علي الأمين في «المؤتمر الوطني اللبناني»: على الإنتفاضة الإنصراف الى انتاج قيادة بديلة!

علي الأمين مشاركاً في مؤتمر اللقاء الوطني
دعا رئيس تحرير موقع جنوبية الصحافي علي الأمين "الإنتفاضة الشعبية إنطلاقا من تجربتها الغنية والمتواضعة، ان تنصرف الى انتاج قيادة بديلة تهدف الى وضع برامج واضحة ومفصلة، تتجاوز الحديث عما تعارضه، لتحدد ما تنوي فعله لمواجهة الانهيار الحاصل على مختلف الصعد"، مفنداً "الإتجاهات والتشكلات التي حكمت حراك المجموعات الثورية داخل اتتفاضة 17 تشرين".

وقال الأمين في محاضرة القاها في اليوم الثاني على انعقاد المؤتمر الوطني اللبناني “The Convention Lb” والتي حضرها شخصيات لبنانية معروفة في العمل الوطني ومناضلين من انتفاضة 17 تشرين: “لم تكن لحظة إنتفاضة اللبنانيين “الثانية” في 17 تشرين 2019 في وجه السلطة الحاكمة والمتحكمة في لبنان حدثا عاديا،  بعد إنتفاضة الإستقلال الأولى إثر “الزلزال الجلل” العام 2005. فإنتفاضة تشرين، التي تستحق ان يُطلق عليها “المجيدة”، جاءت  تعبيرا عن انفجار اجتماعي وسياسي ضد امعان السلطة، في سياسة اضعاف الدولة وتهميشها لحساب مصالح حزبية وشخصية، وهو حال تفاقم الى حدّ استشعر فيه اللبنانيون على وجه العموم، تهديدا وجوديا لنظام المصالح الوطني، يتهدد وجود الدولة بل الكيان ايضا، جديا و داهما ووشيكا”.

اضاف اليوم الأحد: “خرج المواطنون، بل بالأحرى “تسربوا” من كل المناطق الى الشوارع والساحات، بحيث لم تبق منطقة لبنانية بمنأى عن حال الاعتراض ضد السلطة، بل حتى ان اركان السلطة اقروا بوجود الأزمة، لكنهم انبروا  كعادتهم، بدل ان يتحملوا المسؤولية، بدأوا بتقاذفها ككرة النار الملتهبة،  و حاول كل طرف احالة اسبابها على شريكه في السلطة، متفاديا الاقرار بكامل مسؤوليته، عما وصلت اليه المؤسسات في الدولة والاقتصاد والمال العام، وحتى الاموال الخاصة تلك التي اودعها اللبنانيون وسواهم في البنوك اللبنانية”.

بعض مناصري احزاب السلطة التحقوا بالثورة كتعبير عن اعتراض صريح وواضح عما آلت اليه الدولة واوضاعهم المتردية

وتابع: “هاج اللبنانيون وماجوا في الشارع، حتى بعض مناصري احزاب السلطة لم يتخلفوا عن الإلتحاق بهم عفوياً، فمناصري هذه الأحزاب كانوا يعبرون في خطوتهم هذه، عن اعتراض صريح وواضح، عما آلت اليه الدولة واوضاعهم المتردية على مختلف الصعد، وهو ما دفع بقيادات هذه الأحزاب الى التنبه، والعمل الحثيث لاستعادة مناصريهم الى “بيت الطاعة” بالترهيب والترغيب، وباحالة الانتفاضة امّا لمؤامرة خارجية ومقولة السفارات، او عبر استثارة عصب طائفي ومذهبي، من خلال ادراج ما يجري في سياق مؤامرة طائفية، عبّرت عنها بشكل فجّ بعض المجموعات المنظمة و”المسيّرة” في وسط بيروت، التي استهدفت التجمعات بهجوم مباشر، لا زالت صورته حاضرة في اذهان الجميع، من العصي الى شعار “شيعة شيعة شيعة””.

