حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: خامنئي يضع «عربة» ولاية الفقيه أمام «حصان» الرئيس!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

حدد المرشد الاعلى للنظام الايراني آية الله السيد علي خامنئي، مهمة رئيس الجمهورية الجديد الذي من المفترض ان يتم اختياره من بين الاسماء السبعة الذين حازوا على الاهلية، بعد مرورهم من مصفاة مجلس صيانة الدستور، الذي اعمل مشرط الاقصاء والابعاد لابرز الشخصيات التي كان متوقعا، ان تحول المعركة الانتخابية الى سباق تنافسي حقيقي الى حد ما.

البرلمان الايراني وبمناسبة مرور سنة على بدء اعماله والتجديد لرئاسته وهيئة المكتب، في اطار ما بات معروفا من الصفقة التي عقدها محمد باقر قاليباف، مع تحالف قوى الثورة الداعم لترشح ابراهيم رئيسي بالانسحاب، لصالح الاخير مقابل تثبيته في رئاسة البرلمان، من هنا جاءت نسبة الاصوات التي حصل عليها والتي وصلت الى 230 صوتا. وجريا على عرف تكرس خلال السنوات الماضية، يعقد لقاءا مع المرشد الاعلى يقدم فيه تقريرا مفصلا عن انجازاته التي قام بها، وقد جرى هذه المرة عبر شاشات الدائرة المغلقة، والذي تحول الى مناسبة استخدمها خامنئي لتوجيه رسائل مباشرة وواضحة في ابعادها، لكل المعترضين على الاليات التي رافقت عمل مجلس صيانة الدستور في اختيار المرشحين، بحيث انه قطع الطريق على كل المناشدات التي صدرت من رئيس الجمهورية، وجهات اخرى فاعلة على الساحة السياسية بما فيها من المحافظين بالتدخل، مستخدما صلاحياته كولي للفقيه االتي تسمح له باصدار “امر ولائي او حكم حكومتي” يستطيع بموجبه تعديل قرار صيانة الدستور، واعادة ادخال بعض الاسماء الى السباق الرئاسي، سبق ان رسبوا في امتحان الاهلية امام صيانة الدستور.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «رئيسي» ولعبة الرئيس والمرؤوس!

ولعل ابرز ما جاء في خطاب خامنئي، والاكثر اهمية ما يتعلق بطبيعة المرحلة المقبلة التي سيقودها الرئيس الجديد المنتخب، اذ حدد له المجالات والمسائل والقضايا التي من المفترض ان يعمل على متابعتها، والتي لا تتعدى معالجة الاوضاع الاقتصادية، ومحاربة الفساد والنهوض بالاقتصاد الايراني، وترميم الادارة ومعالجة المشاكل المعيشية للمواطن الايراني. وهي عناوين تكاد تتطابق مع مفاتيح البرنامج الانتخابي، الذي يحمله المرشح الاوفر حظا الى حد التعيين ابراهيم رئيسي، الذي بدأ حملته الانتخابية بلقاء جمعه مع غرف التجارة والصناعة الرئيسية في ايران والعاصمة طهران.

دعوة خامنئي المرشحين بالتركيز على الاهتمامات الشعبية والاوضاع الاقتصادية، وتقديم خطاب واضح ومتماسك حول الحلول التي ستشكل برنامج عمل حكومتهم، واليات حل الازمات الاقتصادية والنهوض بالقطاعات الانتاجية والصناعية، والحد من تأثير الاستيراد على الانتاج الداخلي بمختلف قطاعاته، يقدم ورقة للمرشح الذي من المفترض ان يكون على رأس السلطة التنفيذية خلال الاسابيع الثلاثة المقبلة، بما تحمله هذه المرحلة من مؤشرات على انفراجات كبيرة في الوضع المالي والاقتصادي، كنتيجة طبيعية للمسار التفاوضي الذي يخوضه النظام مع عواصم القرار الدولية الكبرى، في اطار مجموعة 4+1 و واشنطن، لاعادة احياء الاتفاق النووي ورفع الجزء الاكبر من العقوبات، وتحرير الاموال المجمدة في المصارف الخارجية والتي قد تتجاوز قيمتها 80 مليار دولار. وهو رهان يبدو واضحا، من تسهيل مهمة الرئيس المقبل وتكريسه كشخصية قادرة على اخراج ايران من ازماته، تختلف عن الادارات السابقة التي فشل في تقديم معالجات حقيقية لهذه الازمات، غامزا من قناة الرئيس حسن روحاني الذي تحمله القوى السياسية المحافظة والاصلاحية، مسؤولية الفشل الاداري والتراجع الاقتصادي والازمات المعيشية التي مرت بها ايران في السنتين الاخيرتين.

