لبنان: حكومة «العمر القصير» في سباقٍ مع الإصلاحات والانتخابات!

صندوق النقد الدولي

دخلتْ حكومةُ الرئيس نجيب ميقاتي في سباقٍ مزدوج «غير مفاجئ»، مع الانهيار الشامل لمحاولة إبطائه وتجنيب لبنان الارتطام المميت، ومع الانتخابات النيابية التي دخلت البلاد مدارها بعدما رسم الخارج خطاً أحمر حول أي إطاحة بها، وسط ترقُّب كبير لكيفية تعايُش مساريْن «متوازييْن لا يلتقيان»: الإصلاحات التقنية بركائزها «غير الشعبية»، وانتخاباتٌ يراهَن عليها دولياً لتكون مدخلاً لإصلاح سياسي وستطغى عليها في الطريق لفتْح صناديق الاقتراع وبصوت أعلى من كل المرات «قرقعة الشعبوية» من أحزاب تخوض هذه المرة تحدي «إثبات الشرعية» بعد «تهشيم» صورة غالبية المنظومة السياسية منذ انفجار انتفاضة 17 أكتوبر 2019.

ومع انطلاق أسبوعٍ ستطفئ في نهايته الحكومةُ «شمعة» الشهر الأول منذ ولادتها في 10 سبتمبر الماضي، فإنها تبدو محكومة بمعادلة «وراءها القليل وأمامها القليل» لإنجاز مهمة بات واضحاً أنها تقوم على وضْع كوابح للانهيار وفرْملته لضمان إيصال البلاد إلى موعد الانتخابات النيابية الذي لم يعُد يفصل عنه إلا أقل من ستة أشهر (تتقاطع المؤشرات عند أنه سيُحدّد له موعد 27 مارس المقبل) بعد أن تكون أطلقت مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي على حزمة إنقاذ يُراد أن تكون «جاذبةَ» دعمٍ أوسع من مؤسسات مالية وجهات ودول مانحة تَعتبر كلها أن الـ IMF هو «تأشيرة» حصول لبنان على أي «فلس».

هل يمكن خروج لبنان من الحفرة العميقة من دون أن تمتدّ له يد دول الخليج العربي؟

وتشي معطيات في بيروت بأن الانتخابات النيابية صارت بمثابة الاستحقاق «المسلَّم» بإجرائه في ظل استشعار أطراف داخلية بإمكان «استثمار» الانهيار ودورها في «صناديق الإعاشة» وسفن المحروقات الإيرانية وغيرها لتثبيت أقدامها سياسياً وانتخابياً، بعضها تعبيداً للطريق أمام «رئاسية خريف 2022» التي تخاض في ساحاتِ «نيابية 2022»، وبعضها الآخَر لقطع الطريق أمام ما تَعتبره مسعى خارجياً لقلْب الموازين الداخلية بخلفياتِ الصراع الإقليمي انطلاقاً من الأكثرية في البرلمان، وبينهما أطراف تنخرط فيها على طريقة «معركة البقاء».

وتبقى محاولاتُ «خنْقِ أصوات» المغتربين (اختير لهم هذه المَرة انتخاب 6 نواب لـ 6 قارات) التي قد تتحوّل «صاعقاً» متعدد الفتيل، في ظلّ اتجاهاتٍ للحؤول دون أي مخارج قانونية لتكرار تجربة انتخابهم في 2018 في السفارات والقنصليات، بوصْفهم في غالبيتهم كتلة «غير مدجَّنة» وخارج الترهيب والترغيب.

وتتوقف أوساط سياسية على خصومة مع «حزب الله» عند أن الأخير يتصدّر جبهة الدعوة لتعليق إشراك المغتربين باستحقاق 2022 ضماناً لـ «ضبْط» نتائج الانتخابات المشوبة بهوامش «مُتوقَّعة» لتغييراتٍ محسوبةٍ من بوابة دخول «المجتمع المدني» إلى البرلمان، ولكن يُراهَن على أنها لن تبدّل الغالبية التي يُمْسِك بها «حزب الله» مع حلفائه، والتي لا يحتاجها للتحكّم بمفاصل القرار (وهو ما كان يقوم به قبل برلمان 2018) ولكن لتكريس وضْع «الختْم الرسمي» في جيْبه بما يجنّبه «اللجوء الاضطراري» بين الحين والآخر إما للقوة وإما «وهجها» لفرض مسارات وخيارات.

