اختلفت الروايات حول عددها من واحدة الى ثلاثة، كان الهدف منها على ما يبدو، اعادة خلط الاوراق والخروج من مأزق الدم والتصعيد بين رئيس الوزراء والمتظاهرين واحزابهم، بحيث تعيد ترتيب موازين القوى، بعد ان اصطدمت زيارة مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري الى بغداد، واللقاءات التي عقدها مع بعض قيادات الاطار التنسيقي، بمواقف متريثة في الذهاب معه الى خيار التحالف، يساعد على تعزيز جهوده ليكون الجهة التي تمتلك استحقاق تسمية رئيس الحكومة الجديد. خاصة تلك القيادات التي تربطه بها علاقات تنسيق وتفاهم ما قبل الانتخابات، ويلتقي معها في التوجه السياسي العام الرافض لظواهر السلاح المتفلت، والسعي لاستعادة هيبة الدولة وسيادتها على اراضيها وقراراتها، من التدخلات الخارجية خاصة الاقليمية. 

يبدو ان مسيرات الليل البغدادي لم تؤد الدور والهدف المطلوب على الرغم من الادانات الدولية الواسعة التي انهالت على العراق

يبدو ان مسيرات الليل البغدادي لم تؤد الدور والهدف المطلوب، على الرغم من الادانات الدولية الواسعة التي انهالت على العراق، والاتصالات الداعمة لرئيس الوزراء والشاجبة لعملية الاستهداف التي تعرض لها، الا ان زائر الفجر الجنرال اسماعيل قاآني قائد قوة القدس في حرس الثورة الايرانية، الذي وصل الى بغداد بعد ساعات من الحادثة، بناء على رغبة من القائد العام للقوات المسلحة وضرورة ايرانية في الوقت نفسه، كان لها مفعول ابطل تأثير المواقف الدولية والاقليمية الداعم، وبيانات التأييد والدعم التي طيرتها عواصم القرار ومعها مجلس الامن الدولي. اذ اسهمت هذه الزيارة واللقاءات الموسعة، التي عقدها الزائر الصباحي على انفراد مع الرئاسات الثلاثة (الجمهورية والحكومة والسلطة القضائية)، وقيادات الاطار التنسيقي والفصائل الموالية لايران والتابعة لقوة القدس، في جمع هؤلاء وقبل مرور 24 ساعة على حادثة المسيرات، في منزل رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي لايجاد مخرج للازمة المعقدة التي وصلت اليها الامور، وانتهى الاجتماع باصدار بيان من خمس نقاط لمعالجة اسباب الازمة بناء على اهميتها. 

وفي الوقت الذي كان من المفترض ان يتقدم الاعتداء، الذي تعرض له رئيس الوزراء، بصفته رمزا السيادة وهيبة الدولة، على غيره من المسائل التي شكلت ابعاد الازمة، الا ان هذا الاعتداء تراجع الى المرتبة الثانية من اهتمامات المجتمعين، ليتصدر موضع محاكمة المسؤولين عن الاعتداءات الدموية على المتظاهرين ومحاكمتهم، صدر الاولويات وان يدرج بمادة اولى في البيان، تليها قضية الاعتداء على منزل رئيس الوزراء وضرورة التحقيق بها بمشاركة فريق فني. 

لا شك ان الكاظمي استطاع خلال السنة والنصف ان يحقق انجازات مهمة اعادت وضع العراق على الخارطة الدولية والاقليمية

