حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: «النسخة المنقحة» من سيناريو اللقاء الامريكي الايراني

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لا شك ان منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزبي موريل، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب منسق اللجنة المشتركة للاشراف على حسن تطبيق الاتفاق النووي بين السداسية الدولية وايران، قد تلقف الرسالة التي بعثها وزير الخارجية الايرانية محمد جواد ظريف خلال اللقاء التلفزيوني الذي اجراه مع محطة “السي ان ان” الامريكية قبل ايام، والتي تحدثت عن خطوات متزامنة ايرانية وامريكية للخروج من حالة الانسداد القائمة، نتيجة الشروط والشروط المقابلة حول الخطوة الاولى لاي من الطرفين لاطلاق عملية الحوار من جديد.

المؤشر الدال على رغبة “بوريل” للعب دور الوسيط بين الطرفين الامريكي والايراني جاءت سريعة، عندما وصف المواقف التي اعلنها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بانها لا تمثل موقف دول الاتحاد الاوروبي، فيما يتعلق بالشروط التي طرحها ماكرون حول توسيع الدول المشاركة في الاتفاق النووي لتشمل بعض الدول العربية، وضرورة ادراج الملفين الصاروخي والنفوذ الاقليمي الايرانيين في اي مباحثات مقبلة، ومن المتوقع ان تبدأ الخطوات العملية لترجمة هذا التطور والاشارات الايجابية قبل تاريخ الواحد والعشرين من هذا الشهر (شباط 2021) ، قبل دخول خطوة تقليص التزامات ايران بعمليات التفتيش المباغت التي جاءت في القانون الذي اقره البرلمان الايراني في نوفبر 2020، والذي الزم الحكومة بوقف التعاون مع مفتشي الوكالة الدولية، التي سبق ان وافقت عليها في اطار تطبيقها “الطوعي” لبروتوكول التفتيش المباغت لمنشآتها النووية، او التي يشك مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية بامكانية استخدامها لاهداف نووية.

إقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: هل تدس إيران السم في عسل العرب؟!

من هنا يمكن التوقع ان تصدر الخطوة الاولى من قبل الدبلوماسي الاوروبي بوريل، من خلال الدعوة لعقد اجتماع للجنة المتابعة المعنية بالاشراف على تطبيق الاتفاق النووي، التي تشارك فيها الدول الست الراعية للاتفاق الى جانب ايران، وهي اللجنة التي عقدت اجتماعاتها في السنتين الاخريتين من دون مشاركة امريكية وعلى قاعدة الخماسية (4+1) في العاصمة الفرنسية ، بعد قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق في مايو 2018، وهي اجتماعات يشارك على المستوى السياسي فيها مساعدو وزراء خارجية هذه البلدان، واذا ما دعت الضرورة، كما حدث بعد انسحاب ترمب من الاتفاق تعقد على مستوى وزراء الخارجية.

من غير المستبعد ان نكون امام مشهدية امريكية ايرانية طاغية

ومن غير المستبعد ان نكون امام مشهدية امريكية ايرانية طاغية، اذا ما تمت الدعوة لمثل هذا الاجتماع، وان نشاهد مساعدة وزير الخارجية الامريكية السيدة وندي تشرمن، وهي تسير الى جانب مبعوث الرئيس للشؤون الايرانية روبرت مالي، وهي تدخل الى غرفة اجتماع لجنة المتابعة ويستقبلها هناك مساعد وزير الخارجية الايرانية عباس عراقتشي بكل ترحيب، خصوصا وانهما سبق لهما ان جلسا وجها لوجه على مدى ثلاث سنوات من المفاوضات التي انتهت بتوقيع الاتفاق في 14 تموز/يوليو 2015 في جنيف.

