حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: ايران تجمع «مجد» التفاوض والردع من طرفيه!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

قد تتحقق الامال التي يعقدها الرئيس الايراني على مفاوضات فيينا النووية، بين بلاده ومجموعة دول 4+1 وبشكل غير مباشر حتى الان مع واشنطن، وان تسير الامور في الايام المقبلة الى الاعلان عن التوصل الى ورقة تفاهم، لاعادة احياء الاتفاق النووي، وهو ما يمكن لمسه من كلام حسن روحاني امام الحكومة، عندما اكد الاتفاق على انهاء المسائل الخلافية بين ايران والولايات المتحدة، التي كانت تعيق اعادة احياء الاتفاق.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: خامنئي يضع «عربة» ولاية الفقيه أمام «حصان» الرئيس!

هذا التفاؤل في طهران عكسه كبير المفاوضين عباس عراقتشي من فيينا، بشيء من الحذر عندما اكد ان الامور وصلت الى مرحلة الخلاصات النهائية، الا ان الجولة الخامسة من المفاوضات لن تكون الحاسمة، ما يعني ان الوفود المفاوضة من المفترض ان تحسم خياراتها، في الجلسة المشتركة للجنة متابعة تطبيق الاتفاق النووي مع الوكالة الدولية، وان تعود الى عواصمها لوضع اللمسات الاخيرة على بعض النقاط الحساسة الحاسمة، ما يعني ان هذه الوفود من المفترض ان تعود خلال ايام الى فيينا لبدء جولة سادسة من التفاوض وفي جعبتها الموقف النهائي، خصوصا وان طهران مازالت متمسكة بان هذه المفاوضات، لا بد ان تأخذ بعين الاعتبار المواقف الحاسم لايران حول بعض النقاط المهمة بالنسبة لها، مؤكدا عدم وجود طرق مسدودة امام التوصل الى تفاهمات، حول هذه النقاط او اي شيء لا يمكن حله.

تسير الامور في الايام المقبلة الى الاعلان عن التوصل الى ورقة تفاهم، لاعادة احياء الاتفاق النووي

تفاؤل روحاني وحذر عراقتشي وايجابية المندوب الروسي ميخائيل اوليانوف عن قرب الانتهاء من الاتفاق، يحمل على الاعتقاد بان المسار الطويل الذي استغرفته هذه مفاوضات اعادة احياء الاتفاق النووي، لم تكن مقتصرة على تليين الشروط المتبادلة بين طهران وواشنطن، وتمسك كل منهما بمطلب قيام الاخر بالخطوة الاولى، وما فيها من تقاذف الغاء جميع العقوبات من الناحية الامريكية، او العودة الى تنفيذ التعهدات النووية من الناحية الايرانية، بالتزامن او بالتوالي او بالتوازي في التوقيت والاجراء.

المشككون في نتائج المفاوضات وما يكمن ان تحمله من خرجات، خصوصا اولئك المقربين من مواقع القرار، وبنوع ما يعبرون عن رأي او جانب من قراءة القيادة العليا للنظام، يعتقدون بان مفاوضات فيينا، ذهبت الى ما هو ابعد من المسائل التكتيكية وآلية رفع العقوبات من جانب واحد، انطلاقا من ان الجانب الغربي تمسك بمواقفه المطالبة لايران، بقبول التفاوض حول مروحة من الملفات تشمل الازمات الاقليمية والبرنامج الصاروخي، الذي لم يعد الازمة حول تتعلق باساسه او قدراته، بل في وضع سقوف له والحد من تطويره الى مستويات جديدة.

ايران وقياداتها تجاوزت مسألة الجدل بحتمية التفاوض مع السداسية الدولية حول المسارات الاخرى

قد لا يكون الطرف الايراني بعيدا عن، او مستبعدا بشكل مطلق، لضرورة وحتمية انتقال المفاوضات الى ما هو ابعد من الملف النووي والعقوبات، الا انه قد يكون استطاع تكريس مبدأ الفصل بين هذه المسارات، اي انه ربط اي عملية تفاوض حول النفوذ الاقليمي وآليات تنظيمه والبرنامج الصاروخي، بحجم ومستوى التقدم الذي سيتحقق على مسار اعادة احياء الاتفاق النووي وحجم العقوبات، التي يطالب الادارة الامريكية رفعها او الغاءها، والتي اعاد فرضها الرئيس السابق دونالد ترمب من دون تقسميها الى عقوبات نووية، واخرى على علاقة بحقوق الانسان والارهاب.