الرئيس المقبل لن يكون مبادراً على صعيد السياسات الخارجية للدولة الايرانية وعليه ان يكون اداة تنفيذية لما يتم رسمه

اللافت في كلام خامنئي، وقد يساعد في فهم معالم المرحلة المقبلة في ادارة ملفات النظام، انه سحب من الرئيس الذي سينتخب ورقة التدخل في السياسات الخارجية، والدعوة لعدم التعامل معها، والتركيز على الاوضاع الداخلية والبحث عن العلاجات الحقيقية للازمات، بحيث يكون قادرا على اخراج البلاد والعباد مما يمرون به.

هذا الموقف يعني ان الرئيس المقبل، لن يكون له اي هامش ليكون مبادرا في اي خطوة على صعيد السياسات الخارجية للدولة الايرانية التي يقودها، وبالتالي عليه ان يكون اداة تنفيذية لما يتم رسمه خارج ادارة الحكومة والدولة، بما يقطع الطريق على تكريس مفهوم الثنائية، التي سبق ان تحدث عنه وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف، في التسريب الصوتي حول ثنائية الدبلوماسية والميدان.

المرشد الاعلى كرس في هذا الفصل في مهمات الرئيس المقبل وسحب ورقة السياسات الخارجية من دائرة صلاحياته

المرشد الاعلى كرس في هذا الفصل في مهمات الرئيس المقبل وسحب ورقة السياسات الخارجية من دائرة صلاحياته، ووضع في موقع المنفذ او الاطار الذي رسمه لوزارة الخارجية في رده على كلام ظريف، والذي انتصر فيه للميدان واعتبر ان دور الدبلوماسية هو تنفيذ السياسات العليا للنظام وليس رسمها او وضعها.

هذه النقلة في وضع الاطار العام لمهمات السلطة التنفيذية، ينسجم مع مواقف سابقة للمرشد، حيث وضع القرارات الاستراتيجية والمصيرية للنظام داخليا وخارجية في مكان اخر خارج الحكومة، وبالتالي فان المطلوب من الرئيس المقبل ان لا يدخل في صراعات ومواجهات، او تحد مع مراكز القرار التي تتولى هذه المهمة، كما فعل روحاني الذي تجاوز الخطوط الحمراء في ردوده على المرشد، وتصديه لدور مؤسسة حرس الثورة في اكثر من مناسبة، على علاقة بالحوارات والمفاوضات النووية او الاقليمية، وحتى على مستوى الاثار السلبية للتدخلات في الاقليم. وعليه فمن المتوقع ان تشهد المرحلة المقبلة مستويين من الادارة، واحد تتولاه السلطة التنفيذية ورئيس الجمهورية بالتركيز على الاوضاع الداخلية، والاخر يتولى عبر المجلس الاعلى للامن القومي، مهمة قيادة السياسة الخارجية والعلاقات الدولية، والحوارات المرتقبة مع عواصم القرار ومع دول الجوار، على ان توكل مهمة تنفيذه للرئيس وفريق الدبلوماسي.

السابق
ليل الهرمل يشتعل.. مصادرة أسحلة وذخائر والجيش ينتشر!
التالي
روائح كريهة تخنق مرجعيون.. حريق في مكب للنفايات مستمر منذ 40 ساعة!