حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هذا ما جنته يدا ظريف!

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا شيء يشبه ازمة وزير الخارجية الايرانية وكبير المفاوضين في الملف النووي محمد جواد ظريف، سوى ازمة المواطنين الفلسطينيين مع قوات الاحتلال الاسرائيلي، التي تمارس اقسى انواع الارهاب بحقهم عندما تتذرع بعدم شرعية اي بناء، خصوصا في محيط مدينة القدس وتجبر اصحابه على تدميره وهدمه وتحمل كلفة ذلك او تقوم هي بالامر وترسل لهم فاتورة الكلفة تحت تهديد الملاحقة القانونية والمحاكمة في حال التخلف عن الدفع.

ظريف الذي كان عارما بالتفاؤل مع دخول جوزيف بايدن كرئيس امريكي جديد الى البيت الابيض، وقد انشدت عيناه الى الطاولة الرئاسية التي وضع عليها اكثر من 17 ملفا، تشكل الدفعة الاولى من حزمة القرارات الادارية التي اعلن بايدن انه سيوقع عليها، ويبطل فيها سلسلة من قرارات كان قد اتخذها الرئيس السابق دونالد ترمب.

ظريف كان يتوقع، حسب ما اشار في اكثر من لقاء صحفي مع وسائل اعلام امريكية وغربية وحتى ايرانية، ان العودة الامريكية الى الاتفاق النووي واعادة تفعيل الالتزامات الايرانية بهذا الاتفاق لا تتطلب من الرئيس الامريكي الجديد سوى التوقيع على قرارات ادارية تلغي مفعول القرارات التي سبق لترمب ان اتخذها بعد الانسحاب من الاتفاق النووي، وان هذه الخطوة تمهد الطريق لعودة جميع الاطراف الى طاولة المفاوضات وفتح باب الحوار حول مختلف المسائل العالقة بين كل الاطراف.

خيبة ظريف لم تكن محصورة في موقف الرئيس بايدن بعدم اتخاذ هذه الخطوة، بل ايضا زاد من تفاقمها التشدد والتصعيد الذي لجأ اليه المرشد الاعلى للنظام، عندما رفع سقف الشروط على اي عملية تفاوض مستقبلية او حتى حوار تمهيدي يساعد على تذليل العوائق امام اعادة تفعيل العمل بالاتفاق النووي، عندما اسقط جميع هذه الاحتمالات قبل قيام الولايات المتحدة بخطوة مركبة تتمثل في الغاء جميع العقوبات التي اعاد فرضها ترمب، وتطبيق البنود المتعلقة برفع العقوبات التي تضمنها الاتفاق النووي وقرار مجلس الامن رقم 2231 بشكل عملي، وان يكون لطهران الحق في التهمل في التراجع عن خطوات تقليص التزاماتها في تخصيب اليورانيوم وانشطتها في المنشآت النووية، لحين التأكد من التنفيذ العملي لرفع العقوبات امريكيا واوروبيا.

لا شيء يشبه ازمة كبير المفاوضين في الملف النووي محمد جواد ظريف سوى ازمة المواطنين الفلسطينيين مع قوات الاحتلال الاسرائيلي!

ظريف الذي قال في مقابلة مع صحيفة “اعتماد” الاصلاحية بتاريخ 24 من كانون الثاني/ يناير 2021 انه بصفته “منفذا لسياسات النظام، فانه ملزم ومن واجبه ان يدافع عن سياساته وقراراته، وقد حدث ان دافع عن قرارات لم يكن على قناعة بها انطلاقا من واجبه في تنفيذ سياسات النظام الخارجية “. يبدو ظريف  في هذه المرحلة انه يقف في خانة الاجبار ايضا للقيام بهذا الواجب والدفاع عن قرارات النظام التصعيدية.

