حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: الحرس الثوري يصعد الى هاوية الاستحقاق الرئاسي!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

من خارج كل التوقعات، تعرض قائد مقر خاتم الانبياء للاعمار – الواجهة الاقتصادية لحرس الثورة الاسلامية الايرانية- الجنرال سعيد محمد، لهجوم قاس من داخل المؤسسة التي كان للامس القريب احد اعضائها، قبل ان يستقيل من منصبه للتفرغ للحملة الانتخابية، بعد ان اعلن نيته الترشح في السباق الى رئاسة الجمهورية. اذ اعتبر مسؤول دائرة العقيدة والتوجيه السياسي في الحرس الجنرال يدالله جواني ان محمد لم يستقل من موقعه، بل اقيل لاسباب تتعلق بمخالفات ارتكبها، من دون ان يوضح ماهية هذه المخالفات وطبيعتها. ما ترك الباب مفتوحا امام التكهنات بوجود خلاف داخل صفوف الحرس حول الشخص الذي سيحظى بدعم هذه المؤسسة في ظل تعدد الاسماء – الجنرالات، الذين اعلنوا نيتهم دخول السباق الرئاسي مثل وزير الدفاع السابق الجنرال حسين دهقان، القائد الاسبق للحرس الجنرال محسن رضائي، والقائد الاسبق للقوات الجوية رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف وغيرهم.

اقرا ايضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روسيا وإيران «شريكان مضاربان» في وجه أميركا!

تباين في المواقف

هذا الموقف من يدالله جواني سرعان ما جاء الرد عليه من المتحدث باسم قيادة الحرس الجنرال رمضان شريف، الذي نفى ان يكون سعيد محمد قد اقيل او ارتكب مخالفات استدعت اقالته، واعتبر كلام جواني غير دقيق ويفتقر الى الادلة التي لم يقدمها، كاشفا عن تعيين محمد كمستشار لقائد قوات الحرس الجنرال حسين سلامي.

خروج التباين في المواقف داخل المؤسسة الحديدية المتحكمة بمفاصل القرار في الدولة والنظام الى جانب المرشد الاعلى الى العلن، يكشف عن وجود انقسام بين قيادات هذه المؤسسة حول اسم الشخصية التي ستكون محل دعمها في الانتخابات الرئاسية، من بين الاسماء الكثيرة المطروحة لعدد من الجنرالات السابقين، خصوصا وان الجدل حول شرعية او دستورية وقانونية تعاطي هذه المؤسسة بالشأن السياسي ارتفع في الاسابيع الاخيرة، ما اضطر قياداتها للدخول في بازار الردود على اتهامها بالعمل على عسكرة الدولة والنظام، في محاولة للتأكيد ان المؤسسة لم تدفع بمرشح من صفوفها، وان من حق اي عسكري سابق دخول السابق الانتخابي بناء على حقه الدستوري كأي شخصية سياسية في البلاد. الا ان اعلان “محمد” عن استقالته من موقعه الذي يصنف احد اهم المواقع المتقدمة في اركان مؤسسة الحرس، وانها – اي الاستقالة –  تأتي بهدف التفرغ للانتخابات، الا ان هذه الخطوة شكلت مادة للهجوم عليه واتهامه بالمخالفة، باعتبار انه استقال من موقع وانتقل الى موقع اخر الى جانب القائد العام للمؤسسة، ولم يلتزم بالدستور الذي يفرض على كل فرد يشغل موقعا في الدولة او النظام، الاستقالة قبل ستة اشهر من موعد الانتخابات، الامر الذي اربك حسابات هذه المؤسسة التي كانت مشغولة في استيعاب الهجمة عليها وابعاد تهمة عسكرة الدولة والنظام عنها.