يمكن القول ان ايران وقياداتها تجاوزت مسألة الجدل، بحتمية التفاوض مع السداسية الدولية حول المسارات الاخرى، وان الاتفاق النووي سيكون محطة اولى على طريق اتفاقيات اخرى لن تكون عملية التفاوض عليها سهلة ويسيرة، وان المرحلة المقبلة قد تحمل اتفاق ثان حول النفوذ الاقليمي واتفاق ثالث حول البرنامج الصاروخي، مع الالتزام والتمسك بفصل مسارات التفاوض حولها عن بعضها البعض الاخر.

المرحلة المقبلة قد تحمل اتفاق ثان حول النفوذ الاقليمي واتفاق ثالث حول البرنامج الصاروخي

يبدو ان الرسالة التي اوصلها الفريق الايراني المفاوض، ووضعها امام الاطراف المشاركة في فيينا والتي تعبر عن موقف الدولة العميقة في طهران، ان النجاح في اعادة احياء الاتفاق النووي، سيمهد الطريق بشكل طبيعي للتفاوض، حول النفوذ الاقليمي، على اعتبار ان المدخل الرئيس لطمأنة المخاوف والتهديد الاستراتيجي الامريكي والغربي لايران، سيكون من خلال العودة الى الاتفاق النووي، وسيدفعها بشكل طبيعي للدخول في حوارات اقليمية مثمرة لحل الازمات التي تعاني منها المنطقة، لما تملك من شعور بالتوفق الاقليمي واستبعاد امكانية الخسارة، بالاضافة الى ادراكها بان الاستقرار في هذه المنطقة، يشكل احد اسس سياساتها الخارجية، التي تساعد على حل ازمة التنمية الاقتصادية وتعزيز علاقات الجوار. لذلك يصبح امكانية عقد اتفاق، يتجاوز الازمة النووية والعقوبات الاقتصادية محل اختبار لايران، على طريق اعادة بناء الثقة والحوار مع الغرب، من اجل القضايا الجيوسياسية القائمة في منطقة غرب آسيا، بما فيها تكريس موقع ايران دورها في الاقليم، في ظل الاوضاع التي تصفها الدولة العميقة بانها منطقة فراغ في السلطة، بعد التوصل الى حلول للازمات في سوريا العراق واليمن وفلسطين ولبنان. وان هذه المسارات تعتمد على مدى التجاوب الامريكي وتعامله مع المستجدات التي تشهدها المنطقة، خصوصا بعد فشل سياسات الضغط والعقوبات القصوى التي مارسها ترمب ضد ايران، والتي ادت الى تزايد الحضور الايراني في الاقليم، ورفع مستوى التحدي الى اقصى حدوده ومستويات للرد على اجراءات ترمب.

السقف الذي وضعته ايران في الرد على الضغوط الامريكية اعطاها قدرة على التفاوض والردع

السقف الذي وضعته ايران في الرد على الضغوط الامريكية، والتمسك بمطلب انسحاب القوات الامريكية من منطقة غرب آسيا، وتعزيز قدرات القوى الحليفة لها، واضعاف المنافسين الاقليميين في ساحات المواجهة، وما قامت به من خطوات تصعيدية في الملف النووي، اعطاها قدرة على التفاوض والردع حسب اعتقاد الممسكين بالدولة العميقة، والتي ساعدتها للحفاظ على وجودها وتحقيق اهدافها، الا انها تعتقد بان توظيف هذه المعادلات في الحوارات الاقليمية، ستكون قادرة على تكريس معادلة رابحة لكل الاطراف المعنية، في حين ان الخوف ما يزال قائما حول البرنامج الصاروخي، لان معادلته لا بد ان يكون فيها خاسر و رابح، وان الخسارة هي اقرب لايران منها الى الاطراف الاخرى، خصوصا وان اي تنازل ايران في قدرة الردع، سينقلها الى دائرة التهديد من الاخرين. 

السابق
السويداء على كف عفريت.. الأسد يوعز بتحرك أمني تجاه المدينة
التالي
دحضا لاشاعات طالت صحية.. خطاب لنصرالله في هذا اليوم