الكنيسة دعت لمقاومة زوال لبنان: قضية حياة أو موت!

بارجة فرنسية

أي مفارقةٍ أن يطلّ سبتمبر 2021 على عنوان سياسي – سيادي استحضر، وإن بمضامين مختلفة، روحية «نداء 20 سبتمبر 2000» للمطارنة الموارنة الذي أطلق معركة إنهاء الوجود العسكري السوري في لبنان وفق مثلث «حرية، سيادة، استقلال» الذي طبع مرحلة مفصلية من تاريخ «بلاد الأرز».

ولم يكن عابراً ما أعلنه مجلس المطارنة الموارنة أمس بعد اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في بيانٍ مدجَّج بالرسائل حيال الخطر الوجودي على لبنان «المهدَّد بالزوال» محدّداً مصدريْن لهذا الخطر: الأول وضعية «حزب الله» وسلاحه خارج الشرعية وارتباطه بإيران، وهو وإن لم يسمّه ولكنه لم يوفّر عنصراً وإشارة كي «يفهم اللبيب» البعيد والقريب، واضعاً هذه المسألة بمصاف ما أسماه «قضية حياةٍ أو موتٍ» دعا للتصدي لها لبنانياً وعبر قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

والثاني الأزمة السياسية المستحكمة واستعصاء تأليف الحكومة الجديدة الأمر الذي يُشتمّ منه «انقلاب على الميثاق الوطني والدستور واتفاق الطائف».

وأكد البيان «أن لبنان الحرية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي بات على مشارف الزوال، وأن ثمة قوى إقليمية ومحلية تابعة لها وراء ذلك»، داعياً «شعب لبنان إلى التصدي لها بما أوتي من قوة، ومهما بلغت التضحيات. فالقضية اليوم إنما هي قضية المصير وبالتالي قضية حياة أو موت»، ومناشداً «المجتمع الدولي المبادرة سريعاً إلى احترام القرارات الدولية المتعلقة بلبنان والعمل على تنفيذها بقوة وحزم، إسهاماً في حماية بنية الدولة اللبنانية، ومصيرها ومصير أهلها، بعيداً عن الحسابات والتجاذبات الدولية والإقليمية التي لم تدفع بلبنان إلا إلى الخراب».

كريس مورفي: «حزب الله» يخلق الدمار في المنطقة وهو سرطان ينتشر في لبنان

وإذ عبّر المجتمعون عن «الذهول والغضب والألم أمام هذا التمادي غير المسؤول في سوء إدارة المصالح العامة والمال العام، وأمام تفاقم الأزمة السياسية، بحيث بات تشكيل حكومة شأناً مستحيلاً على رغم مرور أكثر من سنة على تعذر هذا التشكيل لأسباب تحاصصية معيبة لأصحابها»، حذروا «من مغبة ما يجري ويخفي انقلاباً على الميثاق الوطني والدستور واتفاق الطائف»، ومحمّلين «المعنيين في الدولة، تبعات الكوارث المتتالية التي يتسببون بها».

ورغم أن الكنيسة المارونية أرستْ على مدار الأشهر الماضية مساراً تصاعُدياً في مقاربتها الواقع اللبناني والمسببات المالية والسياسية للانهيار رافعة لواء «حياد لبنان»، إلا أن ما صدر بالأمس بدا بمثابة تتويجٍ لهذه المُراكَمة قد يكون مبالَغاً اعتبار أن مفاعيله ستختلف عما آلت اليه «صرخات بكركي» المتواصلة التي ما زالت كأنها «في وادٍ»، ولكن بالتأكيد لا يمكن القفز فوق أبعاده المتعددة، وخصوصاً في ضوء «تثبُّت الجميع» من أن خيارات الكنيسة المارونية الأخيرة تحظى بغطاء من الفاتيكان.

وجاءت اندفاعةُ بكركي فيما كان ملف تأليف الحكومة يدخل مجدداً في لعبة باتت ممجوجة من «المناخات المتضاربة» التي تشيع إيجابياتٍ وتقدماً على متن وساطة للمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم (واتصالات يشارك فيها النائب علي حسن خليل وهو معاون الرئيس نبيه بري) وترجّح ولادةً حكومية قبل حلول الأسبوع المقبل، في مقابل وقائع تُعاكِس هذه الأجواء وتعكس أنها في إطار «نفض يد» مستمر من «دم» هدر فرصة التشكيل التي تجددت مع تكليف الرئيس نجيب ميقاتي والتي يكرر عارفون أنها ما زالت عالقة عند ما ثبت «بالوجه الشرعي» أنه تمسُّك من فريق رئيس الجمهورية ميشال عون بالحصول على «الثلث المعطّل» ولو من دون إعلان صريح.

