هل تنجح فرنسا في إحياء «بوليصة التأمين» الدولية للبنان؟

عون - الحريري

لم يكن أدلّ على الواقع «الهستيري» الذي بات لبنان يتخبّط فيه، من «التعايش» غير المسبوق الذي صار قائماً بين التشابُك العضوي لأزماته بالوقائع اللاهبة في المنطقة ومآلاتها، وبين «الانفصال» عن المحاولات الخارجية المتجددة لتفعيل «بوليصة تأمين» لـ «بلاد الأرز» على قاعدة توفير «جاذبة مصالح» لقوى إقليمية ودولية تُفْضي إلى تقاطعاتٍ تسمح بمعاودة صوغ «مظلة أمان» توقف المسار المتسارع نحو الارتطام الكبير.

ورغم أن هذه الخلاصة تعبّر، في رأي أوساط مطلعة، عن عدم نضوج خريطةِ طريقٍ «كاملة الغطاء» الاقليمي – الدولي لإخراج لبنان من الحفرة السحيقة، إلا أن انفلات «المكابح» في المطاحنة الدائرة داخلياً بين رئيس الجمهورية ميشال عون وبين الرئيس المكلف سعد الحريري، عزّزت القلق المتعاظم من أن تكون علاقتهما بلغت نقطة اللاعودة، ولا سيما في ضوء الجولة الجديدة من «حرب البيانات» التي استعرت في الساعات الماضية منذرة بتدمير أي جسورٍ يُراهن عليها في المدى المنظور لتحقيق اختراق بالمأزق الحكومي الذي صار يستجرّ مخاطر أمنية مرتفعة عبّرت عنها أحداث طرابلس التي لم تتأخّر باستثارة حساسيات طائفية أضيفت للأبعاد السياسية التي أُعطيت لها.

إقرأ ايضاً: الخلافات تنخر بلديات «الثنائي»..وفضيحة إخفاء «الوفيات الكورونية» تُقلق اللبنانيين!

ولم يكن ممكناً في السياق الخارجي للوضع اللبناني إلا التوقف عند الكلام البارز للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي عاود وبقوة وضْع مبادرته حيال أزمة لبنان على الطاولة بوصفها «الوحيدة التي تسمح بالتقدم نحو حل»، مؤكداً أنه سيقوم بزيارته الثالثة لبيروت «بعد التحقق من أمور أساسية، وسنفعل كل شيء لتشكيل حكومة في لبنان حتى لو كانت غير مكتملة المواصفات».

وأوضح في حديث لقناة «العربية»، أن «النظام اللبناني في مأزق بسبب الحلف الشيطاني بين الفساد والترهيب»، مشددا على أن «المبادرة الفرنسية هي الوحيدة التي تسمح بالتقدم نحو حل في لبنان».

انفلات «المكابح» في المطاحنة الدائرة داخلياً بين عون والحريري تعزز من فرضية أن تكون علاقتهما بلغت نقطة اللاعودة!

وأكد ماكرون، الذي هاتف عون، بعد ظهر أمس، ان «خارطة الطريق الفرنسية ما زالت على الطاولة ولا حلول غيرها».

وتابع ماكرون: «عاطفتي تذهب نحو شعب لبنان، أما قادته فلا يستحقون بلدهم… لبنان نموذج تعددي في منطقة عصف بها الجنون. شعب لبنان رائع وقدم في الخارج نجاحات فكرية وثقافية غير مسبوقة».

وفي موازاة الجانب اللبناني من كلام ماكرون، فإن الأوساط المطلعة استوقفها حرصه على إطلاق إشارات تشدُّد حيال التفاوض مع إيران، مؤكداً وجوب «التوصل إقليمياً لعقد من الثقة مع السعودية ويجب ضمّها إلى أي اتفاق مع إيران وعدم ارتكاب خطأ 2015 عندما استبعد الاتفاق النووي القوى الإقليمية».

وفي موازاة «البازل» الذي تسعى باريس لتركيبه كمنطلقٍ لضخّ دينامية في مبادرتها اللبنانية، يشتدّ «التقاصف» على جبهة عون – الحريري ببيانات من «العيار الثقيل»، في مكاسرةٍ «شخصية» وسياسية.

تراشق عنيف

وبدأت الجولة الجديدة من التراشق العنيف على هذه الجبهة مع تجديد رئيس الجمهورية في حديث صحافي رفْضه تشكيلة الـ 18 التي كان الرئيس المكلف سلّمه إياها محدداً منطلقاً لأي بحث جديد هو حكومة من 20 وجازماً «بالمختصر بالمفيد» بأنه «لن تكون هناك حكومة تناقض الشراكة والميثاقية»، قبل أن يردّ زعيم «المستقبل» بتأكيد «ليس سعد الحريري من يفرّط بحقوق المسيحيين، وإلا لما كان العماد ميشال عون في موقع رئاسة الجمهورية الآن»، غامزاً من محاولة «لتنظيم اشتباك إسلامي – مسيحي» لتعبيد طريق رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل «للإرث السياسي».

وارتفع أمس منسوب السجال لمستويات غير مسبوقة مع هجوم ناري شنّه «التيار الحر» على الحريري، متهماً إياه بأنه «غارق بمآزق وتشابكات سياسية محلية وإقليمية وانتظارات دولية»، ومستغرباً منطق «تربيح الجميلة» بالحرص على حقوق المسيحيين، مذكراً «من يدّعي ذلك أنه مع حلفائه غيّب الشراكة في الحكومات منذ مطلع التسعينات لغاية 2008».

ولم يقلّ ردّ «تيار المستقبل» عنفاً مذكّراً اللبنانيين «بالجهة السياسية التي اقتحمت بكركي (نوفمبر 1989) يوماً ووجهت أكبر إهانة لرمز المسيحيين في لبنان (البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير)»، سائلاً لماذا لا يوقّع عون «التشكيلة الحكومية الموجودة على مكتبه منذ أكثر من 50 يوماً بدل احتجازها»، ومعلناً «اننا في زمن العهد القوي جداً في التعطيل والعرقلة والتسلق فوق حقوق الطائفة للانقلاب على اتفاق الطائف».

“المستقبل” سأل عون لماذا لم يوقع التشكيلة الحكومية الموجودة على مكتبه منذ أكثر من 50 يوماً بدل احتجازها؟

وجاء هذا الصخب على وقع ما يشبه احتواء «حريق طرابلس» الذي استمر لأيام وتُوّج ليل الخميس بإضرام النار في مبنى بلدية طرابلس الأثري التاريخي، وسط أعمال شغب أدت لأضرار في سرايا طرابلس والممتلكات العامة والخاصة، ما استدعى رفع الصوت ضد التلكؤ الأمني عن وقف ما يحصل، وسط الخشية من معاودة استثمار هذا الفتيل الذي لم ينطفئ بالكامل مع استمرار بعض التحركات في عاصمة الشمال ومناطق أخرى، خصوصاً في ظل تبادُل الاتهامات الذي لم ينته حول خلفيات سياسية وراء هذه «الهبة الساخنة» تتصل بمعركة «مَن يصرخ أولاً» في الملف الحكومي.

السابق
الخلافات تنخر بلديات «الثنائي»..وفضيحة إخفاء «الوفيات الكورونية» تُقلق اللبنانيين!
التالي
إحباط محاولة لإقحام طرابلس في الفوضى بهدف إسقاط تكليف الحريري!