حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الانتخابات الايرانية على وقع «الانتفاضة الاصلاحية»!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

الانتفاضة السياسية التي شهدتها الساحة الايرانية، منذ اعلان مجلس صيانة الدستور اسماء المرشحين الذين يحق لهم الاستمرار في الانتخابات الرئاسية، نتيجة التصفية الواسعة التي طالت الكثير من الاسماء البارزة واخرجتها من السباق الرئاسي، تكشف مستوى عاليا من القلق السياسي لدى الطبقة السياسية والقاعدة الشعبية، حول اهمية وضرورة التخلي عن الاتجاه الداعي الى مقاطعة الانتخابات، والعودة الى التأكيد على مبدأ المشاركة الفاعلة والواسعة، كمدخل للتغيير ومنع النظام او الدولة العميقة من فرض ارادتها، على توجهات الدولة والمجتمع وتحويل الجمهورية الى خلافة. 

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «ولاية الفقيه» تبحث عن «الخليفة المنتظر»!


وما بين النجاح في قطع الطريق على رغبات ونوايا التيار المحافظ، في تحميل ما يريده سياسيا على المجتمع الايراني ومن فرض مرشحه كخيار لا بديل عنه في رئاسة الجمهورية، وبين ايصال رسالة قوية وواضحة بان شريحة كبيرة من الايرانيين، لم ولن تقبل بالتخلي عما تريده وتدافع عنه، وارادتها في ان يكون لها تمثيل سياسي نابع من ارادتها الحقيقية بعيدا عن التعليب، بين هذين البعدين، تحولت الانتخابات الرئاسية في الاسبوع الاخير ليوم الاقتراع والمرحلة التي ستليها، الى تعبير عن حرب ارادات واضحة، وبالتالي تعميق الانقسام العامودي السياسي والاجتماعي، وفرز واضح بين توجهين متعارضين ومتقابلين، يختلفان على ماهية وطبيعة النظام الذي يرغب كل طرف بان يكون معبرا عن المجتمع الايراني، اصلاحي يسعى لتمسك وتفعيل البعد الجمهوري والدور الشعبي، في تقرير مصير العملية السياسية وتوجهات الدولة، وبعد يسعى لتغليب البعد الديني وافراغ الاليات الديمقراطية، التي يضمنها البعد الجمهوري للنظام من محتواها ودورها لتكون فقط اداة تعبير عن ارادة الدولة العميقة، من دون ان يكون لها اي تأثير على خيارات هذه الدولة، بحيث تتحول عملية الاقتراع الى مجرد اداة، لكشف عن الشخصية التي يريدها النظام في مركز القرار، وليس اداة انتخاب له تجعله معبرا عن ارادة شعبية اوصلته الى موقع القرار. 

تحولت الانتخابات الرئاسية في الاسبوع الاخير ليوم الاقتراع والمرحلة التي ستليها الى تعبير عن حرب ارادات واضحة


الأفضلية لإبراهيم رئيسي وتوقعات بنسبة مشاركة متدنية

استبعاد او محاولة اخراج  القوى والاحزاب الاصلاحية من السباق الرئاسي، الذي جاء تعبيرا واضحا عن ارادة تيار الدولة العميقة، خصوصا بعد الكلام الذي كشف عنه وزير الامن الاسبق حيدر مصلحي في حكومة محمود احمدي نجاد، والدور الذي لعبه وقام به لاخراج الشيخ هاشمي رفسنجاني من السباق الرئاسي عام 2013، بذريعة الخوف من حجم التأييد الشعبي والاصوات التي قد يحصل عليها، والتي قد تتجاوز مستوى 90 في المئة، وان مصلحة النظام فرضت رفض ترشحه بذريعة تقدمه بالسن. هذا المسار الذي لجأت اليه الدولة العميقة ومحاولتها فرض تمثيل القوى الاصلاحية الذي تريده، بحيث لا يشكل في اعتقادها خطرا على المرشح المنوي ايصاله الى الرئاسة، هذا المسار دفع بقيادات واحزاب التيار الاصلاحي الى حسم موقفها في الساعات الاخيرة قبل دخول ايران في يوم الصمت الانتخابي، واعلنت قرارا واضحا بدعم ترشيح رئيس البنك المركزي السابق عبدالناصر همتي، وذلك بالتزامن مع اعلان المرشح الاصلاحي الاخر محسن مهرعليزاده انسحابه، ما سهل على هذه الاحزاب والقيادات الوقوف خلف مرشح اجماع، فرض عليها في مواجهة مرشح اجماع التيار المحافظ. 

