أين شيعة لبنان من مشروع الصدر الوطني والإنساني.. والأخلاقي؟!

يمثل الدور الإصلاحي للإمام السيد موسى الصدر، امتداداً وتواصلاً في تكويناته الفكرية والثقافية والدينية، لذلك الدور الذي نهض به كلٌّ من السيد محسن الأمين والسيد عبد الحسين شرف الدين. وسعى الامام الصدر للإستمرار بهذا الدور وتطويره، ليشمل رؤى وخطط سياسية وإجتماعية وإقتصادية، وقد عرف عنه بالتجديد والعملي ومواكبة العصر.

أولى خطوات الإمام الصدر، كانت جولاته على معظم قرى جبل عامل وبعلبك والهرمل، وبعض القرى الشيعية في الشمال، بقصد التعرف على الأهالي وطريقة تفكيرهم واسلوب حياتهم، فتواصل مع كل الفئات الاجتماعية، وجلس مع الناس وخاصة الفئات المحرومة والمهمشة والمضطهدة. إستمع لهم وأكل من طعامهم، ولمس معاناتهم وحجم الاهمال الاجتماعي والاقتصادي، والتهميش السياسي والإداري.

وجد الإمام الصدر نفسه أمام واقع، يتطلب جهدا كبيرا لاصلاح الواقع الذي يعيشه الشيعة في لبنان، فكرّس معظم وقته في سبيل مشروع متكامل، يغير واقع الشيعة من حال الى حال.

بدأ الامام الصدر، بتحديد علاقة الشيعة بالدولة، ودورهم الوطني وإنفتاحهم وتواصلهم، مع المجتمع اللبناني بكافة طوائفه ومذاهبه، بالتوازي مع تنظيم واقع الشيعة أنفسهم، فحرص الامام على التعرف على كافة الطاقات والكفاءات، وتجميعها في عمل منظم، والاستفادة منها لاستنهاض الطائفة من داخلها، ولهذه المهمة، جاء تأسيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، لإخراج الشيعة من قمقم العزلة المحلية، وتحصيل حقوقهم وإعادة الاعتبار المعنوي والسياسي والتنموي، وإنفتاحهم على عالمهم العربي.

اليوم عادت الطائفة الشيعية الى حالة الضياع والنكران والتشرذم و الى عنق القمقم الذي أخرجها منه الامام الصدر

 شعر الشيعة خلال هذه المرحلة بثقة كبيرة، وعرفوا ماذا يريدون من الدولة، حقوقهم وواجباتهم، وأهمية الإندماج الوطني، وبدت الصورة واضحة أمامهم، بعدما أنار الامام الصدر دربهم، بمشروع عملي واضح، قائم على قاعدة العدالة والمساواة والتكافؤ وخير العمل، حيث أخرج المفاهيم والشعارات، التي تتعلق بالمسلمين الشيعية الى الواقع، من خلال الدمج بين  المشتركات الانسانية والمطالب الاجتماعية، على عكس ما نشهده اليوم من ضياع وعشوائية وانفصام بين الواقع والشعارات.

إقرأ ايضاً: شهية باسيل لتوزير حزبيين تُفرمل الحكومة..ورفع الدعم «ينتصر» نيابياً!

بوعي ودراسة إجتماعية وإقتصادية و سياسية وإنسانية، بدأ الامام الصدر وضع مشروعه موضع التنفيذ، بدءا من توحيد كلمة الشيعة ضمن النسيج المدني، في مواجهة الظلم الاجتماعي والاقتصادي، فبدأ ببناء المدارس والجامعات والمعامل وتنظيم الأوقاف، وأنشأ جمعيات لمساعدة المتسولين والفقراء، بهدف الوصول لتنمية مستدامة على صعيد الطائفة والوطن.لم يكتب للامام الصدر النجاح، في استكمال مشروعه، بعدما تم تغييبه في ليبيا في ٣١ آب من العام ١٩٧٨، حيث شكلت هذه الجريمة، صدمة ونكسة كبيرتين لدى الشيعة بشكل خاص، وعلى لبنان بشكل عام.

مرحلة ما بعد الإمام

لم يستطع الشيعة الحفاظ على الخط الذي رسمه لهم الامام الصدر، الذي خاطر بحياته وبذل جهده ووقته، في سبيل رفعة الطائفة وأبنائها، وتنظيمها على أسس وقواعد علمية وعملية، تضمن عدم وقوعها في فخ أي حصار، أو فوضى وحرب قد تشهدها البلاد.

اليوم، عادت الطائفة الشيعية الى حالة الضياع والنكران والتشرذم، و الى عنق القمقم الذي أخرجها منه الامام الصدر، فغاب المشروع وحلّت العشوائية، والانفصام بين الواقع والخطابات الشعبوية، عمّت الفوضى والجشع والاحتكار، و جرى إستبعاد المثقفين والطاقات والكفاءات عن المجلس، و تفكك النسيج الوطني وتشتت الولاءات.

“رجال أعمال الشيعة” في لبنان فيشكل العديد منهم مافيات الاحتكار والتهريب وتجار السلاح و الكبتاغون والسيجار والادوية المزورة

غابت المؤسسات والمصانع، والخطط الاقتصادية والتنموية والعدالة الاجتماعية، وأصبحت مناطق الشيعة، عبارة عن مقاه ومعارض سيارات، ومجمعات دينية وصناديق تسول تجوب الشوارع والبيوت والدكاكين.

أما “رجال أعمال الشيعة” في لبنان، فيشكل العديد منهم،  مافيات الاحتكار والتهريب وتجار السلاح، و الكبتاغون  والسيجار والادوية المزورة، وتبييض الاموال واصحاب العقارات والصفقات المشبوهة، ووزراء حديثي النعمة و الثروات.

لم يقف مشروع الامام الصدر لحظة تغييبه، ولم يستكمل لا بل تم تفكيكه وإعادة الواقع الى ما دون الصفر، لمن لا يرى هذا الواقع، فعليه أن يعود الى مدرسة الامام الصدر ليدرك جيدا الفرق بين الواقع والوهم.

السابق
راغب علامة ينتقد أهل الحكم.. «الشعب اللبناني ما إلو إلا الله»
التالي
«توب 15» للبقاء على قيد الحياة!