«اللقاء الدرزي» في خلدة اليوم..لا صوت يعلو على «شَبَح الانهيار»!

يُعقَد اليوم، اجتماع بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي الأمير طلال إرسلان ورئيس حزب التوحيد الوزير السابق وئام وهاب.

ويأتي «اللقاء الدرزي» في منزل إرسلان في خلدة، في الذكرى السنوية الثانية لحادثة قبرشمون، التي ذهب ضحيتها إثنان من مناصري إرسلان، ما زالت صورهما مرفوعةً في مناطق نفوذه تحت شعار «أن دماءهما لن تذهب هدراً».

هي الحادثة التي كادت تشعل فتنةً في الجبل، ووقعتْ أثناء زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى منطقة عاليه، وأعقبها توترٌ أمني وسياسي كبير، وأشعلتْ خلافاً درزياً – مسيحياً إنتهى بزيارة جنبلاط إلى قصر بيت الدين للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وخلافاً درزياً – درزياً إنتهى بفعل إتصالات داخلية لـ «وأد الفتنة». لكن الخلاف الدرزي المتشابك إقليمياً وداخلياً ظل يتفاعل، من دون ترجمته على الأرض.

منذ الحادثة وقبْلها، يتخذ «الإشتباك» الدرزي الداخلي، أوجهاً حادة أحياناً، كحادثة الشويفات التي ذهب ضحيتها أحد مناصري الحزب الإشتراكي على يد مناصر لإرسلان ما زال هارباً، وأحياناً أخرى طابعاً سياسياً حاداً يتفاقم بفعل تموْضع الطرفين في إتجاهيْن سياسييْن متناقضين في لبنان، كما في المنطقة.

منذ الموقع الكبير الذي إكتسبه جنبلاط في المعادلة التي رستْ بعد العام 2005 في وجه سورية ومن ثم «حزب الله» إفترقت الزعامتان الدرزيتان الجنبلاطية والإرسلانية على وقع شرخٍ كبيرٍ إنحاز فيه إرسلان إلى قوى «8 آذار». وشكلت 7 مايو 2008 (العملية العسكرية لحزب الله في بيروت ومحاولة إقتحام الجبل) قبل إتفاق الدوحة منعطفاً أساسياً لجهة إحداث تغيّر جنبلاطي في إتجاه التسويات الداخلية مع «حزب الله» لـ «تنظيم الخلاف» ومن ثم بعدم ممانعته التسوية الرئاسية التي أتت بالجنرال ميشال عون إلى قصر بعبدا (أكتوبر 2016).

لكن هذه التسوية لم تسحب التوترَ بين جنبلاط وبين عون وحزبه «التيار الوطني الحر»، ولا قرّبتْ المسافةَ السياسيةَ بين زعيم «الإشتراكي» وإرسلان، الأقرب إلى عون وعهده، الأمر الذي كان يتكرّس مع كل تشكيلِ حكومةٍ أو مع الإنتخابات النيابية التي جرت في 2018.

التنافس الجنبلاطي – الإرسلاني تقليدي لكنه واقعياً كان يرجّح الكفةَ لجنبلاط كزعامةٍ أكبر وأكثر إمتداداً عربياً ودولياً

تاريخياً، التنافس الجنبلاطي – الإرسلاني تقليدي، لكنه واقعياً كان يرجّح الكفةَ لجنبلاط كزعامةٍ أكبر وأكثر إمتداداً عربياً ودولياً، وفي المعادلة الداخلية التي جعلتْ منه شريكَ تسوياتٍ أساسية مع الرئيس نبيه بري والرئيس الراحل رفيق الحريري ومن ثم نجله الرئيس سعد الحريري.

وفي العاميْن الأخيريْن إتخذ الصراع طابعاً أكثر حدة سياسياً، وخصوصاً في ضوء توتر علاقة جنبلاط بالعهد، وعلاقة ارسلان الجيّدة به، فضلاً عما تركتْه الحرب السورية من تأثيرات على الداخل الدرزي، في ضوء الواقع الدرزي في سورية بين مُوالين للرئيس بشار الأسد ومعارضين له.

فالإمتداد الدرزي بين لبنان وسورية طبيعي نتيجة العلاقات السياسية والبشرية ووحدة الحال التاريخية والدينية. لكن إنعكاسات الحرب السورية وموقف جنبلاط المعارض بشدة لنظام الأسد ظهرت واضحةً في أوجه الخلاف الدرزي الداخلي.

وإذا كانت تاريخيةُ العلاقة الجنبلاطية – الإرسلانية في صلب أي ترتيبٍ للأوضاع بين الطرفين، فيجب عدم تجاهل دخول طرف ثالث على الخط الدرزي الداخلي بنى موقعه طوال الأعوام الماضية. وقد يكون من المرات النادرة جداً وجود تيار درزي ثالث إلى جانب القوتين الرئيسيتين. فتشكيلُ الوزير السابق وئام وهاب حزب التوحيد العربي، لم يكن لينبىء أنه سيحوّله خطاً ثابتاً يجعل الطرفين يتعاملان معه على قاعدة الشريك الداخلي المؤثّر.

الصحافي، الذي كان مع جنبلاط وتَحالَفَ مع إرسلان وبنى شبكة علاقاتٍ سورية جعلتْه لصيقاً بدمشق وعلاقاتٍ وطيدةً مع «حزب الله»، إضافة إلى إنفتاحه أخيراً على دولٍ عربية، إنتقلَ إلى السياسة وعمل في الخطوط الخلفية الدرزية وحجز شعبيةً وحضوراً وموقعاً لا يشبه موقع رجال الأعمال أو الشخصيات الدرزية السياسية الوزارية والنيابية التي تستمدّ شرعيتها من البيت الجنبلاطي أو الأرسلاني. وأسس تدريجاً لوجود حزبي وسياسي خارج المنظومتين.

