قانون الإعلام الإلكتروني تحت «مقصلة» «وزير القمع» و«التشريع المريب»!

صحافة
يتوجس الجسم الإعلامي من محاولة تطويع الإعلام الحر، في معرض الجولة الجديدة من النقاشات، التي تعقد يوم الخميس المقبل في مجلس النواب حول قانون الاعلام الذي تتم دراسته، وستحاول لجنة الاعلام والاتصالات النيابية إقتطاع جزء متعلق بالمواقع الالكترونية، لإقراره بعيدا عن مشروع القانون ككل الذي ينظم كل أنواع وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية، علما أن لجنة الادارة والعدل واللجنة الاعلامية المشاركة في النقاشات حول القانون، تختلف إختلافا جوهريا مع لجنة الاعلام.

للمرة الثانية خلال 24 ساعة، كرر وزير الاعلام الجديد جورج قرداحي “تمنياته على وسائل الاعلام بأن لا تستقبل أي ضيوف يصورون البلد وكأنه ذاهب إلى الخراب”، المرة الاولى كانت من على أرض مطار رفيق الحريري آتيا لتسلم مهامه والمرة الثانية خلال أول إطلالة رسمية له اليوم كوزير إعلام من قصر بعبدا، وبعد هذين التصريحين ثمة جلسة للجنة الاعلام والاتصالات ستعقد يوم الخميس المقبل لمتابعة دراسة القانون الرامي حول “تنظيم المواقع الالكترونية الاعلامية” المقدم لها من قبل النائب حسين الحاج حسن (رئيس اللجنة)، فهل يكون كلام قرداحي وإجتماع لجنة الاعلام مؤشر على بداية مرحلة إعلامية يتم خلالها “حصار” كل من يغرد خارج سرب الطبقة السياسية الحاكمة؟ 

إقرأ أيضاً: قرداحي يفتتح مسيرته الوزارية بإملاء الممنوعات على وسائل الإعلام.. وبيان حادّ اللهجة من «إعلاميون من أجل الحرية»

السؤال يبدو مشروعا، خصوصا أن النقاشات التي تدور بين اللجنة التي شاركت في  قانون الاعلام الجديد ( وزيرة الاعلام وأعضاء اللجنة) وبين لجنة الاعلام والاتصالات من جهة ثانية ولجنة الادارة والعدل من جهة ثالثة، تظهر أن ثمة إختلافا جوهريا يفرّق بين هذه الجهات ألا وهو تحديد مفهوم ودور وسائل الاعلام في بناء مؤسسات الدولة، وأن هذا الاختلاف لم يندمل منذ 10 سنوات( تاريخ بدء مناقشة إقتراح القانون) ومع تعاقب أكثر من وزير ولجنة إعلام على دراسته، إلى أن وصل أمام لجنة الإدارة والعدل منذ 3 أعوام تقريباً. 

هذا الاختلاف الجوهري وعدم القدرة على الاتفاق بالرغم من مرور السنوات، يدعو إلى الإرتياب خصوصا مع محاولة الحاج حسن في هذه المرحلة، إلى إقتطاع الجزء المتعلق بالمواقع الالكترونية لإقرار قانون خاص بها (بإنتظار انتهاء لجنة الادارة والعدل من دراسة باقي أجزاء القانون المتعلق بوسائل الاعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة) تحت حجة أن لا قانون يحكم هذه المواقع والبالغ عددها بين 800 و900، في حين أن الجرائد وهي منظمة بموجب قانون المطبوعات، التلفزيونات والإذاعات هي منظمة بموجب قانون المرئي والمسموع. 

تخوف من أن يتم أخذ المواقع الالكترونية إلى أماكن خارج “الرؤية الاعلامية”

محاولة “التدجين” هذه بدأت مع نهاية 2020، وتم التوافق على أن تأخذ هذه المواقع العلم والخبر من المجلس الوطني للإعلام، على أن تكون مسؤوليتها أمام محكمة المطبوعات وحقوقها بالنسبة الى الضمان الإجتماعي وإنتسابها الى نقابة المحررين، علما أن الكباش المحتدم حاليا بين لجنتي الاعلام والادارة والعدل ومع تصاعد الكلام عن محاولة تمرير هذه الجزئية من القانون بأسرع وقت ممكن، يدفع لتسليط الضوء على الاختلافات الجوهرية التي تمنع صدوره.

وفي هذا الاطار يشرح عضو مجلس نقابة المحررين علي يوسف (مشارك في وضع قانون جديد للإعلام ونائب رئيس لجنة الحريات العامة في إتحاد الصحافيين العرب) لـ”جنوبية” أنه ” لا يمكن بلورة قوانين متعلقة بالمواقع الاخبارية الالكترونية بمعزل عن قانون الاعلام ككل، لأنهم جزء من كل ولا يمكن فصله”، مؤكدا أنه “يتم مناقشة قانون متطور وفقا للمعايير الاوروبية والعربية، وكل نظرة جزئية للإعلام هو ضرب لمفهومه لأنه صناعة للرأي العام، و التجزئة تقع في طريقة عمل المؤسسة فقط، و ليس في سياسة الاعلام التي من المفروض أن يتناولها”، ويشدد على أن”غياب وحدة التشريع يعني غياب وحدة الرؤية وهذا أمر خاطىء، يعيد الفوضى للقطاع الاعلامي ولا يساهم في بناء دولة بل في تلبية رغبات، والاعلام هو جزء من مؤسسات الدولة، وبناء قطاع إعلام جيد يعني المساهمة في بناء دولة جيدة”.

