محمد فران نعى رفيقه الشيوعي مارون لطفي..مناضل صلب من الزمن الجميل

مدينة صور

نعى المناضل في منظمة العمل الشيوعي واليساري العتيق محمد فران ابن مدينته صور مارون لطفي صديقه ورفيقه في المنظمة نفسها لاكثر من نصف قرن.

وكتب فران على صفحته الى الفايسبوك : ودعنا البارحة الرفيق والصديق مارون لطفي في مدينته، صور. واجتاحت ذاكرتي موجات من الذكريات تعود إلى اكثر من نصف قرن من الزمن. كان جيلنا في ذلك الزمن ينضج ويتحمل مسؤوليات ويناقش موضوعات معقدة في سن مبكرة.

وكان مارون من الأصدقاء والرفاق المقربين جدا لي والعزيزين حتى هذه اللحظة على قلبي. كان من عائلة ميسورة تعمل في مجال الصاغة.عائلة سعيدة ، محبة، متماسكة.

اذكر والده وهو يعزف على العود وتتحلق حوله العائلة وسط ابتسامات والدته وضحكات جدته البالغة الهضامة ، وهي تغني اغنية قديمة من كلماتها( آه يا لمون يا لمون يا لمونة).

ولا اتذكر هذه الجدة، ام حنا، الا مترافقة مع مع هذه الأغنية ومع ضحكتها الساحرة. كنا نعقد بعض الاجتماعات في منزلها ونقوم بجلي فناجين القهوة والشاي اتي استعملناها مضافا إليها ما كان موجودا قبل حضورنا وهذا كان يسرها. كانت دوما تطلق علينا تسمية ( شياطين) توددا.

ومارون كان ذكيا، وسيما، دافئا. تأنس الحوار معه في مختلف المواضيع، يحب الحوارات خلال المشي،حتى وإن كان الطقس باردا وممطرا، وكأن أفكاره تتوالد من حركات رجليه.

السير على الاقدام لعقد الاجتماعات

وكان سيرنا معا على الاقدام لعقد اجتماع في العباسية عند الرفيق داوود الرز او حسن عز الدين، او في البازورية عند الرفيق حسن بزون، او حسن ناصر،عندما لا تتوفر وسيلة نقل، مناسبة لشتى النقاشات،الفكرية والسياسية والخاصة.

مع مارون لا تشعر بالوقت او الضجر، يدخل القلوب كما يدخل البيوت مرحبا به أينما حل.وكان لنا في كل قرية مكان نأنس به وكأنه منزلنا ونبيت فيه عند الحاجة، حيث تمتد السهرة حتى آخر الليل.

وفي كل خط قرى كان لنا محطات لزيارة اعزاء، ام خضر والدة الصديق علي عجمي، بحضور علي او غيابه، علي عجمي، ( النجار) عبد النبي ومنتهى، ابو عامر عواضه، وكثيرين في قرى المنطقة. كان الجنوب كله، ايام كان الجنوب لكل الوطن، بيتنا وملعبنا وحياتنا.

إقرأ ايضاً: صرخة لمنظمة العمل الشيوعي في عيد العمال..إنتفاضة جديدة هادرة في وجه السلطة الفاسدة

وعندما اختلفنا مع أهالينا، لحرصهم على مستقبلنا، ورغبتهم بأن نستكمل دراستنا،ولحرصنا نحن على مستقبل بلدنا، وخوفا من تحرير فلسطين من دون جهدنا، لجأنا إلى مهنة التعليم،مؤقتا،كي نستطيع الاستغناء عن دعمهم المالي، إلى أن رضي الاهل مرغمين عن خياراتنا.

خلال هذه الفترة اتخذ مارون قراره الجريء لدرجة التهور وقرر الزواج من زينب قبل أن يؤمن الحد الأدنى من متطلبات الزواج المادية، واستأجر منزلا في صور كان ايجاره يستنفذ معظم دخله من التعليم، فشاركته في دفع بدل الإيجار، وتوليت تهريب ما أمكن من لوازم المونة من منزل اهلي إلى منزله.

وقد شاركني في احد المرات الرفيق سمير الزين في حمل هذه (المصادرات)، وسرعان ما عاد اهله إلى احتضانه.

موجات النزوح الشعبي الى بيروت

فرز مارون حزبيا إلى بيروت وخلال موجات النزوح الجنوبي إلى العاصمة تحول منزله إلى مركز آخر يتردد اليه رفاق واصدقاء وعائلة زوجته. وكما كان يدخل مارون جميع البيوت بيسر، كذلك كان الجميع يتردد ويسكن منزله بيسر أيضا.

وهذا كان يتطلب دخلا يفوق طاقته بأضعاف، و كان تدخل اهله دعما له يعالج المشكلة. وبذل اهله ثلاث محاولات كبيرة لتصحيح وضعه المالي وكلفتهم الكثير،ولم تنجح هذه المحاولات لكثرة المصاريف ولاسباب مختلفة.

كان مارون محبوبا من الجميع،وربما لم يكن له خصومة او زعل مع احد بإستثناء كاتب هذه السطور،لأنني على دراية كافية بأوضاعه، وحاولت لعب دور أخ اكبر اضافي له، كي اجنبه خسائر وعذابات من سفر وهجرة ، وابتعاد عن العائلة والركض وراء لقمة العيش الصعبة. هو ارادني أن اوافقه على بعض قراراته التي كنت اتخوف من نتائجها، ربما بالغت في تدخلي، واعتقد انني ما استطعت ان اسامح نفسي ان فعلت العكس حتى ولو كانت كلفة موقفي، زعل وبعد.

كان يسكن مارون شخصيتين متجاورتين. شخصية المناضل الصلب حيث كان من اوائل الملتزمين في منظمة العمل الشيوعي،وناضل في صفوف الطلاب والمعلمين ومع عمال الأفران والصيادين والعمال الزراعين إضافة إلى مهامه الحزبية المختلفة. اذكر ايام حراستنا لمخيم البص في بداية السبعينات ومبيتنا في منزل ام درويش مع ابو عارف واحمد فياض، كما اذكر يوم وفاة ابنه الاول، مراد، نتيجة سقوطه في البئر.

وتوجهت يومها إلى قرية القنطرة المحاذية للمناطق المحتلة،حيث كان مع رفاق من كل الوطن ومع مجموعة كبيرة من رفاق محافظة الشمال، بقيادة الرفيق سليمان يقومون بأعمال التحصينات. ابلغته بالخبر المشؤوم واضطررت إلى انتظاره لأكثر من نصف ساعة حتى يفرغ من توزيع المهام على الرفاق في القضايا المسؤول عنها. هذه الصلابة النضالية كان يجاورها شخصية زوربا الاغريقي. أراد دوما أن يتنشق الحياة ملء رئتيه وان يلبي حاجات قلبه مع ما يرافق ذلك من خسائر ومن اوجاع.

إلى مارون الرفيق والصديق، العاشق والمحب والدافيء اقول ان محبته ولوعة فراقه ستبقى في القلب والى جميع أفراد عائلته احر العزاء.


السابق
صرخة لمنظمة العمل الشيوعي في عيد العمال..إنتفاضة جديدة هادرة في وجه السلطة الفاسدة
التالي
هذا المسلسل الذي يتابعه محمد صلاح في موسم رمضان 2021