حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: إنما لـ«الحزب» حدود!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

قد يكون الامين العام لحزب الله في خطابه الاخير محقا الى حدّ ما، حين اعتبر ان عدم تشكيل الحكومة التي كلف بمهمتها الرئيس سعد الدين الحريري، يعود الى عوامل داخلية على علاقة بالصراع على الحصص والاحجام والتمثيل وحجم الدور والتأثير، داعياً الاطراف اللبنانية الى تسريع هذا التشكيل وعدم ربطه بالازمة الاقليمية.

وعلى الرغم من تأكيده بان العامل الاقليمي، خاصة الازمة بين ايران والادارة الامريكية حول الاتفاق النووي، وشروط اعادة تفعيله المتبادلة بين الطرفين لا تأثير لها في الازمة اللبنانية، الاّ انّ ما تشهده هذه الازمة من تجاذب بين الطرفين حول مسألة التمسك الامريكي بوضع النفوذ الايراني على طاولة التفاوض الى جانب البرنامج الصاروخي، والرفض الايراني لا شك انه ينعكس على كل ملفات المنطقة المتوترة او العالقة بانتظار التفاهم بين الطرفين، خصوصا في الملفات التي تحدث عنها السيد نصرالله، ان كان في الازمة اليمنية التي تحاول الادارة الامريكية وضع آليات الحل لها على نار حامية لانهائها، او ما يتعلق الموضوع العراقي والاتهامات المتبادلة الايرانية الامريكية، حول استخدام هذه الساحة لتهديد مصالح بعضهما البعض الاخر. يضاف اليها مسألة الوجود العسكري الامريكي في هذا البلد، والذي تحوّل المطلب الايراني بخروجها الى معضلة، انعكست اثارها على آليات عمل الحكومة التي تحاول استعادة دور الدولة في مواجهة بعض الفصائل المقربة من ايران، فضلا عن معالجة ممارسات السلاح المتفلت او غير المنضبط الذي يتعاظم على حساب المؤسسات الرسمية خاصة العسكرية والامنية.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هذا ما جنته يدا ظريف!

ووصولا الى حالة الترقب التي تسيطر على الازمة السورية التي يبدو انها دخلت مرحلة من التشابك السياسي بعد قرار تخلي واشنطن عن دورها في حماية ابار النفط الى جانب قوات سوريا الديقراطية الكردية (قسد) وعدم اتضاح صورة الموقف التركي من ذلك، خصوصا وان الرئيس رجب طيب اردوغان لن يسلم بالخروج من الساحة السورية من دون مكاسب واضحة، وامكانية استخدام ورقة شمال العراق للضغط على الاطراف المعنية بالساحة السورية لتكريس هذه المكاسب، تسمح له بتعزيز موقفه على طاولة الحوار الثلاثية مع موسكو وطهران المعنية بمسار استانه.

لبنان والمسارات الدولية

هذا الترقب الاقليمي الذي تحدث عنه امين عام حزب الله، خاصة ما يتعلق بالجانب الايراني في تعامله مع ما يمكن ان يستقر عليه الموقف الامريكي من هذه الملفات، والتي تشكل جوهر النفوذ الايراني الاقليمي الذي تطالب واشنطن بوضعه على طاولة التفاوض، فان الازمة اللبنانية لا يمكن ان تكون خارج هذا السياق او هذه المسارات، لما تشكله من عمق اساس في تركيبة المحور الايراني، ومحط اهتمام امريكي لما يشكله دور حزب الله العسكري على الحدود الجنوبية ان كان في لبنان او سوريا من مصدر تهديد لامن اسرائيل، التي اكد الرئيس الاميركي جوزيف بادين مع بداية تسمله لمهامه الرئاسية التزامه الاستراتيجي بالحفاظ على هذا الامن واستقرار دولة اسرائيل.

دعوة نصرالله للحريري لتدوير الزوايا في الملف الحكومي تصب في إطار تفرغ الحزب لمراقبة التطورات الاقليمية والنصاب الذي سترسو عليه معادلة الاوزان في الاقليم!

