حارث سليمان لـ«جنوبية»: لطفاً جنرال دعهم يتناسوك!

حارث سليمان
يخص الناشط السياسي والأكاديمي الدكتور حارث سليمان "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

كيف تكون سلطة ويقوم حكم لا يملكان اجوبة؟ كيف تكون زعامة لا تعرف غدها؟ أو لا تزعم على الأقل كذبا، معرفة غدها!

تلك مأساة مفجعه وظالمة يعيشها شعب لبنان واجياله، والنازحون الى ربوعه خوفا او لجوءا او تكسباً!! حتى صعودنا الى حافلة نقل ركاب، مشروط بمعرفة وجهتها، أما ان تكون الوجهة معلنة كتابة، او نسأل عنها.

السلطة وقيادة الدولة، والمسؤولية عن مجتمع وافراد ومصائر شعب هي مسالة اكثر تعقيدا من قيادة حافلة، مع ذلك نرى رؤساء السلطة وقادة احزابها لا يملكون أي جواب لا عن وجهتهم، ولا عن مصيرنا معهم وبقيادتهم.

وقع خطاب عون على مسامعي كضربة مطرقة ثقيلة اصطدمت بجمجتي لعلها احدثت صداعا على أثرها! “أنا الجنرال ميشال عون!

ما كنت يوما مع ميشال عون، لا بتاريخه قبل سنة ١٩٨٢ ولا بحروبه العبثية ولا بتعامله مع أي خارج اقليمي، وتأرجحه المتنقل من صدام حسين الى بشار الاسد، الى استقباله الجيش الاسرائيلي في المتحف، الى رعايته فايز كرم، الى انتخابه رئيسا للجمهورية، الى محاباته لأقربائه وعائلته، الى زعمه اصلاحا وتغييرا، او تلبسه رداء المقاومة والعداء لإسرائيل.

في قناعتي وضميري على مر سنوات العمر، اعتبرت مخطئا أو مصيبا ، أن ميشال عون كان منذ بداية الحرب الأهلية اللبنانية وحتى الأمس القريب، خطأً وخطيئةً تاريخية، بدأها من أدخله خلافاً للإمتحان وشروطه الى المدرسة الحربية في الجيش، وتابعها من رعاه ليكون في مفاصل أحداث خطيرة من ثكنة صيدا، الى حصار مخيم تل الزعتر، وأكملها الرئيس امين الجميل، حين سلم له رئاسة وزراء الحكومة العسكرية سنة ١٩٨٨، ليرأس نصف حكومة فئوية طائفية، لم تنل ثقة مجلس النواب، لكنها مارست صلاحياتها خلافا للدستور، وأقامت حروبا وخرابا ودمارا، وتابعها اميل لحود وكريم بقرادوني حين عقدوا معه صفقة رجوعه من باريس سنة ٢٠٠٥، وأكمل الخطايا والخطيئة السيد حسن نصرالله حين فرضه ببندقية “حزب الله” رئيسا للجمهورية، وشارك في هذه الخطايا سمير جعجع وسعد الحريري حين رضخوا لانتخابه رئيسا للجمهورية.

رغم كل هذا، فقد وقع خطاب عون على مسامعي، كضربة مطرقة ثقيلة اصطدمت بجمجتي لعلها احدثت صداعا على أثرها! “أنا الجنرال ميشال عون! ” قالها، كأنها كلمة سحرية، سترفع عن عقول اللبنانيين وقلوبهم، الخوف واليأس، وستنسيهم آثار مذلّاتهم ومهاناتهم!، أمام مداخل البنوك والافران والصيدليات والمستشفيات ومحطات الوقود، “أنا الجنرال ميشال عون ! ” اريد تحقيقا جنائيا في مصرف لبنان”…

حسنا هل وصلت فخامتكم الى لبنان بالأمس؟

أم هل باشرت صلاحياتك اليوم بعد أربع سنوات ونيف على إنتخابك!؟

أو أن العجز في حساب مصرف لبنان البالغ ٤٢ مليار دولار اميركي قد تكوًن وحصل خلال الاشهر الثلاثة الماضية؟، فاقتضى تدخلك سريعا لوقف الكارثة!؟

والكارثة في حسابات مصرف لبنان معلنةٌ، في كل وسيلة، ومنقولةٌ على كل لسان، في لبنان ودول العرب والغرب، فهل تأخر وصول خبر حدوثها إليكم، على مدى سنتين، حتى وصل الى مسامعكم اليوم، حمداً لله فقد بلغ نداءُ الإغاثة مَسمَع قُبطان التايتنك المتجهة الى جهنم وقاع آتونها!؟

لعل بعض ما سيظهر في التدقيق المالي الجنائي في حساب مصرف لبنان على الارجح، فجوة ب ٤٢ مليار $ اميركي، نتجت عن فوائد باهظة التكلفة، وغير مبررة، ومبالغ فيها، لسندات دين الخزينة وهندسات مالية، اعطيت لبنوك وسياسيين مرتبطين بزمرة المافيا والميليشيا، والتي بلغت قيمة الهدر فيها، على مدى عشر سنوات ماضية، ٢٥ مليار$ اميركي ذهبت لكبار المنظومة في المافيا والميليشيا و حيتان المصارف وكبار مودعيها…

إقرأ ايضاً: حارث سليمان يكتب لـ«جنوبية» : حذارِ من الإستثمار بالإنهيار!