وعلى الرغم من وجود شبه اتفاق بين العواصم الشريكة بالاتفاق النووي، حول ضرورة قيام واشنطن بالخطوة الاولى باتجاه عودة المياه الى مجاريها حول البرنامج النووي، والتواطئ شبه التام بينها على تأجيل البحث حول الملفين الصاروخي والنفوذ الاقليمي الى مرحلة لاحقة، تأتي مباشرة بعد اعادة بناء الثقة بين الطرفين الامريكي والايراني، الا ان الخيارات امام ظريف ومعه رئيس الجمهورية التي يمثل الحكومة والسلطة التنفيذية للمناورة باتت ضيقة، فهو من باب التمسك بالاتفاق وضرورة التوصل الى نقاط مشتركة تعيد فتح باب الحوار وعودة الامور الى ما قبل يونيو 2018، رفع الصوت عاليا محذرا من ان “نوافذ الحلول” اقتربت من “الانغلاق”.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «النسخة المنقحة» من سيناريو اللقاء الامريكي الايراني

وبالتالي فان الخطوات الايرانية التالية بعد تاريخ الواحد والعشرين من الشهر الجاري (21 شباط)، ستكون مفصلية في مصير الاتفاق الذي سيدخل مرحلة اكثر تعقيدا في ظل الحديث عن مستويات مرتفعة من تخصيب اليورانيوم، الذي يفتح الطريق سريعا امام الوصول الى المستويات العسكرية.

ظريف الذي يحاول الحفاظ على الانجاز الاهم للنظام الايراني على الصعيد الدولي، وما حققه من اعتراف اممي بشرعية البرنامج النووي وما فيه من محددات، يبدو انه يصطدم بجداري التشدد والتصلب الذي تمارسه الادارة الامريكية من ناحية، والسقف المرتفع الذي وضعه المرشد الاعلى من ناحية اخرى.

ظريف يصطدم بالتصلب الاميركي والسقف المرتفع الذي وضعه خامنئي في الملف النووي

فالرهانات التي عقدها مع بداية اتضاح الصورة التي ستكون عليها الدبلوماسية الامريكية وعودة الاشخاص الذين كان لهم دور كبير في صياغة الاتفاق الى مواقع القرار، بدأت تتحول الى سراب، وان ما كشفه وزير الخارجية القطري عبدالرحمن آل ثاني من وجود حوارات سرية مباشرة وغير مباشرة بين الطرفين، لم تعد مجدية.

لانه في ازاء التمسك الامريكي بشرط عودة طهران عن الخطوات التي قامت بها في البرنامج النووي، من دون اي اشارة الى نيتها رفع العقوبات التي فرضها ترمب سريعا او كليا في مرحلة لاحقة، فان كل الاقتراحات التي اعلن عنها لايجاد مخرج لازمة الخطوة الاولى والتزامن في الاجراءات بين واشنطن وطهران انتهت.

وسيكون عليه في الايام المقبلة تحمل مسؤولية الدفاع عن الاجراءات التي سبق ان عارضها مع رئيسه روحاني وتضمنها القانون الذي اصدره البرلمان تحت مسمى “استراتيجية رفع العقوبات”.

وسيكون امام تحدي الالتفاف على اي تصعيد دولي سيبرز بعد الانتقال الى خطوة وقع العمل ببروتوكول التفتيش المباغب، والحد من عمل مفتشي الوكالة الدولية وتقليل عديدهم، وهي خطوة قد تعقد عملية الاعتماد على حلفاء دوليين كالشريك الروسي الذي يدعم الموقف الايراني في الاتفاق النووي، لكنه في المقابل لا يمكن ان يوافق او يقبل اي خطوة باتجاه عسكرة البرنامج كغيره من الدول الشريكة في الاتفاق  خاصة بعد تسريب معلومات عن تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية يتحدث عن انتاج ايران لـ”معدن اليورانيوم”.

ان يكون ظريف بموقف المجبر للدفاع عن اي خطوة لتقليص الالتزامات النووية للنظام، بناء على القانون الذي اصدره البرلمان في نوفمبر الماضي، يعني انه يشبه ذاك الفلسطيني الذي انفق عمره ومدخراته وتحمل الاعباء والمصاعب لبناء بيت يأويه واهله، ثم تأتي المحكمة الاسرائيلية وتجبره على هدمه وتحمل كلفة الهدم تحت طائلة العقاب والملاحقة، وبالتالي العودة الى نقطة الصفر التي لا تضمن له الحفاظ على ما سبق ان حققه ولا حتى استعادته اذا ما خسره.

السابق
بعد الإدعاء عليه غيابياً بالقتل..مطالبة قضائية بإسترداد زوج زينة كنجو!
التالي
بالصور: طرابلس تودع لقمان سليم..صوته اقوى من الكواتم!