يضيف :”مشروع القانون الذي يتم دراسته يؤكد على وجوب التمييز بين وسائل التواصل الاجتماعي  وبين الاعلام الالكتروني، الذي يجب أن يكون مؤثرا ويتمتع بالشروط التي يتطلبها بناء المؤسسات الاعلامية”، معربا عن “قلقه من أن يتم أخذ هذه المواقع إلى أماكن أخرى لأنه في لبنان ليس هناك فهم لمعنى “الرؤية الاعلامية” وهذا ما نحاول ترسيخه عند النواب والاحزاب التي تنظر إلى المواقع وفقا لنظرية (من معنا ومن ضدنا)”، ويلفت إلى أنه “من هنا يحاولون البدء بمناقشة القوانين التي تنظم عمل الاعلام، وهذا الامر خاطئ، ولذلك إقترحت إجراء ندوات يشارك فيها أعضاء اللجان المشتركة في مجلس النواب، تستضيف أخصائيين لشرح مفهوم قانون الاعلام ولماذا يجب أن يوضع ويُصاغ”، مؤكدا أنه “لا يجوز مناقش قانون الاعلام الجديد من دون أن يدرك جوهر وأهداف الاعلام، وإلا تتحول النقاشات حول تقنيات جامدة تستند إلى حسابات شخصية أو حزبية وتخرج عن المنطق الحقيقي لمفهوم الاعلام”. 

يوسف لـ”جنوبية”: ثمة “رغبات” وراء غياب وحدة التشريع حول قانون الاعلام الإلكتروني

يشدد يوسف على “أن هناك تنويها من قبل الهيئات الدولية المعنية بالموضوع الاعلامي، بمسودة قانون الاعلامي الجديد لأنه يتضمن رؤية  وليس مجموعة تقنيات”، لافتا إلى أن “المواقع الاخبارية الاكترونية ، هو نمط من  الاعلام  تزامن مع حدوث ثورة الاتصالات، وكرد مباشر على الكلفة العالية التي يتطلبها عولمة الاعلام في العالم، ليكون وسيلة سهلة تصل إلى كل العالم و جزء من العولمة ولكن بأكلاف قليلة”، ويرى أنه “بات لهذا النوع الجديد من وسائل الاعلام حيّثية في كل العالم ومنها لبنان وبات هناك ضرورة لقوانين تنظمها، أي وضع قوانين تحد من الفوضى الاعلامية (علم خبر – و ان تأخذ طابعا مؤسساتيل و تتمتع بشروط المصداقية  وإدارة تحرير ومندوبين وموظفين و مقر) كي يتم التمييز بينها و بين وسائل التواصل الاجتماعي”، مشددا على أن “الهدف هو أن يتحول هذا النوع من الاعلام إلى سوق إعلامي يعيد خلق فرص عمل  وترتيب المهنة والحفاظ على  تقاليدها ومواصفاتها و دورها  و هذا هو جوهر القانون الجديد للإعلام الذي يتم دراسته حاليا ، أي تنظيم المهنة وليس تقييدها”. 

لا يجوز تحول النقاشات حول تقنيات جامدة تستند إلى حسابات شخصية أو حزبية

يضيف:”كما يجب أن يترافق إقرار هذا القانون مع شرعة وطنية للإعلام تضم كل المؤسسات الاعلامية وتحدد واجبات وحقوق الاعلام و الاعلاميين في لبنان”، لافتا إلى أنه “في إجتماعات التي شارك فيها لوضع القانون الجديد للإعلام  نحاول إقناع النواب بهذه الرؤية لأن ما ينقصنا هو غيابها ودور الاعلام خطير ومهم جدا “.

ويختم:”نحاول تغيير نظرة لجنة الاعلام إلى القانون، وعدم إعتباره وكأنه مجموعة من القوانين التقنية حول شروط الترخيص، بل كيف نطوّر السوق الاعلامي وكيف نحوّله كأداة أساسية لبناء الرأي العام والثقافة والتنمية البشرية كي لا نهبط بمستواه إلى تبادل الشتائم لأن هذا الامر يسيء للإعلام أكثر مما هو حرية إعلامية”.

السابق
بالصورة والفيديو: إنفجار يهزّ صور.. ويوقع جرحى واضرار كبيرة!
التالي
خاص «جنوبية»: «أيلول ذيله مبلول» بقرارات مصيرية في جريمة المرفأ!