من هنا فان دعوة السيد نصرالله لرئيس الوزراء المكلف الى تدوير الزوايا في موضوع التشكيل ومراعاة مطالب الافرقاء الاخرين، يصب في اطار اغلاق بعض ملفات الانشغال السياسي لدى قيادة الحزب من اجل التفرغ لمراقبة التطورات الاقليمية والنصاب الذي سترسو عليه معادلة الاوزان في الاقليم وحجم اللاعبين فيه. خاصة وان مسألة مراعاة الاخرين تنسجم مع المبدأ الذي تم تكريسه فيما يتعلق بحصة المكوّن الشيعي في اي تشكيلة قد تبصر النور. وهي دعوة تتساوق مع التوتر الذي يعيشه حلفاء الحزب في التيار الوطني الحر، الذي يرفع شعار الدفاع عن حصة ودور المكون المسيحي الماروني في تركيبة السلطة من بوابة الصلاحيات الدستورية واستعادتها وانقاذها من براثن المكوّن السني وموقعه التمثيلي في رئاسة الحكومة.

نصرالله وحليفه “البرتقالي”

التوتر الذي يعيشه فريق التيار الوطني الحر، وصل الى مستوى انه لم يعد يراعي شروط التحالف مع شريكه حزب الله، ما جعله يصوّب على الحزب ودوره تارة من بوابة وجوب اعادة النظر في اتفاق مارمخايل الموقع بينهما، وتارة اخرى من بوابة اتهامه بالطعن بالظهر وتركه وحيدا في ما يسميه معركة محاربة الفساد، الامر الذي استدعى من امين عام الحزب التدخل في اكثر من مرة من اجل تهدئة شارعه الحزبي والمؤيد له وضبط ردود افعاله في مواجهة هذه “الاستفزازات” التيارية، وايضا من اجل الابقاء على هذا التحالف قائما ومتماسكاً بما يخفّف عنه اعباء انكشافه في مواجهة الاخرين على الساحة الداخلية، خصوصا في هذه المرحلة المصيرية في رسم المعادلات الاقليمية.

ما كشفه كلام نصرالله من اختلاف في وجهات نظر بين حزبه وحليفه “الوطني الحر” كان بمثابة تظهير لحجم التوتر القائم بين الطرفين!

ما كشفه كلام نصرالله من اختلاف في وجهات نظر بين حزبه وحليفه التيار الوطني الحر، كان بمثابة تظهير لحجم التوتر القائم بين الطرفين، امام كل موقف يعلنه رئيس التيار جبران باسيل حول السياسات التي تحكم علاقته بالحزب وقيادته، بات نصرالله مضطرا للتصدي مباشرة وشخصيا لضبط الايقاع ومنع انفجار الامور او ذهابها نحو الانهيار في العلاقة، بحيث بات الشعور المسيطر داخل اوساط الحزب بانهم يتعرضون لسياسة ابتزاز، يمارسها التيار للحصول من الحزب على دعم لمواقفه التي اصبحت تشكل عبئاً عليه، وعلى حيثيته الشعبية وتضعف موقفه في مواجهة خصومه في المعسكر الاخر.

لا شك ان الخطاب الاخير لامين عام حزب الله كان بمثابة اعلان خارطة طريق الحزب في تعامله مع الملفات الداخلية والخارجية، من مسألة التدويل والحكومة وما يواجهه من اتهامات، مرورا بالمواجهة مع اسرائيل، وصولا الى الملفات الاقليمية، ويبدو انه اسمع جميع الاطراف الرسالة التي يريد ايصالها، الا ان الرسالة الاهم، تلك التي وجهها لحليفه التيار الوطني، بانه قد لا يكون قادرا على معالجة الامور وضبطها اذا استمر التيار وقيادته في استفزازه، وان ما قدمه له من دعم لموقفه في موضوع تشكيل الحكومة قد لا يكون نابعا عن قناعة لدى الحزب، بل لضرورات المرحلة وحاجة الحزب للدور الذي يقوم به التيار، في معركة الصلاحيات مع موقع رئاسة الحكومة، وهي معركة اذا استطاع التيار تحقيق نتائج فيها، فسيكون مدينا له في ذلك، وبالتالي سيكون احد ابرز المستفيدين في توظيفها، خصوصا وانه لن يكون من السهل على التيار ترجمتها لصالحه بالكامل، اذ سيكون عليه مواجهة منافسيه من داخل الفريق المسيحي الذين لن يسمحوا له بتحقيق غلبة واضحة عليهم، واذا فشل في هذه المعركة فسيكون اكثر حاجة لحليفه الشيعي القادر على احتضانه وصدّ الهجمات عنه وعليه.

السابق
تيم حسن ووفاء الكيلاني قبلة تعيد الصفاء وتثير التفاعل
التالي
بانتظار وصول لقاح «كورونا» لأكبر عدد من المواطنين.. الاصابات كما الوفيات ترتفع في لبنان