علي الأمين مشاركاً في مؤتمر اللقاء الوطني
علي الأمين مشاركاً في مؤتمر الوطني اللبناني

ولفت الأمين الى انه “في الموازاة، كان مشهد الانتفاضة الجامع في الساحات، و احتشاده بمواجهة السلطة وسياساتها، يعبر عن اجماع على رفض السلطة وسياساتها من جهة، وعن اقرار بوجود أزمة وطنية، تتطلب تغييرا شاملا او نوعياً في ادارة الدولة وسلطاتها، سواء بالدعوة الى انتخابات مبكرة او قيام حكومة من خارج الطقم الحاكم. غير ان السؤال الذي الحّ على كثيرين منذ بدايات الانتفاضة ولايزال حاضرا اليوم، هو كيف لم تحقق الانتفاضة التغيير المنشود، وان كانت اصابت في الوعي الوطني مكامن عدة ( مقابل سياسية كيّ الوعي الممنهجة)، التطور الذي من المتوقع ان يجعل من الجولات المقبلة، اكثر قدرة على وعي متطلبات التغيير وشروطه، وهذا ما يدفع الى محاولة رصد الاتجاهات، التي حكمت حراك المجموعات داخل الانتفاضة، ضد هذا الفريق في السلطة او ذاك القطاع او هذا المسؤول وتلك المنظمة، على رغم التوصيف الذي لا زال قائما وجامعا في تعبيرات المنتفضين لكل هؤلاء والمقصود “المنظومة””.

انتفاضة ١٧ تشرين كشفت بالوجه الشرعي والوطني حجم التفاعل اللبناني الواسع والكبير مع مطلب تغيير منظومة السلطة

ونوه الأمين بـ “انتفاضة ١٧ تشرين، التي كشفت، بالوجه الشرعي والوطني، حجم التفاعل اللبناني الواسع والكبير، مع مطلب تغيير منظومة السلطة، واظهرت ايضا تعدد الاتجاهات الطبيعي داخل جسم الانتفاضة، من دون التقليل ايضا من شأن الاختراقات التي نفذتها قوى “المنظومة”، عبر مجموعات وافراد، يلعبون دوراً محورياً في تقويض اي محاولة، لتحويل الانتفاضة من حركة اعتراض الى مشروع سلطة بديلة، تتبنى برنامجاً سياسياً واقتصادياً ومالياً يستجيب للتحديات القائمة”.

إقرأ أيضاً: عشية «المؤتمر الوطني اللبناني».. حمدان لـ«جنوبية»: قد تنبثق منه حركة سياسية واسعة!

 اضاف: “المواطنون الذين هبّوا الى الشارع منذ ١٧ تشرين، وبمعزل عن الاختراقات والهويات الملتبسة، ينقسمون الى عدة رؤى او اتجاهات وأهداف، يمكن تلخيصها على الشكل التالي: 

١_ اتجاه عام، رافق الأيام الأولى من الإنتفاضة، سجل حركة إعتراضية شعبية ذات خليط إجتماعي مذهبي و طائفي وحزبي و سياسي، شكلوا جميعا كتلة احتجاجية تنتفض على الواقع المقيت تاريخيا، وعلى مستويات مختلفة تتصل بالتوجس المزمن من تغيير وجه لبنان، على وقع أزمة إقتصادية ومعيشية متراكمة، قصمت شعرة  يوم 17 تشرين ظهر البعير.. وكان ما كان.  