وفيما تمضي التحضيرات لفتْح صناديق الاقتراع، تبدو الاستعدادات لإطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي مدجّجة بعناصر تبايناتٍ «موروثة» من أولى جولات التفاوض التي خاضتها الحكومة السابقة واصطدمت بـ «حرب الأرقام والتوجهات» داخل الفريق اللبناني حيال الفجوة المالية وكيفية توزيع الخسائر وعلى مَن، وسط رصْدٍ لما إذا كانت مهلة الأسابيع الثلاثة التي أعطيت للجنة التي تم تأليفها قبل أيام ستنتهي بتفاهُم على خطة يتحدث معها الوفد بـ «لغة واحدة» مع الـimf الذي نُقل عن مسؤولين فيه «أن لبنان انهار وتحوّل إلى صومال».

«حزب الله» يتصدّر جبهة الدعوة لتعليق إشراك المغتربين باستحقاق 2022؟

وفي موازاة رصْدِ الخارج للمسار الذي يوصل إلى استئناف التفاوض مع صندوق النقد باعتباره مؤشراً رئيسياً لمدى قدرة الحكومة على إرساء قواعد عمل جديدة تسمح للخارج ببدء رمي «شبكة الإنقاذ» للبنان، لتكتمل مقوماتها بعد الانتخابات، فإنّ مجمل عنوان الدعم الخارجي يبقى دونه الإجابة عن سؤال محوري: هل يمكن خروج لبنان من الحفرة العميقة من دون أن تمتدّ له يد دول الخليج العربي التي تقارب في غالبيتها الواقع اللبناني من زاوية حجم نفوذ «حزب الله» فيه؟ وأي آفاقٍ لمحاولة فرنسا التي جددتْ عبر الرئيس إيمانويل ماكرون السعي مع الرياض لدفعها إلى إنهاء «النأي بالنفس» عن الوضع في «بلاد الأرز»، وهي المحاولة التي تردد أنها ستتكرر مع زيارة مرتقبة لوزير الخارجية جان – ايف لودريان للرياض؟

إقرأ ايضاً: بعدسة «جنوبية»: العتمة تحكم قبضتها على لبنان..والبواخر تغادر!

وكان لافتاً أمس ما نقلتْه قناة «العربية» عن لو دريان من أن «تشكيل الحكومة في لبنان خطوة مهمة للنهوض بالبلد» مؤكداً، «أن على الحكومة اللبنانية تنظيم انتخابات مستقلة وشفافة»، في موازاة إعلان مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل «أن الاتحاد لا يملك أي أجندة خفية في(بلاد الأرز ) بل يعمل على دعم الشعب اللبناني»، مشيراً الى أن أوروبا قدمت الكثير من الأموال.

وإذ يُنتظر أن يكون الموفد الفرنسي بيار دوكان في بيروت خلال ساعات لإجراء محادثات تتناول ملف التفاوض مع صندوق النقد وتأكيد ضرورة إطلاق قطار الإصلاحات، بدءاً من قطاع الكهرباء، بعدما كان ميقاتي كشف عن اتجاه لتشكيل لجنة لبنانية – فرنسية لمتابعة الملفات المشتركة، فإن العاصمة اللبنانية ستكون على موعد الأسبوع الطالع مع زيارة لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، وسط تقارير تحدثت عن محطتين قريبتين لكل من وزير خارجية قبرص ووزير الشؤون الخارجية الألماني.

وفي موازاة ذلك، برز موقف لرئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الديموقراطي بوب مينينديز، والعضو المنتدب فيها السيناتور الجمهوري جيم ريتش رداً على تعليق عمل المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، دعا الحكومة اللبنانية إلى «الحفاظ على سلامة القضاة، الذين يتولون التحقيق في الانفجار المروع الذي هز مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس 2020 الماضي، مخلفاً أكثر من 200 ضحية وآلاف الجرحى».

وإذ عبّر البيان عن «القلق الكبير من تعليق التحقيقات في حين أن الشعب اللبناني يستحق محاسبة المسؤولين عن هذه المأساة»، أعرب عن القلق أيضاً من «دور حزب الله في الدفع نحو قرار تعليق هذا التحقيق الحساس»، ومشيداً بـ«نزاهة» بيطار «وهو قاضٍ محترم محايد، خدم بلاده لأكثر من عقد».

واعتبر البيان «أن على الحكومة اللبنانية الحرص على سلامة القضاة والمحققين، كي يكملوا واجباتهم وينهوا التحقيق».

السابق
حزب الله «يَقنص» بيطار من حارة حريك إلى واشنطن..والعتمة «تُكهرب» الحكومة!
التالي
هواجس «اختلاف الرؤى» تتربّص بتحرك لبنان صوب صندوق