دولة العهد الفاشلة!

ميشال عون

اعتبر مناصرو العهد، ان اعتذار الرئيس المكلف سعد الحريري انتصارا لهم، وان اعتذاره دليل على ان ميشال عون، لا يتنازل بأي حال من الأحوال، وستبقى الأمور بالنسبة لهم على هذا المنوال، حتى ولو انتهت ولاية رئيسهم دون تشكيل الحكومة.

إقرأ أيضاً: خاص «جنوبية»: عون يُمهّد لتأجيل الإستشارات..هل «يُنقذ» بقرادونيان بعبدا مرة ثانية؟

فالحكومة تفصيل صغير، امام التطلع صوب الانتصار على العدو الأول: انه ممثل “السنية السياسية”، بما تثير في اللاوعي الجمعي للحالة العونية، حالة من الاضطهاد السياسي، بحسب الادبيات السياسية للتيار العوني، الذي يعتبر ذلك حقيقة راسخة، غير قابلة للنقاش حتى ولو كذبتها الوقائع!.

جاء تكليف الحريري بمثابة طوق النجاة الذي أعاد للتيار القدرة على احياء خطاب الحقوق والتهميش

 لقد أخطأ سعد الحريري مرتين، مرة بعجزه وعجز مستشاريه، عن تقدير ضعف التأثير السياسي الفرنسي في لبنان، الذي يستجدي من ايران بعض التسهيلات السياسية في الداخل اللبناني،  وذلك من خلال تسهيل تنفيذ بنود المبادرة الفرنسية، الخطأ الثاني قبوله التكليف، خصوصاً بعد جريمة المرفأ، التي وضعت العهد وحليفه الإلهي في وضعٍ لا يحسدان عليه، إذ أن كل التبعات والاثار الناجمة وقعت على رأس ميشال عون وتياره السياسي، الذي اصبح منعزلا حتى في قلب كسروان، فجاء تكليف الحريري بمثابة طوق النجاة الذي أعاد للتيار القدرة على احياء خطاب الحقوق والتهميش، ومَن غير  انتهازية جبران باسيل تتلقف تلك الفرصة، وقد جاء قبول التكليف، الى جملة من العوامل الأخرى، شكلت بمجموعها منصة للتعنت العوني، منها عدم استعداد ايران تسهيل تشكيل الحكومة، ربطاً بمحادثات فيينا حول الملف النووي الايراني، ثم هزال الدور الفرنسي الذي شكل فرصة خلبية، فشل سعدالحريري في قراءتها جيدا، وهذا ليس بالمستغرب اذ ان فريقه السياسي، افشل من يتعاطى مع التحديات بعقلية استراتيجية، فهو دائما يقدم التنازلات ليخسر دائما مرتين كما هو الحال الان، فقد خسر في منعه من التأليف، وخسر أيضا من خلال اظهاره انه الأضعف بين كل الافرقاء السياسيين.

ومما لا شك فيه، أن حزب الله المستثمر الأول في الحيثية الشعبية للتيار العوني، مستفيدا من اعتذار سعد الحريري، كونه يحاول إعادة انتاج الحالة العونية، وبث الدماء مجددا في جسد اتفاق مار مخايل المتخشب أصلا، من خلال إظهار نفسه أنه وقف الى جانب عون، ولم يتركه وحيدا في مقابل نبيه بري وسعد الحريري، الذي اكد في مقابلته الأخيرة ان حزب الله لم يقمْ بالضغط الكافي، على فريق ميشال عون في عملية التشكيل.

استطاع العهد افشال مباردة الرئيس بري، التي نالت دعما ملموسا من الداخل والخارج

ضمن هذا الأفق، استطاع العهد افشال مباردة الرئيس بري، التي نالت دعما ملموسا من الداخل والخارج، الا ان كل المحاولات تحطمت امام تعنته، الذي لم يأخذ في الحسبان  المطالب المعيشية والمصلحة البديهية في وقف الانهيار، بناء على طلب البنك الدولي الذي يرفض ان يتعاون مع السلطة في لبنان، الا من خلال حكومة سميت بحكومة المهمة، وغير حزبية بنسبة وازنة على اقل تقدير.

وثمة خوف متنام لدى اللبنانيين، من انزلاق الأمور نحو الفوضى الاجتماعية، التي قد تجر معها الفوضى الأمنية بفعل الازمة الاقتصادية، وتدهور سعر الليرة الى منازل غير مسبوقة حتى في ظل الحرب الاهلية.

فاللبناني لم يختبر تحديا ملحا كالذي يختبره في هذا العهد، الذي فشل في السياسة والاقتصاد والامن، وبموازاة المخاوف المعيشية هناك من بدأ يتحدث، عن اقتراب لبنان  من مؤشرات الدولة الفاشلة، التي تحدث عنها علماء السياسة، فلا الدولة قادرة على ممارسة حقها السيادي في احتكار القوة، التفشي خطير لظاهرة الفساد، الحدود سائبة، زيادة في الانقسام المجتمعي أزمات مالية واقتصادية واجتماعية، تآكل السلطة الشرعية لدرجة العجز عن اتخاذ قرارات موحدة، عدم القدرة على توفير الخدمات العامة، كل هذه المظاهر مجتمعة نعيشها في الوقت الراهن في الوقت الذي يتلهى فيه العهد، بتحقيق مكاسب ضيقة ورفع شعارات لا تلامس واقع اللبنانيين، الذين اصبح امنهم الغذائي بخطر وجودي، جدي وحقيقي لا يختلف حوله عاقلان.

لعل من اهم ما يمكن ان يقوم به الشعب اللبناني، هو الضغط المباشر لتشكيل حكومة حيادية  بكل ما للكلمة من معنى، توقف الانهيار المالي والاقتصادي، ثم تنكب على التحضير لاجراء الانتخابات نيابية، في ظل مراقبة دولية شفافة وجدية، وبعيدا عن النظرة السلبية التي تعمقت لدى الناس، أولا بسبب عدم تحقيق العدالة لشهداء جريمة المرفأ، وثانيا بفعل تشتت قوى التغيير، وعدم اتفاقها على برنامج سياسي موحد، يجب ان يتم التعامل مع هذه العهد بحكم منتهي الصلاحية، نتيجة لسلوكه المتخبط وعدم ادراكه، بأن السياسة في معنى من معانيها: هي فن إدارة الشعوب لا قهرها وافقارها. 

السابق
بالأسماء: شدياق تكشف عن أسماء الأحزاب الرافضة لرفع الحصانات!
التالي
حرب تموز .. «التعادل السلبي» بين «حزب الله» وإسرائيل!