مقتطفات من فكر الامام شمس الدين: «الطائف» مسؤولية المسلمين والمسيحيين.. و«حزب الله» لا يستقيم خارجه

الشيخ محمد مهدي شمس الدين
مرّ عقدان من الزمن مذ أسلم الامام الشيخ محمد مهدي شمس الدين روحه الى باريها، وهو الذي تسلّم ناصية المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى بعد التغييب القسري لرئيسه الأول الامام السيّد موسى الصدر، في اصعب وقت كان يمر به الوطن نهاية السبعينات من القرن الفائت، فكان عالقا بين خطر الاحتلال الاسرائيلي وخطر الفتنة في الداخل، وقد اختار الامام شمس الدين ان يكون "حارس الصيغة اللبنانية الجديدة" اثر توقيع اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية.

مسؤولية المسلمين اللبنانيين في نجاح أو فشل صيغة الطائف

من أقوال الإمام شمس الدين في احدى القمم الروحية التي كانت تُعقد دوريا وتجمع رؤساء الطوائف الروحيين: ” ان صيغة لبنان تحتاج الى حراس مجتمع والقمة الروحية اللبنانية هي من الحراس”.

ويضيف الامام شارحا “إن المحنة التي خرجنا منها بعون الله، محنة الفتنة والتنابذ والشتات، كانت دليلاً على فشل صيغة 1920 ومن بعدها صيغة 1943، لأن القيّمين عليها فشلوا في إدارتها. لقد فشل المسيحيون، والموارنة منهم بوجه خاص، في جعل تلك الصيغة قابلة للتطور ومسايرة للتغيرات التي طرأت على لبنان ومحيطه وعلى العالم طيلة ما يقرب من نصف قرن. وكانت المأساة التي يحمل المسلمون جزءاً من مسؤوليتها، ولكن المسيحيين يحملون الجزء الأكبر”.

وعن اتفاق الطائف ومسؤولية انجاحه يقول ” ان نجاح هذه الصيغة الجديدة هي مسؤولية المسلمين وليس مسؤولية المسيحيين. من هنا قلنا ونكرر، وسنظل نكرر، أن طريقة المسلمين في المشاركة في عملية الحكم والإدارة وفي الخطاب السياسي وفي الخطاب التعبوي يجب أن تأخذ في الاعتبار هذا الامتحان”.

إقرأ أيضاً: للمرة الأولى وفي ذكراه العشرين..«جنوبية» ينفرد بنشر «وصايا» الإمام شمس الدين بصوته عشية رحيله

ويخلص الامام الى القول “مثلما فشل لبنان في أن يكون مسيحياً له وجه عربي أو إسلامي، سيفشل في أن يكون مسلماً له وجه مسيحي أو أوروبي” .و”لن يكون لبنان مسيحياً ذا وجه عربي أو إسلامي، ولن يكون إسلامياً ذا وجه مسيحي أو أوروبي. لبنان هو لبنان.هويّته تتكوّن من تنوعه“.

وفي تأكيد منه على التمسك باتفاق الطائف حتى النهاية يؤكد الامام شمس الدين ” ان اُسلوب التحريض والتكفير مرفوض ابتداع صيغة جديدة غير الطائف مرفوض“.

حزب الله والمشروع الإسلامي

كان للامام شمس الدين رحمه الله موقف صارم من نشاط الحركات الاسلامية في لبنان حفاظا على تنوعه ، وهو لذلك سارع الى تقديم نظريته “ولاية الأمة على نفسها” مقابل نظرية ولاية الفقيه التي تبناها حزب الله وبدأ ينشرها في لبنان مطلع الثمانينات من القرن الفائت بعد انتصار ثورة الامام الخميني في ايران.

وبرأي الامام شمس الدين ان “العالم الديني بحسب طبيعة عمله لا يمكن أن يتأطر بحزب، وإلا لن يكون عالم أمة وسيكون عالم حزب وأعتقد أن توعية كل مجتمع خارج أطر التنظيم الحزبي لطبيعة الإسلام وأسلوب التدرج والدعوة بالحسنى وأسلوب الحوار، سيخلق قوة ضاغطة داخل المجتمع على حركاته الإسلامية أو غير الإسلامية بحيث يعبر المجتمع عن عدم ارتياحه، وعدم موافقته على أسلوب العنف. ولا أنصح أبداً علماء الدين أن يأخذوا الجانب التحريضي، لأن هذا سيعزلهم ويجعل تأثيرهم شبه معدوم أو معدوم فعلاً. فالأسلوب التحريضي، وأسلوب نزع الشرعية، وأسلوب التكفير، هو نفس الخطأ الذي ترتكبه الحركات الإسلامية“.

وعن  دور حزب الله المستقبلي ومشروعه الديني داخل لبنان يؤكد الإمام ان “لا مكان لأي مشروع إسلامي بالمعنى التنظيمي، والحزب كمؤسسة ثقافية مقبول حيث سيعلم الناس الصلاة والقرآن والعقائد، أما من الناحية السياسية، فحزب الله هو تعبير عن مجموعة من الناس، وفي نظامنا من حقهم أن يعبروا عن أنفسهم، لكن أن يعبروا عن أنفسهم باعتبارهم جماعة سياسية تستعمل الخطاب والأسلوب السياسي، وأكثر من هذا لا يمكن أن نوافق على الإطلاق“.

ويحصر الامام شمس الدين عمل حزب الله السياسي داخل صيغة الطائف اذا أصرّ الحزب على العمل السياسي، وذلك  لأن “اللبنانيين توافقوا على تكوين وتنفيذ مشروع دولة وفقاً للصيغة الدستورية القائمة فعلاً والتي هي تعبير عن اتفاق الطائف، ومن يرد أن يعمل ضمن هذا المشروع فليتفضل سواء كان حزب الله أو أي حزب آخر. وفي لبنان لا مجال لأي طرح يتناول أصل تكوين الصيغة. فالصيغة هي هذه، والذي يريد أن يغنيها، والذي يريد أن يرشدها، والذي يريد أن يحصّنها، فنحن في غاية الشكر والامتنان ونفسح المجال للعمل فيها، أما العمل لابتداع صيغة جديدة فهذا الأمر مرفوض“.

(المقتطفات: من كتاب “لبنان الكيان والمعنى” صادر عن مؤسسة الامام شمس الدين للحوار) منشور عام ٢٠٠٥

السابق
اعتراض حافلة للجيش في بعلبك وسلب العسكر بقوّة السلاح.. ما الحقيقة؟
التالي
رقم مُخيف بعدّاد اصابات «كورونا».. ماذا عن الوفيّات؟