«أمل» _«حزب الله».. «السياسة» تُفسد في الود قضية!

قد يكونُ من السابق لأوانه الحديث عن مصير التحالف بين حركة امل و”حزب الله”، او الثنائي الشيعي بحسب التعبير الذي يروقُ للكثيرين استعماله للإشارة اليهما. الا أن استحضار بعضَ ملامح التمايز بينهما في كثير من التفاصيل والمحطات السياسية يدفعنا للقول بأن الحزب ليس كالحركة ، وأن مقاربات الطرفين حيال كتير من العناوين  تختلف جذرياً عن بعضها، وهذا ما يتفقُ حوله اغلبُ المراقبين في لبنان، فحركة امل تملك هامشاً واضحاً من الاستقلالية في اتخاذ قرارتها الوطنية، صائبةً كانت ام مخطئة ،اكثر من “حزب الله”  الذي يدينُ بالولاء دينياً وسياسياً لولاية الفقيه أي مرجعيته  في ايران.

اقرا ايضاً: الإنقسام بين «أمل» و«حزب الله» يتمدد إلى المقابر..«مقاطعة ضمنية» للمآتم «الكورونية»!

وقد جاءتْ كلمةُ  نصرالله الأخيرة بخصوص تأليف الحكومة لتكشفَ تطوراً مهماً ظهر من خلال مواقفه التي اطلقها المنحازة الى رئيس الجمهورية، الذي ما فتئ يهدد حليفه الالهي بمصير تحالفهما  واضعاً اياه  امام استحقاق صعوبة الاختيار: إما نحن وإما حركة امل. فالعونيون يتعاطون مع” حزب الله” وكأنهم الزوجة الأولى وأن حركة امل هي الضرة التي يجب تطليقها،  وقطع حبل الصرة معها، فمعركتهم  ضد الفساد يعيقها تحالفه مع حركة امل بحسب زعمهم.

ومن نافل القول إن موقف نصرالله المفاجئ قد ازعجَ الرئيس بري أولاً كونه غير منسق ويضعه في موقع المحرج، وثانيا كونه  يتجاوز المبادرة الفرنسية التي تحكم جميع الأطراف من خلال تعهداتهم أمام الرئيس الفرنسي ماكرون وفي مقدمهم “حزب الله” الذي وافق عليها، وهذا ما لا يمكن لرئيس حركة امل أن يُجاري به أحدا انطلاقا من خصوصية موقعه الرسمي كرئيس للسلطة التشريعية.

ويُفهم من تصريحات نصرالله  بحسب سلم أولوياته أن حليفه العوني في المحل الأول و”امل” في المحل الثاني، وأن هذه الأولوية هي ممكنة من الناحية الواقعية،  بحسب التفضيل المصلحي الذي يحكم أداء “حزب الله” منذ  اتفاق مار مخايل مروراً بانتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية، وصولاً الى مطلب تشكيل حكومة  من المستقلين الذي نسفه نصرالله بالتنسيق مع جبران باسيل، ليبدو مع هذا الواقع أن حركة امل هي تحصيل حاصل بالنسبة له، وأن الغطاء العوني أي المسيحي لا يقدر بثمن بالنسبة . بحيث تبدى أن تحالف حزب الله مع التيار العوني، يستند الى قوة الشخص أي نصرالله، في حين تحالفه مع حركة امل يستند الى ضعف الشخص، أي نبيه بري كما يوحي أداء الحزب. وهذا ما لا يروقُ لحركة امل ورئيسها، الذي يعتبر بدوره أن موقف نصرالله من تحالفهما  لا يفسرُ شيئا، لا بل يحتاج لتفسير وعلى قواعد أبعد من تشكيل الحكومة كقضية راهنة وملحة، انما أيضا لا تخفي حركة امل انزعاجها من كون سكوت حزب الله على اتهامات التيار العوني لرئيسها بالفساد وحماية الفاسدين كقبول بالتهمة، غامزين من خانة رفضه لإقالة حاكم مصرف لبنان دون الإحاطة بمجمل نتائج الخطوة، هذا فضلاً عن محاولة جبران باسيل أن يجعل من رياض سلامة كبش المحرقة عل ذلك يطمسُ الكثير من وقائع الفساد في مجمل الوزارات التي شغلها العونيون. هنا  ومن باب الموضوعية يُعتبر موقف الرئيس بري اقرب الى منطق الأشياء اكثر من موقف العوني وحليفه القوي.