خروج التباين في المواقف الى العلن، يكشف عن وجود انقسام بين قيادات هذه المؤسسة حول اسم الشخصية التي ستكون محل دعمها في الانتخابات الرئاسية

محمد والسباق الرئاسي

واذا ما كانت المواقف المنتقدة او السلبية من اعلان “محمد” ترشحه للانتخابات الرئاسية من داخل المؤسسة التي ينتمي لها، اخذت غطاءً قانونيا ودستوريا، بالاضافة الى محاولة ابعاد التهمة عن هذه المؤسسة وحجم تدخلها في الحياة السياسية والادارية للحكومة والبلاد، والتي تسلح بها جواني في توصيبه على محمد، الا ان هذه المواقف تكشف عن حجم التنافس بين قياداتها في الصراع على السلطة او دعم شخص على حساب اخر، من دون الاخذ بالاعتبار معايير الكفاءة والاهلية. في حين ان قيادات تقليدية وتاريخية في احزاب محافظة، اعتبرت ان دخول العسكر على السباق الرئاسي وبهذا الكم والحجم، يخرج هذه المؤسسة العسكرية عن الاطار المرسوم لها، بما يتعارض مع الدستور والمهمات المنوطة بها، والتي يقع تحديدها ضمن صلاحية المرشد والقائد الاعلى للقوات المسلحة، وبالتالي يضيق الفرصة امام انتخابات تنافسية، خاصة داخل القوى والاحزاب المحافظة التي ستكون مجبرة على خوض معركة الانتخابات، في مواجهة هذه المؤسسة وما يمكن ان تقوم به من تجيير القوى الناخبة لصالحها على حساب الاخرين.

من غير المستبعد ان يكون هذا التباين مدروس في محاولة لتوظيفه في اطار تعزيز شرعية النظام الشعبية

ومن غير المستبعد ان يكون هذا التباين او الاختلاف في وجهات النظر او التوجهات بين قيادات هذه المؤسسة، تباينا واختلافا مدروسا او مهندسا، في محاولة لتوظيفه في مكان اخر و لاهداف اخرى، تصب في اطار تعزيز شرعية النظام الشعبية. خصوصا وان النظام ومؤسساته يواجهون ازمة حقيقية، وامكانية تكرار ما حصل في الانتخابات البرلمانية التي شهدت تراجعا واضحا في المشاركة الشعبية وعزوفا، سمح بانتاج برلمان من لون واحد بحجم مشاركة هي الادنى في تاريخ النظام، ما جعل تمثيله الشعبي مكشوفا وحجم قاعدته التي يتسلح بها لتعزيز شرعيته لا تتعدى الثلاثين في المئة في افضل التقديرات.

تحول اعلان سعيد محمد عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، من عاصفة ضربت صفوف مرشحي المعسكر المحافظ خصوصا جنرالات الحرس الطامحين لرئاسة السلطة التنفيذية

ما بين عشية وضحاها، تحول اعلان سعيد محمد عن ترشحه للانتخابات الرئاسية، من عاصفة ضربت صفوف مرشحي المعسكر المحافظ خصوصا جنرالات الحرس الطامحين لرئاسة السلطة التنفيذية، لما يشكله من ترجمة لرؤية المرشد الاعلى بتجديد شباب الثورة والنظام والدولة، فضلا عما احدثه من حراك داخل الحياة السياسية وبين الاحزاب المنافسة والمعارضة ودفعها لترميم صفوفها ورفع مستوى استعدادها لمعركة حامية الوطيس، تحول هذا الاعلان الى نقمة على الجنرال محمد، بعد ان خرجت نيران التصويب عليه من فريقه سواء كان مؤسسة الحرس او الاحزاب المحافظة، الا ان اعادة احياء فرضه للمنافسة ولجم المنتقدين والمعترضين عليه، قد يدفع المعسكر الاصلاحي لتفعيل جهوده من اجل استعادة الثقة بينه وبين الناخب الايراني غير المحافظ، واستقطاب الاصوات الرمادية ورفع مستوى المشاركة الى اعلى حدودها، من اجل تفويت الفرصة على المرشحين العسكريين اولا  والمحافظين ثانيا، وقد لا يكون لديهم تحفظ على تبني مرشح او المساهمة في وصول شخصية من جماعة الاصوليين المعتدلين (كوزير الخارجية محمد جواد ظريف او رئيس البرلمان السابق علي لاريجاني)، بحيث يفرضون انفسهم شركاء في انتاج الرئيس، خصوصا وان المحافظين يرون في تراجع نسبة المشاركة الشعبية عاملا اساسيا في تحقيق اهدافهم ويرفع من حظوظ مرشحهم بالفوز.

السابق
البداية من منع السفر.. تشاور حول الأسماء ونوع العقوبات الاوروبية على المسؤولين اللبنانين!
التالي
الجامعة العربية تدعم مبادرة بري.. هل يجهضها «حزب الله»؟