هذه المشهدية تستدعي من الذاكرة مشهدية مشابهة حدثت في مدينة جنيف في 19 تموز/يوليو 2008، عندما تسلل وليم بيرنز مساعدة وزيرة الخارجية الامريكية كونداليسا ( رئيس جهاز اللاستخبارات حاليا) بصمت ، ليشارك لأول مرة بشكل مباشر في جلسة التفاوض بين كبير المفاوضين الايرانيين ، وامين عام المجلس الاعلى للامن القومي سعيد جليلي، مع منسق العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي حينها خافيير سولانا وممثلين عن الصين وروسيا وفرنسا والمانيا وبريطانيا، والذي اسس لما بات يعرف لاحقا بالسداسية الدولية، ثم انتقلت بعد انقطاع في الاول من اكتوبر/تشرين ثاني 2009 الى لقاء ثنائي بين بيرنز ونظيره الايراني وانتهى الى تبادل معتقلين لدى الطرفين، وهو الاجتماع الذي اسس لمسار من التفاوض ، بعيدا عن الاضواء وخلف الكواليس بين الطرفين مباشرة اعرب جليلي حينها ان امله بعدم حصول انقطاع في التواصل بين الطرفين في المرحلة المقبلة، ما ادى الى تطور الامر الى مفاوضات سرية استقبلتها سلطنة عمان وقادها بيرنز عن امريكا وفريق متنوع شارك فيه عراقتشي وعلي اكبر صالحي عن ايران، وهي المفاوضات التي انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، حيث شهدت شوارع وضفاف بحيرة جنيف جولات سيارة لوزيري خارجية امريكا جون كيري والايرانية محمد جواد ظريف ، جرى فيها التفاهم على الكثير من الامور في العلاقة الثنائية وتنسيق المواقف بين الطرفين بعيدا عن مسمع ومشاركة الاعضاء الاخرين.

وقد لا يكون غريبا ان يختم وزير الخارجية الامريكي الجديد انتوني بلينكن كلامه، عن تسارع قدرة ايران على امتلاك مخزون نووي يمكنها الانتقال الى المجال العسكري، بالحديث عن ضرورة ان تسبق اي خطوة حوارية عملية تبادل للمعتقلين بين الطرفين. لان هذه الخطوة سبقت اي تقارب او بدايات حوار ايراني امريكي، تستخدمه واشنطن كطعم لايران للحصول منها على تنازلات واضحة مقابل تخفيف الضغط في موضوع حقوق الانسان، فيما تعمد طهران بالمقابل الى التنازل عن انجاز نووي سبق ان استخدمته للوصول الى طاولة المفاوضات، كما حدث عن تخلت عام 2009 عن كل مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة 3.65% وشحنته الى فرنسا وروسيا، وعلقت من دون اعلان انشطتها في التخصيب كمبادرة لتعزيز الثقة بنواياها الجدية في التفاوض.

المطلوب من طهران بعد عودة واشنطن عن قرار انسحابها من الاتفاق هو الالتزام بفتح مسار تفاوضي جديد وجدي حول البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي

الا ان هذه المرة، قد لا تقف الخطوات التنازلية الايرانية على مخزون اليورانيوم بدرجة 20%، الذي اعلنت استعدادها للتخلي عنه والعودة الى الحدود التي سبق للاتفاق النووي ان رسمها عام 2015، وتصدير ما انتجته الى الخارج وتحديدا باتجاه الولايات المتحدة الامريكية، بل المطلوب من طهران بعد عودة واشنطن عن قرار انسحابها من الاتفاق والحد من العقوبات المفروضة، هو الالتزام بفتح مسار تفاوضي جديد وجدي حول البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، وان تبدأ قبل اي خطوة امريكية اياً كان نوعها، باعتماد آليات تسهيل في الملفات الاقليمية بما يساعد في وضعها على سكة الحلول المطلوبة، بحيث تعيد التوازن بين القوى الاقليمية على هذه الساحات ويخفف من قلق ومخاوف الشركاء الاقليميين من الطموحات التوسعية الايرانية، ان كان في اليمن او العراق او سوريا او لبنان. وقد تكون قد بدأت مؤشرات ما قد تسميه طهران تعاونا ايجابيا على هذه الساحات بمستويات مختلفة، من المفترض ان تؤسس لمستوى متقدم من التعاون في المرحلة المقبلة.

السابق
بالفيديو.. العلّامة الأمين ينعي سليم «الرافض لهيمنة السلاح»: لن ترهبنا الرصاصات الغادرة
التالي
التفاوض الحدودي يترنح تحت وطأة خرائط إسرائيل ويورانيوم طهران!