ولم يكن ممكناً في رأي أوساط مطلعة إدارة الظهر لمعطييْن رئيسييْن اعتُبرا مؤشراً إلى أن مهمة إبراهيم تسير في حقل ألغام، إلى حين ثبوت العكس، وهما:

• ردّ رؤساء الحكومة السابقين، أي ميقاتي وكل من سعد الحريري وفؤاد السنيورة وتمام سلام، على مصادر قريبة من عون كانت توقفت عند قول الرئيس المكلف في مقابلته التلفزيونية (السبت الماضي) أن ‏رئيس الحكومة هو الذي «يتعرض للمحاسبة في مجلس النواب وهو بالتالي المسؤول، وعليه اختيار الوزراء ليشاركوه ‏المسؤولية»، متسائلة «إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يشن رؤساء الحكومة السابقون في بياناتهم، حملات على رئيس الجمهورية ويحمّلونه مسؤولية ما يجري، وكيف لا يحاسبون هم ‏أنفسهم على ما ارتكبوه خلال وجودهم في المسؤولية؟».

وحَمَلَ ردّ رؤساء الوزراء السابقين والذي جاء بصيغة «مصادر» إشارة واضحة إلى أن مسار التأليف ما زال «مكانك راوِح» إذ أكد انه «فيما عملية تشكيل الحكومة لا تزال تدور في الحلقة التعطيلية المعروفة، رغم كل الجهود التي يبذلها الرئيس المكلف، لجأت «أجواء بعبدا»، كما وصفت نفسها، الى تسريبات جدلية مجتزأة وفي غير مكانها الصحيح في محاولة للتعمية على الوقائع الدقيقة»، مؤكدين أن موقف ميقاتي «في حديثه التلفزيوني الأخير عن مسؤولية رئيس الحكومة أمام مجلس النواب انطلق من نص المادة 64 التي تقول رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، ويطرح سياسة الحكومة العامة أمام مجلس النواب».

رؤساء الحكومة السابقون: تشكيل الحكومة لا يزال يدور في الحلقة التعطيلية المعروفة

وإذ كرّر البيان الموقف من «مسؤولية رئيس الجمهورية في موضوع انفجار مرفأ بيروت»، هو الذي «منذ فترة طويلة، يتدخل بالأمور الصغيرة والكبيرة- وبشكل يومي- ولكنه تغاضى عن هذه المسألة الخطيرة (نيترات الأمونيوم في المرفأ التي أكد أنه علم بها قبل 15 يوماً من الانفجار)، أكد أنه «لا يجوز الاستمرار في استهلاك الوقت الحرج في السجالات التي لا طائل منها، وأن يتم فوراً تشكيل الحكومة المطلوبة وفق المعايير والأعراف الدستورية والمقتضيات الوطنية».

• الهجوم العنيف الذي شنّه بري على عون وفريقه (رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل) دون تسميتهما في كلمته بذكرى تغييب الإمام موسى الصدر، وهو الهجوم الذي بدا معه تحديد «هذا الأسبوع لتشكيل الحكومة مع وجوب تنحية كل الخلافات» على طريقة إحراج فريق رئيس الجمهورية وحشْره في زاوية كشف النيات «لمرة أخيرة» في ما خص الثلث المعطل الذي «بق بحصته» رئيس البرلمان بسؤاله «هل ربْط تشكيل الحكومة بالثلث المعطل هل هو سياسة أم مساسة؟ وهل جهنم بحاجة ‏إلى مأموري أحراش؟ فكرنا الباشا باشا طلع الباشا زلمى»، ومضيفاً: «لمصلحة من التهديد والتلويح بالاستقالات من مجلس ‏النواب ولمصلحة من تعطيل آخر مؤسسة منتجة وعاملة في لبنان على المستوى التشريعي؟».

ولم يكن ينقص المناخ المضطرب على خط عون – بري إلا إحياء النقاش حول قانون الانتخاب قبل 8 أشهر من موعد الانتخابات النيابية التي حُدد لها موعد في 8 مايو 2022 والذي عاود رئيس البرلمان المطالبة بأن يكون «على أساس لبنان دوائر انتخابية كبرى وفقاً للنظام النسبي وإنشاء مجلس للشيوخ تتمثل فيه الطوائف بعدالة، وكل طائفة تنتخب من يمثلها».

وإذ كان موضوع قانون الانتخاب حاضراً في مجلس النواب ولجانه أمس، فإن مداولاته ظهّرت أنه قد يتحوّل مادة تجاذب طائفي في ضوء اصطفاف مسيحي (من التيار الحر و «القوات اللبنانية») ضد تعديلات جوهرية على القانون الذي أجريت على أساسه انتخابات 2018 (اعتمد النسبية للمرة الأولى وفق تقسيمات لدوائر صغرى مع صوت تفضيلي واحد) باعتبار أنه صحّح التمثيل المسيحي، وسط خشية من أن يتحوّل هذا الملف «عبوة» لتطيير الانتخابات النيابية، واقتناعٍ بأنه قد يكون بمثابة «الصنارة» التي تَعْلق فيها ثلاث استحقاقات معاً: الحكومة وقانون الانتخاب وتالياً الانتخابات النيابية، والانتخابات الرئاسية، لتكون «سلّة واحدة» لن يكون سهلاً تفكيك عناصرها.