٢- اتجاه يرى انه ليس مشروعا سياسيا، بل يرى العمل السياسي فيه من العيوب ما يستدعي تجنبه، وهو اتجاه يعتبر “البزنس” هو أولوية، و مكوّن من مئات الشخصيات والناشطين ورجال اعمال وتجار وغيرهم من الصناعيين والمزارعين، وهو تيار متضرر ورافض لهذه السلطة ومعترض على سياساتها، وجلّ هؤلاء كان يتبنى نظريا مقولة افصلوا الاقتصاد عن السياسة، هذه المقولة ادى اعتمادها وتبنيها في المنظومة الى نتائج كارثية على الاقتصاد والسياسة معا، واكتشف اصحاب هذا الاتجاه أن تجارتهم او صناعتهم او زراعاتهم، عرضة لسياسات تدميرية كقطاعات منتجة، وللتمييز غير المشروع على مستوى الاستيراد، فمن اليوميات اللبنانية العادية جدا، كرست سياسة الكيل بمكياليين على الصعد كافة، ففي عملية دخول البضائع الى البلد على سبيل المثال، هناك من يخضع للرسوم الجمركية، ومن يستطيع ان يتهرب منها بشكل فاضح بقوة المنظومة واطرافها، كذلك الحال مع المستثمرين والمتعهدين الذين فقدوا فرصا متساوية مع اقرانهم، ممن يتعهدهم اطراف المنظومة في العديد من المشاريع والمناقصات التي تقرر نتائجها قبل الاعلان عن اجرائها، كذلك التهريب عبر الحدود الذي تنامى و استفحل ولا يزال، وهو ما فاقم من الازمة الاقتصادية والمالية.

٣- اتجاه متمثل بقطاع واسع من منظمات المجتمع المدني، بقي اسير اهداف محددة ويتفادى الاهتمام بالتوسع السياسي، فعلى رغم اهتمامه بقضايا حيوية كحقوق النساء، او البيئة، او قضايا نبذ العنصرية والتمييز والعمل الاجتماعي وغيرها من العناوين، بدت هذه المنظمات او معظمها منهمكة بتحقيق اهدافها المحددة، والمحافظة على مريديها بما يغنيها عن الاهتمام بالتوسع السياسي.

٤- اتجاه نظر الى الأزمة باعتبارها ازمة مالية اقتصادية ونظام طائفي تختصرها “الحريرية السياسية” وقطاع المصارف وحاكم مصرف لبنان، وان سقوط هؤلاء كفيل بقيام سلطة بديلة، وهذا الاتجاه سياسي لا يجد في سلاح حزب الله عائقا، أمام تحقيق اهدافه في قيام الدولة والخروج من الأزمة، كما لا يرى في حزب الله وبعض حلفائه، اطرافا مدرجة ضمن القوى المسؤولة عن الانهيار، ويمكن التحالف معها ضمن مشروع سلطة بديلة.

٥- اتجاه سياسي عكسته مواقف بعض الشخصيات والاحزاب والمجموعات داخل الانتفاضة، اعتبرت ان الأزمة تتركز في ما تسميه الاحتلال الايراني، ورأت ان السيادة تتحقق بعد الخلاص من الاحتلال، واعتبرت ان في سبيل ذلك يمكن استعادة تجربة تحالف ١٤ اذار، متجاوزة بذلك معيار الفساد الذي جعل من هذه القوى التي انخرطت في السلطة منذ العام ٢٠٠٥، تتخلى اليوم عن معركة السيادة، وقطعت اشواطا في العلاقة العميقة مع حزب الله، علما ان هذا الاتجاه لايزال يهمل ما احدثته الانتفاضة في الوعي الوطني، ولا يزال يرى الحل بتسوية طائفية، من الواضح ان الفيتو الشيعي او الاستعصاء الشيعي عائق موضوعي، فضلا عن الوضعية الجديدة لأركان ١٤ اذار، ومخاطر تحييد ملفات الفساد الكفيلة عمليا بتحييد مطلب تحقيق السيادة.

