لم تختف الشعارات السياسية عن التحركات الشعبية، التي بدأت أمس في مختلف المناطق، إحتجاجا على الوضع الاقتصادي والمالي ووصول سعر صرف الدولار إلى 10 آلاف ليرة. ليل أمس الثلاثاء ظهرت أيضا مطالب بعدم إستقواء فريق (حزب الله) على الافرقاء الاخرين بقوة سلاحه، فضلا عن شعارات سياسية أخرى. وقبل هذه التحركات كانت مطالبة البطريريك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بالحياد الايجابي تجلجل في بلاد الارز ، ما يعني أن ما يحصل اليوم سياسيا وشعبيا، هو نتيجة إحتدام أهلي وإنسداد في الافق السياسي.
من أبرز مشكلاتنا هو التداخل بين ما هو ميثاقي وبين ما هو دستوري
الباحث الاجتماعي والسياسي الدكتور طلال عتريسي المؤيد لطروحات “حزب الله” يؤكد لـ”جنوبية” الحاجة من وجهة نظره، إلى إعادة البحث في ما وصلت إليه الصيغة اللبنانية الحالية أي إتفاق الطائف، لأنها تجمع لغاية الآن بين مستويين، مستوى الميثاق والعيش المشترك ومستوى الدستور والقوانين والانظمة”.
يرى عتريسي أن “هذا يحتاج إلى وضع الحلول الفاصلة والواضحة، أما أن يكون كل شيء هو دستوري في لبنان وننتهي من مشكلة الميثاقي، وهو غير مكتوب ويخضع للأمزجة وموازين القوى والقضايا كثيرة في هذا المجال”.
يضيف:” نعم نحن نحتاج إلى مؤتمر تأسيسي يعيد النظر في التوزيع والنظام الطائفي، وفي كل القضايا المرتبطة بهذا الجانب، وأعتقد ان معظم القوى السياسية والطائفية تدعو في مشاريعها السياسية إلى إلغاء الطائفية السياسية، وهذا يعني ان الحاجة إلى مؤتمر تأسيسي ضرورية للبحث أيضا في الطائف، هل يجب المحافظة عليه أو إدخال تعديلات عليه أو نلغيه ونبحث عن بديل وكل هذه القضايا تحتاج إلى البحث اليوم قبل الغد”.
إقرأ ايضاً: طروحات لإعادة إنتاج صيغة جديدة (3) السماك لـ«جنوبية»: الطائف تحول الى «خاروف العيد»!
يشدد عتريسي أن “أبرز ما نحتاج إليه هو وضع إتفاق الطائف على طاولة التشريح لنعرف هل نستمر في في صيغة المحاصصة الطائفية لأن التجربة أظهرت خلال العقدين الماضيين ان هذه الصيغة لم تتوقف عند الفئة الاولى بل إنسحبت على كل الفئات وهذا ما زاد من الازمة”، معتبرا أنه “يجب زيادة جرعة الدستور والانظمة والقوانين الملزمة على حساب التفاهمات والاتفاقات غير المكتوبة”، ويعطي مثلا على ذلك بالقول:” لماذا لا يكون هناك نص قانوني حول المهلة المعطاة لرئيس الحكومة لتشكيل حكومة؟ أو نص قانوني يحدد لرئيس الجمهورية المهلة للدعوة الى إستشارات نيابية ملزمة بدل أن تترك مفتوحة؟ مثل هذا الامر ينسحب على كثير من القرارات والمؤسسات مثلا مجلس الوزراء ليس له نظام داخلي واختيار الوزراء يتم من دون معايير، فكل طائفة أو حزب أو كتلة نيابية يحق لها وزراء بحسب عددها وينتهي الامر”.
الحياد يثير الاسئلة أكثر مما يثير الاطمئنان عند التطبيق
يضيف:”أعتقد أننا بحاجة للبحث في هذه القضايا في أي مؤتمر تأسيسي سواء يعقد في لبنان او خارجه او برعاية ما، المهم ان يكون لدى الاطراف اللبنانيين النية الحقيقية او شعور حقيقي بأن الصيغة الحالية لم تعد تلبي متطلبات الوضع اللبناني”.
الحياد و متطلباته
أين موقع الحياد الايجابي في ظل الدعوة الى المؤتمر التأسيسي ؟ يجيب عتريسي:”الحياد عموما أو الحياد الايجابي أو أي تسميات أخرى يحتاج إلى توضيح مجموعة من النقاط، أولا التفاهم الوطني أو الاجماع الوطني حول موضوع الحياد ومعناه، هل الحياد هو عدم إتخاذ أي موقف مما يجري حول لبنان من مشاكل وصراعات بما فيها من سياسات للعدو الاسرائيلي ( كونه كيان مجاور للبنان)؟ الحياد ممكن أن يكون مثلا بين ما يجري بين السعودية واليمن أو ما يجري بين ما يحصل بين قطر والسعودية )يمكن أن يبحث هذا الامر(، لكن هل موضوع الصراع مع إسرائيل هو متضمن في الحياد أم لا “.
الحياد يحتاج إلى قرار داخلي ودولي
يضيف:”النقطة الثانية هي هل يعني الحياد تجاهل وجود اللاجئين الفلسطينيين والقبول بتوطينهم في لبنان، كي لا يحصل مواجهة مع العدو الاسرائيلي او مع الدول الكبرى او مع مشاريع التوطين الدولية؟ وهذا ما ينطبق أيضا على ملف النازحين السوريين لأن هناك مشاريع غربية تدعو إلى بقاء النازحين أطول فترة ممكنة”، مشددا على أن “كل هذه القضايا بعضها مستجد وبعضها قديم تطرح عندما يطرح الحياد لأنه يحتاج إلى قرار داخلي ودولي أيضا، الدول أيضا يجب أن تقبل بأن لا تتدخل في شؤون لبنان وشخصيات لبنانية، ومن الامثلة على ذلك عدم القبول بأن يجول رئيس الحكومة مثلا على دول عربية لطلب دعم للحكومة”.
ويختم:”الحياد مهما كانت تسميته يثير الاسئلة أكثر مما يثير الاطمئنان عند التطبيق، وهو يحتاج إلى نقاشات واسعة ولا يمكن طرحه بشكل إنفرادي بل إلى نقاش وإجابة على كل هذه الاسئلة”.