وفيما يتعلق بالمبادرة الفرنسية والخفة التي تعاطى معها رئيس الجمهورية مدعوماً من حزب الله، أيضا يمكن القول أن مقاربة الرئيس بري تنطلق من نظرة واقعية الى الازمة التي يعيشها لبنان، والتي وصلت الى حدود جعلت هذا الوطن دولة فاشلة قد لا تقوم لها قائمة بعد 100 عام على تاسيسها. فهو يعتبر أن المبادرة الفرنسية حاجة لبنانية، التي وإن لن تقدم حلا سحريا، الا أنها محطة استراحة للبنان وشعبه، تعطيه وقتاً مستقطعاً لوصول المساعدات في ظل حكومة، تملك قدرا من الثقة محليا وخارجيا والا فالإنهيار سيطال الجميع دون استثناء.

إن الخلافات بين حركة امل وحزب الله قد بدأت اذا صح القول، كخلافات تكتيكية  في وجهات النظر

إنما تحولت سياسية بعدما تبين أن حزب الله يتبنى كامل وجهة نظر جبران باسيل، في مختلف القضايا، الذي نجح على ما يبدو من خلال إعطاء الهامش لبعض قيادات التيار، لتخطي الخطوط الحمر في نقدهم لحزب الله وتورطه في قضايا خارجية، وبالتالي توريط لبنان وهو بغنى عن ذلك، ففهم نصرالله الرسالة سريعا وقدم الدعم الفوري لحليفه، ضاربا بعرض الحائط كل تحالفاته الأخرى. فسريعا جاء الرد من المكتب السياسي لحركة امل الذي تمسك بالمبادرة الفرنسية ومضمونها في بيان شديد الدلالة، فثمة معطى سياسي جديد تكون لدى قيادة حركة امل، بحيث أعطوا إشارة الى أن التفريط بنبيه بري مكلف جدا، ولا يشبه التفريط بسليمان فرنجية الذي نام رئيسا للجمهورية  وحول حزب الله منامه كابوسا بعد تمسكه بميشال عون رئيسا للجمهورية.

 وكأن لسان حال حركة امل يقول أننا على عتبة اعلاننا دولة فاشلة رسميا، بدليل عروض المساعدة لايجاد حل للازمة تأتي من الدول القريبة والبعيدة،  في ظل ميل عفوي لدى الناس لتحميل رئيس الجمهورية ومن خلفه جبران باسيل المسؤولية، عن الفشل بتشكيل الحكومة كما اقترحها سعد الحريري وفقا لمضمون المبادرة الفرنسية المتفق عليها من الجميع .

خلاصة القول إن السياسة بمعناها الحقيقي اليوم تكمن، في صميم ما يصدر عن مناصري الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي بحق بعضهما، الذي يَنتج عن وعي لديهما بأن الحزب ليس كالحركة وأن الحركة لا تشبه الحزب، وان شروط التحالف بينهما لا يمكن ان يستوعبها الجمهور على انها أوامر منزلة، خصوصا وأن التناقض الرئيس بينهما منصوص عنه في الهوية الفكرية والسياسية للطرفين. إنما يبقى لنا وبكل موضوعية ان نقول وبعيدا عما انتجته الثورة من شعار كلن يعني كلن: إننا ومن مصلحتنا كلبنانيين ان نقول: الف مرة حركة امل  ولا مرة حزب الله وحليفه العوني.   

السابق
الالتفاف نحو النظام السوري.. ألمانيا تمنع منح اللجوء للمتخلفين عن الخدمة العسكرية
التالي
لبنان يتمرد على الوصايتين!