تحية حبّ لروح جورج حاوي

محمد علي مقلد

قتلوك قبل أن تموت، قتلتك الثورة الفلسطينية حين أصرّت على جعلك أداة ضد سوريا ورفضت. قتلتك سوريا حين أصرت على جعلك مطية لمشروعها ضد الفلسطينيين ولم تمتثل.

قتلتك الحركة القومية التي أمضيت عمرك في الترحال في ساحاتها دفاعاً عن مجدها وعزة العرب، لكن أصحابها خذلوك بقصر النظر وقلة الحيلة وقوة المكائد، وكنت لا تنتبه أبداً إلى أنك في أمة تداركها الله، لا صالح عاش فيها بكرامة ولا ثمود تأبدت.

قتلتك الحركة الوطنية اللبنانية حين تخلوا عنك عند أول منعطف، وراحوا يبحثون عند سيد الغابة عن فتات في نعيم السلطة. قتلتك المقاومة التي أنت صانعها حين منعوك باسمها من أن تقاوم. فتحت أمامهم باباً لتنجيهم من مذلة الهزيمة فأوصدوه في وجهك وحدك، وشرعوه أبواباً أمام دلالي الخطابات القومية. كانت المقاومة على يديك تشير إلى المستقبل فصارت ورقة على طاولة التسويات وسمسرات النفوذ.

نسجت مع الزعيم كمال جنبلاط وبقيادته برنامجاً فسرقوه منكم ومسخوه، ورسمت على الأفق علامة النصر فسدوا الأفق كله ليمحوا علامة النصر. هكذا أحرقوا غابة أحلامك ليشعلوا سيكارة الاستبداد.

قتلتك إمارات الطوائف ودولة المحاصصات لأنك كنت بأحلامك الأممية تفضح صغائر همومهم وضيق زواريبهم، ولأنك كنت توسّع المدى أمام الوطن المحتمل، وكانوا يضيّقونه على مقاس الدويلات والمزارع وولايات السلطنة.

قتلتك الحركة الشيوعية منذ أن تفتق قتل الرأي الآخر لديها عن اتهامك بالعمالة للإمبريالية، والحركة الشيوعية العربية التي ينعيك بعضها اليوم بصفتك رفيقاً سابقاً! فتباً لشيوعية يتحدد الانتماء إليها بقرار وختم وسلطة.

قتلك حزبك حين انحنيت أمام المجدّفين من معارضيك. انحنيت لأنك أم الصبي. أنت الذي لم تنسحب من تحد ولا هالتك أهوال ولا أرعبتك مواقف، انسحبت من مواجهة أولادك ومضيت على خطى جبران وقلت، أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة. تركتهم وشأنهم. تركتنا وشأننا فقتلتنا وقتلت نفسك قبل أن يقتلوك. هذا ذنبك الأكبر.

ذنبك أنك لم تصدق نفسك بل صدقت من خذلوك. كنت تسبح ضد التيار وكنت وحدك. أمة بكاملها تآمرت على القضية، وأنت رفعت الكوفية الفلسطينية علماً للعروبة، وحملت صليب المحبة بين الإخوة الأعداء. كانوا يهابونك ويحترمونك لكنهم لم يحبوك. كنت تقابل رصاصهم بوردة الإخلاص ومكائدهم بشرف الخصومة وشرف الصداقة.

رسمت صورة للقيادة لم يستطيعوا أن يقتدوا بها، وقدمت نموذجاً للأمين العام لم يتمكنوا من استنساخه أو تقليده، أو أنهم تضاءل همهم وصغرت عزائمهم ولم يقرأوا قول المتنبي، على قدر أهل العزم تأتي العزائم. في ظل أزمة الحزب صارت تكتيكاتك مثيرة للجدل التافه، أما في عزه فهي التي صنعت عزه.

من موقع حرصك على الحزب، بذلت ما تملك وما لا تملك من أجل القضية الفلسطينية، كنت تفعل ذلك وأنت تقارع أي نهج خاطئ يتبناه أبو عمار. خاطبته بقائدي ومعلمي وهو الذي اقترف مع الأصولية المحلية مجزرة طرابلس. رفعت شعار عزل الكتائب ثم كنت أول من زار جعجع في بيته في غدراس. وأوقفت، باللغة التي فهموها، حملات العنف التي مارستها الوصاية والأصولية ضد الحزب، ثم دعوت إلى وحدة المقاومين. هذه ليست نطنطة، إنها فن قراءة التناقضات وفن إدارتها.

حين استشهد مهدي عامل، ختمت رثائيتي الوجدانية فيه بهذا الكلام “وإذا كنا يا حسن قد فقدنا بغيابك بعضاً من نكهة الصبر وشهية العناد، فلأن الكورس قد شرد عن اللحن، ولأن أفراد الجوقة القيادية تاهوا في ركام من عزف منفرد. وتبقى أنت الأغنية وتبقى أنت النشيد”. فجاءني من القيادة ثناء على الرثائية ولوم على صرختي ضد العزف المنفرد.

حين استشهدت أنت صارت القيادة تدق على تنك السياسة وتبيع مجد الحزب في سوق الخرضوات.

السابق
رسالة صادمة الى القادة اللبنانيين.. بوريل يلوح بالعقوبات من بعبدا!
التالي
شريعتي ابرز مفكري النهضة والثورة.. بين العمر القصير والتأثير الطويل