هذا المسار دفع بقيادات واحزاب التيار الاصلاحي الى حسم موقفها في الساعات الاخيرة واعلنت عدم ترشيح رئيس البنك المركزي


هذه الانتفاضة الاصلاحية دفعت التيار المحافظ للضغط على مرشحيه لحسم جدل الانسحاب والاستمرار، انتهى الى اعلان سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني انسحابهما من السباق لصالح رئيسي. فضلا عن تقديم عروض سياسية وحصص في الحكومة الجديدة، مقابل انسحابهم من السباق وفتح الطريق امام وصول رئيسي الى رئاسة السلطة التنفيذية. ما شكل تعبيرا واضحا عن ارتفاع مسنوب القلق لدى هذا التيار، من امكانية ان تنتقل الانتخابات الى ثنائية اصلاحية- محافظة قد تؤجل عملية حسم النتائج من الدورة الاولى وتدخل الانتخابات في دائرة لا يرغب فيها، وقد عزز هذا القلق دخول القيادات الاصلاحية، خصوصا الرئيس الاسبق محمد خاتمي على خط دعم المرشح همتي مباشرة، عبر دعوته الايرانيين “ليهموا” في الذهاب الى صناديق الاقتراع والتصويت من اجل استمرار “الجمهورية”، والتي حملت اشارة واضحة بالدعوة للتصويت لصالح همتي، وذلك بعد رسالة سابقة لها شابها الكثير من غموض الموقف. في وقت عاد حفيد المؤسس حسن الخميني للدعوة للتصويت من اجل الحفاظ على الجمهورية التي تعتبر اساس نظام الحكم، بينما اعاد مهدي كروبي من مكان اقامته الجبرية، التأكيد على دعمه لترشح همتي وكاشفا انه سيقترع له. 

الانتفاضة الاصلاحية دفعت التيار المحافظ للضغط على مرشحيه وانتهى الى اعلان سعيد جليلي وعلي رضا زاكاني انسحابهما من السباق لصالح رئيسي


وقد زاد منسوب التحدي امام التيار المحافظ، مع الكشف عن مفاوضات تجري بين المرشح همتي ووزير الخارجية في حكومة روحاني محمد جواد ظريف، لتشكيل فريق حكومي في حال فاز همتي في الانتخابات، ويبدو ان البحث بين الشخصين يدور حول عرض مهم، اما بتولي ظريف مسؤولية نائب رئيس الجمهورية الاول، او الاستمرار في موقعه على رأس الدبلوماسية الايرانية في وزارة الخارجية، ويبدو ان ظريف قد وافق على عرض همتي في المبدأ، واما مسألة الموقع الذي سيشغله فقد تتأكد في المرحلة التالية ما بعد ظهر يوم السبت المقبل، الذي حددته وزارة الداخلية للاعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية. 

إقبال ضعيف على صناديق الاقتراع في إيران


وعلى الرغم من الاجواء التي يشيعها التيار المحافظ، عن تقدم رئيسي في جميع استطلاعات الرأي، وان نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات ستتجاوز مستوى 60 في المئة لصالح رئيسي، جاء تأكيد المرشد الاعلى للنظام في خطابه الاخير، قبل دخول ايران في الصمت الانتخابي، على ضرورة المشاركة الشعبية الواسعة في الاقتراع، دعوة المقترعين لاختيار الشخصية التي تكون قادرة على حل ازماتهم، معتبرا ان المقاطعة الانتخابات لا تحل اي مشكلة، بالاضافة الى ان المشاركة هي التي تقرر مصير البلاد،  ذات بعد وطني على غرار التشييع الذي حصل للجنرال سليماني بعد اغتياله، الذي شارك في جميع الايرانيين من جميع الاتجاهات، معترفا بان الانتقادات الشعبية والشكاوى محقة، الا ان استنتاجاتهم غير صحيحة، لذا يجب على الجميع المشاركة في الانتخابات. احد اوجه التعبير عن التحديات التي يواجهها النظام، ان كان على مستوى المشاركة الشعبية والتأثير الايجابي او السلبي على شرعية النظام امام المجتمع الدولي، وان كان على مستوى القلق من امكانية حدوث مفاجأت، قد تأتي من الفورة الاصلاحية بدعم همتي الذي تحول الى عنوان لتحدي ارادة النظام، والاقتراع له بمثابة اقتراع بالسلب لمرشح النظام، بغض النظر عن الجدل الداخلي الاصلاحي عن شرعية تمثيله للقوى الاصلاحية من عدمها، لان شرعيته الانتخابية هذه المرة تأتي من كونه او من تحويله منافسا حقيقيا لمرشح النظام. 

السابق
تغريدة لافتة.. هل مهّد الحريري للاعتذار عن التأليف؟
التالي
«هزُلتْ».. الحد الأدنى للأجور يساوي 3 تنكات بنزين!