يوميات لبناني في زمن الازمة..ألبسة مستعملة و«تقنين» في اللحوم والأجبان والحلويات!

الالبسة المستعملة
منذ بداية الازمة الاقتصادية تزداد يوميات اللبنانيين سوءا، ما اضطرهم الى إحداث تغييرات كثيرة في نوعية مأكلهم وملبسهم والخدمات الاساسية التي يحتاجونها.

حسن نعمة مواطن لبناني يمثل الطبقة التي كانت تتمتع بالقدرة على تأمين عيش لائق لأولادها سواء في المأكل والملبس أو التعليم في جامعات خاصة، لكن الأزمة الاقتصادية بدلت الاحوال ولم يعد حسن( الذي يعمل في بيع قطع السيارات الجديدة) قادرا على تأمين مستلزمات عائلته فتحول إلى تجارة الالبسة المستعملة (البالة) و إنتهج سياسة “شد الاحزمة” حتى في أبسط تفاصيل حياته، وهذه هي قصته.

ويفتح حسن نعمة (60 عاما) متجره لبيع الالبسة المستعملة (البالة) في سوق الجمّال الشعبي من الساعة التاسعة صباحا وحتى السادسة مساء، ويهيىء نفسه لمفاصلة النساء له على الاسعار ، التي لم يستطع الاعتياد عليها رغم محاولاته المتكررة، آملا أن تكون “غلة البيع” جيدة كي يتمكن من دفع إيجار المحل، والحفاظ على رأس ماله وتأمين مصروف بيته الشهري.

ويروي لـ”جنوبية” أنه “منذ بدء الازمة الاقتصادية، ومع فترات الاقفال المتكرر بسبب فيروس كورونا، وبسبب تراجع القدرة الشرائية للناس، بات طموحه أن يبيع ب500 ألف ليرة في اليوم أي أقل من 50 دولارا على سعر السوق السوداء، في حين أنه قبل الإنتقال لتجارة البالة كان يعمل في تجارة قطع السيارات الجديدة، وكانت حصيلة مبيعاته اليومية بالتعاون مع شريكه تصل إلى 5000 آلاف دولار.

الازمات التي اصابت سكان الضاحية متلاحقة بدءاً من العام 2013 في ظل التفجيرات الانتحارية وزادت مع استفحال”
كورونا”

ويلفت إلى أن “بداية التراجع في وضعه المعيشي بدأ منذ العام 2013 أي في فترة التفجيرات التي طالت الضاحية الجنوبية، وكون متجره الاول (بيع قطع لسيارات) مع شريكه كان في منطقة المعمورة، فإن الزبائن الذين كانوا يقصدونه من بيروت والمناطق المحيطة بالضاحية توقفوا عن المجيء خوفا على أرواحهم، فتراجعت مداخيل المتجر خصوصا مع تراجع مداخيل الناس الذين باتوا يفضلون شراء القطع المستعملة لسياراتهم، وبعد نحو3 سنوات من المعاناة ومحاولات تنشيط المصلحة عبر خدمة الديليفري قرر حسن الانفصال والتوجه إلى تجارة أخرى أكثر رواجا وإقبالا من الناس.

إقرأ ايضاً: الدولار « يطير» بجناحيه المغترب..و«حزب الله» المقيم!

يقول أنه قام بجولة على أكثر من بلد أوروبي في محاولة لفتح متجر لبيع قطع السيارات هناك، لكن المعطيات لم تكن مشجعة، عندها نصحه أحد أصدقائه (الذين يعملون بتجارة الالبسة المستعملة في أوروبا) بالعودة إلى لبنان وفتح محل لبيع الالبسة المستعملة في أحد الاسواق الشعبية و تعهد بإرسال البضائع له كونه لديه خبرة فيها، فإقتنع بالفكرة كون لا مفر من ذلك .