٦_ اتجاه سياسي يعتبر ان الأزمة لا يمكن ان تختصر بالفساد او بالمسألة السيادية، باعتبار ان التجربة اثبتت ان العلاقة جدلية في لبنان بين الفساد ومصادرة السيادة، وهذا ما عرفه لبنان في حقبة الوصاية السورية وفي مرحلة الوصاية الايرانية التي تعبر عنها دويلة حزب الله، الايغال في الفساد كان شرطا لمزيد من اضعاف الدولة وسيطرة الدويلة. وبالتالي فان معركة استنقاذ لبنان من الانهيار والتلاشي، تتطلب في نظر هذا الاتجاه وعيا للعلاقة الجدلية بين الفساد ومصادرة سيادة الدولة، وبالتالي السعي الى مقاربة الحلول البديلة انطلاقا من خوض مواجهة مع المنظومة، التي يصطف في داخلها الطرفان في تحالف حقيقي ومتماسك لا ينفصم”.

وخلص الأمين الى ان “هذه الاتجاهات التي تشكل رسميا بيانا عاما لمسير الإنتفاضة وناسها، و مروحة شبه كاملة لمجموعات انتفاضة ١٧ تشرين، والتي لا يمكن ان تشكل جسما واحدا، او لا يُتوقع ان يحدث مثل هذا الأمر في المدى المنظور، لكن ذلك لا يعفي المؤمنين بانتفاضة ١٧ تشرين، من عدم الإكتفاء بعدالة قضيتهم، بل لا بد من الانهماك اكثر، في بلورة الحلول للأزمة المتشعبة”. 

لا بد للإنتفاضة الإنصراف الى انتاج قيادة بديلةوتتجاوز الحديث عما تعارضه لتحدد ما تنوي فعله لمواجهة الانهيار

اضاف: “لا بد للإنتفاضة إنطلاقا من تجربتها الغنية والمتواضعة، ان تنصرف أيضا الى انتاج قيادة بديلة تهدف الى وضع برامج واضحة ومفصلة، تتجاوز الحديث عما تعارضه، لتحدد ما تنوي فعله لمواجهة الانهيار الحاصل على مختلف الصعد. ومن المفيد عدم رهان القيادة المفترضة على الانتخابات النيابية، باعتبارها المفصل في المواجهة مع السلطة، لأن الانتخابات لا يمكن ان تكون عادلة وشفافة ونزيهة في ظل هذه المنظومة. ولعله من المفيد ان تردم القيادة واركانها الهوة بينها وبين الناس، كي يكونوا علُة تماس شخصي وانساني مع المجموعات الشعبية، وجعلها تؤمن بهم كأفراد وأفكار وتطلعات،  عبر اقامة علاقات مباشرة مع المواطنين والتنقل بين مختلف المناطق اللبنانية، لخلق صلات مباشرة مع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم وامزجتهم، و إقناعهم بأنه بمقدورهم تنظيم الحلول العملية للأزمة.. والإ لن تتمكن من اجتذاب المواطنين وحشدهم وتشكيل قوة ضغط شعبي تحت إشراف قيادة الإنتفاضة المرجوة”.

وتابع: “ليس بعيدا من ذلك، من المهم التركيز على سياسة المظلة الكبيرة التي تستوعب الجميع، اذ يتعين على مجموعات الانتفاضة ان تدرك ان نظام مصالحها السياسية والتنظيمية لا يمكن ان يصان من خارج الانضواء في اطار اوسع، يوفر المزيد من الدعم المجتمعي بدل ان تبقى صغيرة تتمتع بالاستقلالية لكن بلا نفوذ”.

وختم: “الفرصة قد تبدو مؤاتية وسانحة أكثر من أي يوم مضى بعد “ان بلغ السيل الزبى”، لتحرك يؤتي ثماره الوطنية والتغيرية، والإستفادة من دروس الماضي والحاضر، تُعبد الطريق نحو مستقبل واعد لبلد يُبنى على سواعد كل أبنائه”. 

السابق
نُذر حل أم مماطلة.. الأمم المتحدة تخطط لمؤتمر دولي من أجل سوريا
التالي
موقع قريب من وهاب «يلوح» بإستقالة إبراهيم وعزل بري!