هذا البيان الذي صدر وبترتيب الاولويات الذي جاء به، اعاد ترتيب اوراق معركة رئاسة الوزراء المقبلة، بعد ان قزم اهمية الاعتداء، على ما يمثله موقع رئاسة السلطة التنفيذية والقيادة العامة للقوات المسلحة، بحيث اصبح الرئيس الحالي مرشحا لكي يكون منافسا للعودة الى موقعه لولاية ثانية الى جانب اخرين، لكنه هذه المرة فقد افضلية ان يكون “متقدما بين متساوين”. وهو تطور قد يبطل سحر وفعالية استحقاق كتلة التيار الصدري، التي حصلت على اكبر عدد من المقاعد الذي يعتمد عليه الصدر، من اجل الذهاب الى خيار “حكومة الاغلبية”، بالتحالف مع الكتلة الاكبر للمكون السني بقيادة رئيس البرلمان الحالي محمد الحبلوسي، ومع الكتلة الكردية الاكبر الممثلة للحزب الديمقراطي بقيادة مسعود البارزاني، والتي ترفع من امكانية عودة الكاظمي الى الرئاسة في اطار هذه التوازنات، يبطله لصالح الذهاب الى خيار “حكومة توافقية”، بحيث يكون الاطار التنسيقي بما يمثله من المكون الشيعي والمكونات الاخرى. 

لا شك ان رئيس الورزاء العراقي مصطفى الكاظمي، استطاع خلال السنة والنصف التي تولى فيها ادارة المرحلة الانتقالية، ان يحقق انجازات مهمة اعادت وضع العراق على الخارطة الدولية والاقليمية. الا انه على الصعيد الداخلي لجأ الى خيار التسويات مع القوى الفاعلة على الارض، بحيث ان الشق الذي التزم به عند تكليفه بتشكيل الحكومة، بمعالجة السلاح المتفلت وتعزيز دور المؤسسة العسكرية الرسمية واستعادة هيبة الدولة، بقي في دائرة الوعود التي تنتظر التنفيذ. وان عودته الى موقع الرئاسة من دون انجازات داخلية، وفي ظل اخر التقارير عن ارتفاع نسبة الفقر الى 31 في المئة بين العراقيين، لا يبدو سهلا في حال اجمعت القوى السياسية على خيار الحكومة التوافقية.

امام هذه الحقائق والتطورات يبدو ان جميع قوى المكون الشيعي ومعها قوى المكونات الاخرى باتت على قناعة بخيار الحكومة التوافقية

امام هذه الحقائق والتطورات، يبدو ان جميع قوى المكون الشيعي، ومعها قوى المكونات الاخرى باتت على قناعة بخيار الحكومة التوافقية، بما فيها زعيم التيار الصدري، وقبول رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي باخراج اسمه من السباق لادراكه بانه خيار تفجير، وتمسك رئيس السلطة القضائية فائق زيدان، برفض كل الدعوات لتولي رئاسة السلطة التنفيذية، يبدو ان الطريق لعودة رئيس الوزراء الاسبق حيدر العبادي بات الاقرب الى خيارات كل هذه القوى، خاصة وان التجربة التي خاضها خلال توليه هذا الموقع بين عام 2014 و2018، تشكل عاملا مساعدا على دعم هذا الخيار، لما يشكله من حالة قبول داخلية وعدم استفزاز اقليمي وتأييد دولي، ولجهة ما حققه من انتصارات واعادة تحرير المناطق التي سيطر عليها تنظيم داعش، ووضع الاسس لاعادة ترميم وبناء المؤسسة العسكرية، وادارة الملف الاقتصادي في ظل الحرب وتراجع اسعار النفط، بحيث غادر موقعه تاركا في الخزينة فائضا ماليا باكثر من 14 مليار دولار. بالاضافة الى انه يعتبر قادرا على تدوير زوايا الاختلافات، من دون الحاجة للذهاب الى صدامات، فضلا عن انه يعتبر صاحب المبادرة الابرز في الانفتاح العراقي على العمق العربي، والذي اسس للمسار الذي استكمله الكاظمي في السنة الاخيرة. 

السابق
ما علاقة نوبات الهلع بنقص الحديد وفيتامين «D و B6»؟
التالي
بعد تحليق الدولار.. هكذا سترتفع أسعار السلع في السوبرماركات!