هل ستسترجعون هذه الأموال نتيجة ثبوت عدم شرعيتها وقانونيتها الى خزينة الدولة؟، و هل ستجبر ون من أخذها وبعضهم من أهل بيتكم، على ردها الى المالية العامة؟، أم أن الأمر لا يتعدى إثبات تخطّي حاكم مصرف لبنان لحدود صلاحياته، وعدم مراعاته حقوق المودعين في النظام المصرفي، فلا يتولد عن جبل التحقيق الجنائي في مصرف لبنان، الا فأر تعيين حاكم جديد من بطانة حاشيتكم!؟

ولعل هذا الامر لن يكون في متناول يديكم، لان الحاكم جزء من منظومة، أنتم منها وفيها، وهي لن تسمح لكم بإقالته، بل ما هو مطلوب من الحاكم اليوم، “مواصلة تبديد الاحتياط الالزامي لمصرف لبنان الذي يُموّل الاستيراد عبر التهريب الى الداخل السوري”، فيكون التحقيق الجنائي، سيفا يهدد تقاعس مصرف لبنان عن الاستجابة لضخ أموال إحتياطه، في خدمة خرق قانون قيصر ضد نظام الأسد!.

أنا “الجنرال ميشال عون” خاب من أدرجها في خطابكم لأن اللبنانيين جميعا بأوجاعهم ومآسيهم لم يكونوا بحاجة لتذكيرهم بانكم على رأس الجمهورية!؟

ولعل إقفال حسابات مصرف لبنان في البنوك المراسلة في الخارج، وزيارة السفيرة الاميركية الى مرفأ طرابلس، والغاء زيارة د. حسان دياب الى العراق، لمبادلة النفط العراقي بالطبابة اللبنانية، لعل كل ذلك، اشاراتٍ تحمل معاني اكتمال حلقة حصار حكومة دياب ورئاستكم الكريمة وبداية حراك خارجي للتشدد في فرض تطبيق قانون قيصر على الحكومة اللبنانية؟!!.

وربما سيظهر في التدقيق الجنائي المالي في مصرف لبنان كيف حُولت ودائع الناس في #بنك_المدينة” الى ملاذات آمنة، خدمة لآل الأسد، وتم استبدالها بأموال نقدية، متأتية من تهريب النفط العراقي الى مصفاة بانياس قبل سنة ٢٠٠٣؟، وربما ظهر أيضا أموال النظام العراقي من عهد صدام حسين، التي أودعت في حسابات سرية في المصارف اللبنانية خلافا لقرارات الامم المتحدة، والتي سرقت وسُيِّلت في بنك التمويل وفضائح ادارته؟.

كما قد يظهر التحقيق الجنائي القروض_ الرشاوي التي حصلت عليها مؤسسات إعلامية، وأصحاب نفوذ وسطوة، و أمراء طوائف، بفوائد مدعومة من المال العام؟، كما قد يظهر أيضا كل عمليات تبييض الأموال وتجارة الألماس من افريقيا، التي قام بها نافذون وتحولت الى ودائع شرعية حُوِّلت الى خارج لبنان…

هل ستصر على ذهاب التحقيق الجنائي الى الحدود هذه، وهل تقوى على ذلك!؟

اذا حصل، والأمر يمثل أغلى أمنيات كل شرفاء لبنان، وكل الجهات النقدية الدولية والعربية، يصبح القول ” أنا الجنرال ميشال عون !” المعروف سابقا ب نابوليون بونابرت قولا ذات جدوى! لكن الأمر لن يحصل على الارجح!

وحده ميشال عون من بين كل رؤوس المنظومة وعدنا ب جهنم ولأول مرة يظهر انه يصدق وعده!؟ ويريدنا ان نتأكد انه يمسك المقود!

أنا “الجنرال ميشال عون” خاب من أدرجها في خطابكم، لأن اللبنانيين جميعا بأوجاعهم ومآسيهم، لم يكونوا بحاجة لتذكيرهم بانكم على رأس الجمهورية!؟ ولأنهم وإنْ خُدِعَ بعضُهم يوم انتخابكم، فتأمّلوا وحلموا بعهد جديد لا ينتمي الى ماضيكم وتاريخكم، قد عادوا الى رشدهم وفطنتهم، منذ ١٨ شهرا، وانتجوا وعيا من جراحات المرفأ المتفجر، ومن آلام المعاناة، فثاروا وصبروا، وكل ما يساعدهم اليوم على تجاوز المرحلة والصمود لنهايتها، هو أن ينسوا وجود الجنرال ميشال عون في رئاسة تستهوي المجازفة والمغامرة…

ركاب الحافلة المتدحرجة، يجالدون لكي ينكروا هوية السائق للى الهاوية،… لطفا لا تذكرهم بذلك مرة اخرى.. وحده ميشال عون، من بين كل رؤوس المنظومة، وعدنا ب جهنم ولأول مرة يظهر انه يصدق وعده!؟ ويريدنا في الطريق اليها ان تبقى عيوننا مفتوحة لنتأكد انه يمسك المقود!

السابق
حين يبكي جبل عامل… وداعاً يا سيّد
التالي
قصابو «الثنائي» يُخفون «اللحم المدعوم»..واللُقاحات الإنتخابية تتمدد!