«الكابيتول كونترول».. على وقع «من ضرب ومن هرب»!

لا يمكن وصف الطريقة التي يتعامل بها السياسيون مع الازمة الحالية، ففي الوقت الذي يكتوي اللبنانيون من سعر الدولار في السوق السوداء وتأثيراته على حياتهم اليومية، لا يجد هؤلاء الساسة حرجا، في تأجيل جلسة في المجلس النيابي للتوصل إلى صيغة نهائية لقانون الكابيتال كونترول، علما أنه يفترض عليهم أن يبرهنوا للشعب اللبناني ( على أبواب الانتخابات) ولصندوق النقد أنهم جديون في إتخاذ الاجراءات للخروج من الازمة وإقرار القانون هو جزء منها. لكن "على من تقرأ مزاميرك يا داوود".

أكثر من عامين مرّا على بدء الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان، ولم يعمد مجلس النواب اللبناني إلى إقرار قانون “كابيتال كونترول“، يحفظ مدّخرات المودعين صغارا وكبارا  تمهيدا لوضع خطة للخروج من الأزمة، على غرار ما حصل في البلدان التي مرت بأزمة مماثلة أي اليونان وقبرص، بل على العكس إنتهجوا مبدأ المماطلة والتأجيل، إلى أن تمكّن كبار المودعين والنافذين من السياسيين من تهريب أموالهم إلى المصارف الاجنبية، والانكى، أنه اليوم على أبواب خوض مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، تم تأجيل الجلسة المشتركة، التي كان من المفترض أن تعقد يوم غد الاربعاء بين لجنتي المال والموازنة والادارة والعدل، للتوصل إلى صيغة نهائية لقانون “الكابيتال كونترول”، أو ما يعرف بقانون وضع ضوابط إستثنائية ومؤقتة على التحاويل المصرفية”. 

كثيرة هي المرات التي تأجل فيها إقرار القانون وتحت حجج متعددة، وكثيرة هي الخلافات بين أعضاء اللجنتين، التي تعكس الإنقسام السياسي الحاصل حول القانون ومن خلفها كيفية الخروج من الأزمة  الحالية، وأي فئة من المودعين يجب أن يحمي أكثر صغار المودعين أم كبار المودعين الذين إستطاعوا أن يستفيدوا من حجم الفوائد العالية التي كانت تعطيها لهم المصارف لقاء إبقاء أموالهم فيها، علما أنه من حيث المبدأ يحق لكل المودعين الحصول على مدخراتهم سواء أكانوا كبارا أم صغارا، لكن تسلسل الاحداث منذ إندلاع الازمة، أظهرت أن صندوق النقد الدولي، الذي رفضت الكثير من القوى السياسية التعامل معه، وأولهم حزب الله على أساس أن إجراءاته ستكون ظالمة بحق اللبنانيين، ظهر أنه أرحم عليهم من الطبقة السياسية التي لا تتوانى من أكل لحمهم حيا، وهذا ما يحصل يوميا، والدليل أن دولار السوق السوداء بلغ عتبة 23 ألف ليرة ولا أحد من السياسيين يحرك ساكنا.  

يوضح عضو لجنة المال والموازنة النائب محمد الحجار لـ”جنوبية” أنه “تم تأجيل البحث في القانون  إلى آخر الشهر والذي أدخلت لجنة المال والموازنة تعديلات عليه، لكن لجنة الادارة والعدل وضعت ملاحظات على التعديلات التي أدخلتها لجنة المال، وكان يفترض في جلسة الغد، أن تحصل نقاشات بين اللجنتين للوصول إلى صيغة نهائية لكن هذا الامر لم يحصل”، لافتا إلى أن “القانون كان يجب أن يُقر من بداية الأزمة والجميع يعلم أن “من ضرب ضرب ومن هرب هرب”، أي من إستطاع تهريب أمواله إلى الخارج لم يتوان عن ذلك، وإقرار القانون لن يعيد الاموال التي خرجت من المصارف، لكنه يجب أن يكون جزء من الخطة، التي تقدمها الحكومة إلى صندوق النقد للتوصل إلى إتفاق معه، وأهميته اليوم هي قوننة الاجراءات التي تتعلق بالوضع المالي في لبنان”.

الحجار لـ”جنوبية”: الكابيتال كونترول جزء من خطة الحكومة للتفاوض مع صندوق النقد

يضيف:”لا أعرف سبب التأجيل، والقانون يجب أن يكون كجزء من الخطة الحكومة لمفاوضة صندوق النقد، وللأسف، إلى الآن لا الحكومة تجتمع ولا المجلس النيابي لإنجاز هذه الخطة. البلد يعيش على وقع التأجيل سواء في الحكومة أو مجلس النواب”.

محمد الحجار
محمد الحجار

على ضفة الخبراء الاقتصاديين يرى الخبير المالي والاقتصادي عماد عاكوش لـ”جنوبية” أن “إقرار كانون الكابيتال كونترول في مجلس النواب، هو أحد شروط صندوق النقد الدولي  كجزء من المفاوضات التي يفترض أن تحصل معه”، معتبرا أن “التأخير في الإقرار يعني وضع المزيد من العراقيل أمام المفاوضات، وسبب التأخير هو الخلاف على بنود القانون وصندوق النقد  لن يوافق عليه ما لم يتضمن الشروط الاساسية لأي قانون كابيتال كونترول وضع في الدول التي عانت من أزمات مثلنا”، ويشدد على أن “أحد شروط الصندوق هو المحافظة على صغار المودعين وما تحاول الطبقة السياسية القيام به هو حماية كبار المودعين، وكلنا نعرف ان عدم إقراره في السابق، أدى إلى  تهريب جزء أساسي أموال النافذين من السياسيين وكبار المودعين”. 

عاكوش لـ”جنوبية”: التأخير الدائم لإقرار القانون وفق شروط صندوق النقد بمثابة تماد في إفلاس البلد

يضيف:”التأخير الدائم لإقرار القانون وفق شروط صندوق النقد الدولي، هو تماد في إفلاس البلد والسقوط في الهاوية، وأعتقد أن على المجتمع الدولي أن يمارسوا ضغط على الطبقة السياسية، لإقرار هذا القانون كما سبق أن فعلوا للحث على إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، لأنه إذا لم يقر الكابيتال كونترول، فهذا يعني  أننا ذاهبون إلى مزيد من الانهيار في العملة اللبنانية  والواقع الاقتصادي”. 

يشير عاكوش أن “صندوق النقد وبالرغم من تجاربه الصعبة في بعض البلدان، إلا أن مميزاته هو إلزام الطبقة السياسية، القيام بالحد الادنى من الإصلاحات النقدية  والحفاظ على صغار المودعين”.

ويختم”: لو إستطاعت هذه الطبقة السياسية الاستيلاء على ما تبقى من الإحتياطي الالزامي.. فلن تتردد في ذلك”.

عماد عاكوش
عماد عاكوش
السابق
بالصورة: «متفجرة» ببشامون تُرعِب السكان.. موجودة في علبة «شوكولا» ومعدة للتفجير عن بعد؟!
التالي
تصعيد «كتائبي» بوجه «حزب الله»: فرز اللبنانيين ووضعهم بمواجهة بعضهم!