حرق لبنان والوقت الضائع حتى الانتخابات

اعتذار سعد الحريري عن تأليف الحكومة ليس مفاجئا لأي مراقب يتابع الوضع اللبناني. فالإفلاس السياسي والاقتصادي والأخلاقي فوق العفن الطائفي أكل ما تبقى من ذرة وطنية لدى الطبقة السياسية، التي تقتطع حصصها وأموالها فوق جثث اللبنانيين.

الحريري لم يعتذر لأنه حريص على المواطن اللبناني، بل كونه نتاج هذه الطبقة السياسية التي تتخاصم وتتقاتل اليوم فيما بينها مما أوصل لهذا الفشل في تأليف حكومة. الخلافات طبعا ليست حول اللبناني المتسول بين المستشفيات والصيدليات لإيجاد علاجه، وليست حول الطوابير خارج السفارات الأجنبية التي تطلب تأشيرة هرب من جهنم الظلام، بل هو حول الولاءات الخارجية والعقود التجارية وحماية من سرق المال العام.

سعد الحريري وميشال عون من فترة ليست ببعيدة كانا أقرب الأحباب وأعز الشركاء. لا بل كانوا يقولون في المجالس الخاصة أن أفضل ما حصل لهما هو هذا التحالف الذي أوصلهما لرأس السلطة، وأدر عليهما وعلى من في فلكهما الكثير من المال قبل أن ينهار في 2020. لذلك فإن المزايدات وتراشق الاتهامات بينهما قبل وبعد الاعتذار ما هي إلا عبارة عن نفاق سياسي وتضارب في مصالحهما الشخصية والطائفية وليس لإنقاذ السفينة الغارقة. 

اقرأ أيضاً: تمخّضت بعبدا و«أخواتها» فولدت إعتذار الحريري!

الطبقة السياسية في لبنان تتقاتل بعدما هشمت البلد ومن فيه. الحريق يمتد واعتذار الحريري سيزيد من لهيبه ويضع لبنان أمام ثلاث سيناريوهات اليوم: 

•    السيناريو الأول هو استمرار الفراغ الحكومي والانهيار الاقتصادي والنفاق والاقتتال الإعلامي بين الطبقة السياسية: هذا يعني المزيد من عدم الاستقرار بانتظار انفراج إقليمي أو داخلي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية العام المقبل. هذا السيناريو سيعمق الأزمة الانسانية والمالية إنما هو مرجح بسبب عجز الطبقة السياسية عن إنقاذ البلد.

•    السيناريو الثاني يكون بمعجزة دبلوماسية وداخلية تنتج حكومة إنقاذ تقوم بإصلاحات عاجلة وتحضر للانتخابات. الوصول لهذا الأمر يحتاج ضغطا خارجيا على شكل عقوبات على المعطلين والفاسدين، وجهود إقليمية لاستنباط توافق حول وفي بيروت. هكذا سيناريو يفتح باب المساعدات والقروض أمام لبنان إنما ما زال مستعصيا بسبب عدم وجود توافق إقليمي خصوصا بين السعودية وإيران حوله، وغرق الطبقة السياسية في الداخل في عملية تصفية الحسابات.

•    السيناريو الثالث يكون باستلام الجيش زمام السلطة وتأليف حكومة عسكرية تشرف على إدارة البلاد إلى حين الانتخابات البرلمانية في مايو المقبل والرئاسية في أكتوبر 2022. هكذا سيناريو مستبعد اليوم بسبب ضعف المؤسسة العسكرية والانقسامات حتى في داخلها. فضلا عن أن الجيش غير قادر على مواجهة حزب الله أو مجموعات مسلحة أخرى في لبنان في حال رفضت سلطته. 

السيناريو الأول وهو ما يعيشه لبنان اليوم قد يوصل إلى نزاعات داخلية وتقسيم غير معلن بين المناطق، وسيدخل لبنان في نفق مظلم قد يؤدي لتأجيل الانتخابات المقبلة. أما السيناريو الثاني فيحتاج إلى توافق غربي (أوروبي-أميركي) وإقليمي (السعودية وإيران) وغربي-إقليمي لإتمامه وهو لم ينضج اليوم. فإيران تحت رئيسي تتحدى واشنطن فيما الرياض لا تريد رهانات خاسرة في لبنان. كذلك داخليا، لن تقبل أسماء مثل نجيب الميقاتي بالعودة لرئاسة الحكومة من دون ضمانات بنجاح المرحلة التحضيرية للانتخابات.

بيروت مدينة الشرائع ينتابها اليوم كابوس الظلام ورائحة النيران والنفايات على الأرض وفي أروقتها السياسية. سيذكر التاريخ إجرام ونفاق الطبقة السياسية في لبنان وإدخالها أربعة ملايين مواطن في نفق سوداوي لا مخرج منه طالما هي في الحكم.

السابق
هكذا ساهم «حزب الله» في «تخلّي» الحريري عن تشكيل الحكومة
التالي
معركة النقيب تحتدم.. عارف ياسين لـ«جنوبية»: أدعو المهندسين إلى ترك زعمائهم!