لقاء خلدة: أَقْرب الى تسوية «خلافات» وأَبْعد من «تَفاهُم» على الخيارات

من هنا يأخذ الإجتماع غداً أبعاداً مختلفة كونه الأول في ظل إنهيار الوضع الداخلي بهذا الحجم والأفق المسدود إقتصادياً وسياسياً، ولو أنه جرى التمهيدُ له بلقاءاتٍ ثنائية وإتصالات جعلت من المحتّم عقده. علماً أن جنبلاط وإرسلان كانا عقدا لقاء مصالحة برعاية الرئيس نبيه بري في عين التينة قبل عام تحديداً، كذلك التقى إرسلان وجنبلاط في مارس الماضي، والتقى جنبلاط ووهاب الأسبوع الماضي، في حين التقى إرسلان ووهاب مرات عدة.

يهدف الإجتماع إلى ترتيب البيت الدرزي السياسي على مستويات عدة، سياسية ودينية، وإقتصادية. ففي ظل رغبة مشتركة بمعاينة أوضاع الدروز في مرحلة إقتصادية حرجة، يصبح هذا العنوان أحد أبرز المواضيع التي إستدعت الإعدادَ للإجتماع. وكلام جنبلاط الأخير أمام مجموعة من رجال الدين، وغيرها من اللقاءات التي عقدها، يُعَبِّرُ عن قلقه من الأيام السود المقبلة، ومن الوضع الإقتصادي الذي طاول الدروز في الجبل. وهو حرص منذ أن بدأت الأزمة الإقتصادية، وقبلها «كورونا» على الإعداد لأرضية تؤمن الإستمرارية إن عبر المواد الأساسية أو المحروقات أو تأمين البنية التحتية لمنْع تأثيرات الجائحة على الإنهيار في شكل مباشر. وخصوصاً أن الجبل في حالته الراهنة أقرب إلى العزلة الداخلية، نتيجة إستمرار اللعب على تداعيات حرب الجبل، ومن ثم الأحداث المتتالية والصعوبات الإقتصادية التي جعلت من المتعذر قيام حركة إقتصادية كبيرة.

ويعيش المجتمع الدرزي الهجرة نفسها التي تعيشها الفئات اللبنانية الأخرى، وهو أيضاً مثلها يستفيد حالياً من المساعدات التي يؤمنها المغتربون لتمكين عائلاتهم من الصمود عبر قيام خلايا أزمة في القرى والبلدات. ومع إشتداد الأزمة هناك قلق حقيقي من الإنعكاس المتمادي على فئة من المجتمع تنهار بيئاتها الإقتصادية التقليدية، الأمر الذي يترك مجالات الفتنة تجد طريقها إليه. وهذا صلب القلق.

أما على المستوى السياسي الداخلي والديني، فإن معالجة الخلافات الداخلية تسبق موسم الإنتخابات النيابية، ليس بمعنى قيام تحالفات بين ثلاثة أطراف، كل واحد منهم يحجز مكانه سلفاً في الإتجاه السياسي، إنما لتخفيف التشنجات وربْط النزاع في مرحلة ستشهد كباشاً سياسياً، وخصوصاً في منطقةٍ تعمل فيها أحزاب أخرى تستعد لحضور إنتخابي قد يسبّب حساسيات، كـ «المستقبل» و«القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر». علماً أنه جرت العادة أن يحجز الفريق الجنبلاطي مكاناً لخصمه الإرسلاني في المعادلة الداخلية كي لا يختلّ الميزان.

إقرأ أيضاً: «حزب الله» يَضطهد عمال بلديات جنوباً..وجنون الأسعار يُسابق الفلتان بقاعاً!

لكن الظروف اليوم مختلفة. وبعد سقوط وهاب في الإنتخابات النيابية الأخيرة والتي إعتبر فيها أنه أُسقط عمداً من «حزب الله»، قد تكون الحاجةُ أكبر إلى توزيع الأدوار مجدداً.

النقطة الأكثر ضرورة هي تثبيت الأمن في الجبل في ظل أوضاع إقتصادية وسياسية قد تجعل منه ساحة إستغلالٍ

والنقطة الأكثر ضرورة هي تثبيت الأمن في الجبل، في ظل أوضاع إقتصادية وسياسية قد تجعل منه ساحة إستغلالٍ لأي عامل خارجي، يساهم في توتير الأجواء. وكان جنبلاط واضحاً أخيراً في تذكير مناصريه بأن طرق الجبل والشام والجنوب لجميع اللبنانيين وليست محصورة بطرف.

تبقى نقطة داخلية بحت تتعلق بإحتمال معاودة توحيد مشيخة عقل الطائفة الدرزية. علماً أنه في مراحل سابقة كانت المشيخة موزَّعةً بين شيخيْ عقل للجنبلاطيين والإرسلانيين، قبل أن يصار لتوحيد إنتخاب شيخ عقل يمثّل الطرفين، ليعود الإنقسام بين المختارة وخلدة وإنتخاب شيخيْ عقل، إضافة إلى تذليل خلافات حول تعيين أعضاء مجالس ومؤسسات درزية روحية.

السابق
نصرالله «يُعوّم» بري و«يُحجّم» باسيل..و«توعد» غربي لفَسدة لبنان!
التالي
اللبنانيون يُبدّلون نمط حياتهم بسبب انهيار قيمة الليرة!