يشير حسن إلى أنه إستأجر محلا في سوق الجمال في منطقة الشياح بمليون ونصف ليرة منذ حزيران  2019، ولسوء الحظ بدأ الانهيار المالي في تشرين الاول من العام نفسه، وحجزت أمواله في المصرف كباقي اللبنانيين، عندها كان لا بد من “شد الاحزمة على كافة الصعد” فطلب من زوجته مساعدته في المحل والاستغناء عن موظفة توفيرا لراتبها.

وقرر أيضا الاستغناء عن العاملة المنزلية التي كانت تساعدهم في المنزل بسبب إرتفاع سعر الدولار وطلب من بناته الثلاثة التعاون في الأعمال المنزلية، كما إتفق مع إبنه الذي يدرس في إحدى الجامعات الخاصة أن يتوقف عن الدراسة في فصل الصيف، والاكتفاء بفصلي الخريف والربيع لأنه لا يستطيع دفع قسطه الجامعي كاملا، ومع إجراءات “كورونا” و الاقفال المتكرر للبلد وجنون الاسعار من دون أي مدخول لعدة أشهر، قرر لأول مرة في حياته أن يقبل مساهمة إبنتيه(اللتين إستمرتا في العمل)  في مصروف المنزل وفي دفع جزء من القسط الجامعي لأخيهم.

يقول حسن “سنة بعد سنة تزداد يومياتنا سوءا، وصرت أحسب حسابا لتغيير زيت ومكابح سيارتي، ولم أعد أزور ضيعتي أسبوعيا كما كنت أفعل توفيرا للمصاريف، وصارت زوجتي تقصد سوق الخضار الشعبي توفيرا للمصاريف، أما الاجبان والشوكولا فإستغنينا عنها نهائيا وباتت زوجتي تصنع الجبنة البيضاء واللبنة والحلويات بنفسها في المنزل، وفي شهر رمضان الماضي مثلا طلبت منها عدم دعوة أحد إلى الافطار توفيرا للمصاريف، ومنذ إنتهاء شهر الصوم توقفت عن اللحوم والدجاج  سوى مرتين ونركز في أطباقنا على الخضار والحبوب”.

يضيف:” لم أعد أشتري أي ملابس جديدة منذ أن إفتتحت متجري، ووافقت على أن يعمل إبني محاسبا في أحد المطاعم بالرغم إختصاصه الصعب ( هندسة معمارية)، لأنه شاب ويحتاج إلى مصاريف في الجامعة، وأوقفت التأمين الطبي الذي كنت أدفع أقساطه لإحدى شركات التأمين وقررت الاكتفاء بزيارة الاطباء في المستشفى الحكومي الذي تعمل إبنتي فيه، وصرت أذهب إلى متجري ب”الفان” توفيرا للبنزين وكي لا أقف على المحطة، كما أشجع بناتي على تقليص مشاريع الخروج مع أصدقائهم توفيرا للمصروف ولأننا قادمون على أيام أسوأ وعلينا العمل بالمثل القائل “خبي قرشك الابيض ليومك الاكثر سوادا”.

التقشف في حياة حسن نعمة طال الخادمة المنزلية وتعليم اولاده وكذلك تناول الطعام خارج المنزل وفي المطاعم

يختم حسن بالقول” كان طموحي عندما أبلغ الرابعة والستين أن أصفّي أعمالي وأعيش من فوائد أموالي وأتقاعد، أما اليوم فطموحي أن يمدّني الله بالصحة كي أستمر في العمل حتى يتمكن إبني من إكمال دراسته وكي لا أحتاج أحدا لأن مدخراتي محجوزة في المصرف ولا أعلم إذا كنت سأتمكن من إستردادها يوما”.  

السابق
الدولار « يطير» بجناحيه المغترب..و«حزب الله» المقيم!
التالي
«الشرخ» يتوسع بين « الثنائي الشيعي»وباسيل..والإستقالة «زكزكة» متبادلة!