وفي موازاة ذلك، كان عون يُبلغ الى وفد مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة رئيس اللجنة الفرعية لشؤون الشرق الأوسط في المجلس السيناتور كريس مورفي «أن عملية تشكيل الحكومة الجديدة قطعت شوطاً كبيراً وأن الكثير من العقبات قد ذللت»، معرباً عن أمله «في ان تُشكل الحكومة هذا الأسبوع».

عون: نأمل أن تُشكل الحكومة هذا الأسبوع والانتخابات النيابية في موعدها

وإذ أكد عون «أن الانتخابات النيابية ستجري في موعدها في ربيع 2022»، شدد أعضاء الوفد الذي ضم أيضاً السيناتور Richard Blumenthal والسيناتور Chris Van Hollen والسيناتور Jon Ossoff التزامهم الوقوف الى جانب اللبنانيين عموما ودعم الجيش خصوصاً”.

في ختام زيارته لبيروت التي التقى فيها أيضاً كلاً من بري وميقاتي ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب وقائد الجيش العماد جوزف عون، أعلن وفد الكونغرس، أننا كسلطات أميركية «نعمل بنشاط على سبل لحل أزمة الوقود ولا داعي لاعتماد لبنان على الوقود الإيراني، وأي وقود يجري نقله عبر سورية خاضع للعقوبات وواشنطن تبحث عن سبيل لأداء ذلك من دون عقوبات».

وقال مورفي من مطار بيروت: «نحن متأكدون أن حزب الله منظمة إرهابية ولكننا سنستمر في دعم لبنان»، معتبراً «ان حزب الله يخلق الدمار في المنطقة وهو سرطان ينتشر في لبنان»، ولافتاً إلى «أن الفساد نمطٌ في الحكومة اللبنانية وهذا غير مقبول، وأي عضو في الحكومة يتورط في قضايا فساد ستُفرض عليه عقوبات أميركية».

إقرأ أيضاً: «بواخر حزب الله» تَستفز «أمل» جنوباً..والشِّح النفطي يُعطّل الحياة البقاعية!

وإذ كانت الأنظارُ على زيارة الوفد الأميركي، حذّر سفير بريطانيا ايان كولارد من أن «أزمة لبنان استثنائية ونتيجة عقود من الفشل وعجز السياسيين»، موضحاً كما نقلت عنه قناة «العربية» أن «الحاجة للإصلاح في لبنان عاجلة والعمل السياسي مطلوب فوراً».

وفي سياق الاهتمام الدولي بلبنان، برز وصول الفرقاطة التابعة للبحرية الفرنسية «Aconit» إلى بيروت في خطوة وضعتْها السفارة الفرنسية في إطار «الوقوف إلى جانب القوات المسلّحة اللبنانية».

وفي حين لم يكن ممكناً تَلَمُّس كل أبعاد هذه الخطوة فيما كان البحر عنواناً لملفّ شائك يشكّله ترقّب وصول سفن المحروقات الإيرانية إلى الساحل السوري (بانياس) ونقل مخزونها براً الى لبنان، اكتفى وزير الطاقة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر بالقول رداً على سؤال حول هذه السفن إن لبنان لم يتلق طلباً لاستيراد وقود إيراني، موضحاً لدى سؤاله عما إذا كانت السفن حصلت على إذن بنقل الوقود أن ليس لديه معلومات «ولم يتم طلب إذن منا».10 ملايين دولار من الأمم المتحدة لتأمين الوقود لمستشفيات ومحطات مياه| بيروت – «الراي» |

في خطوة عكست الأبعاد الخطيرة التي بات يتخذها الانهيار الشامل الذي يضرب لبنان في ظل ملامح «كارثة إنسانية» تعمّقها أزمة المحروقات، أعلنت الأمم المتحدة تخصيص عشرة ملايين دولار من أجل شراء الوقود لمستشفيات ومحطات مياه في «بلاد الأرز».

وقال الأمين العام المساعد لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث في تغريدة، أمس، إن «الشح في الوقود والكهرباء يهدد خدمات الصحة والمياه الأساسية في كامل لبنان، ما يضع آلاف العائلات في خطر مواجهة أزمة إنسانية».

وبناء عليه، ستخصّص الأمم المتحدة، وفق ما جاء في بيان ليل الثلاثاء، ستة ملايين دولار لمساعدة «65 مستشفى في لبنان فضلاً عن منشآت صحية أساسية وصيدليات ومستودعات تخزين مبردة».

ورصدت الأمم المتحدة كذلك أربعة ملايين دولار لتأمين الوقود لضمان «استمرارية» خدمات صحية والمياه والصرف الصحي، ويتضمن ذلك تأمين المحروقات لأربع محطات ضخ مياه تخدم أكثر من ثلثي السكان في بيروت والبقاع (شرق) وجنوب البلاد وشمالها.

من شأن هذه المساعدة أن تدعم 2.3 مليون شخص عبر ضمان «أن يكون هناك ما يكفي من وقود لاستمرار عمل محطات المياه».

السابق
إرتفاع حظوظ التأليف والكفة «طابِشَة» لعون..وإستطلاع اميركي تحذيري!
التالي
لبنان: بري القائد «الفخري» لمعارضي عون ماضٍ..على سلاحه!