كانت مؤسسة القرض الحسن التي تعتبر حالياً القوة الاقتصادية الأولى لحزب الله في لبنان، كانت عندما بدأت بأولى فروعها في بيروت حينما تم تأسسيها سنة 1987، واحدة من مؤسسات ” جمعية التعاون الإسلامي ” التي أوجدها الشيخ محمد إسماعيل خليق الإيراني الجنسية والمتزوج من لبنانية مولودة من أم من أصول مسيحية ، وهو الذي استوطن في لبنان منذ قرابة أربعة عقود من الزمن مع شقيقه الشيخ محمد حسن خليق، والأخير كان لفترة مسؤولاً عن ملفات طلاب علوم الدين الأجانب في إدارة ” السرپرستي ” المعروفة في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، وانتقل هذا الأخير إلى لبنان لمعاونة أخيه في إدارة المؤسسات، وكان يحضر درس المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله الفقهي والأصولي، ما لبث أن هجر لبنان ليستقر في دولة الكويت بعدما تعرض شقيقه الشيخ محمد إسماعيل لعدوان من حزب الله أدى للاستيلاء بالقوة على أكثر ممتلكاته وجميع مؤسساته الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والخيرية في حادثة مشهورة ..
إقرأ أيضاً: فضيحة «القرض الحسن» توقظ «الدولة النائمة»… لـ«حزب الله»!
والشيخان خليق كانا محسوبان على التيار الشيرازي المناهض للنظام الإيراني ولفكرة الولاية المطلقة للفقيه الواحد في إيران، وعمل الشيخ محمد اسماعيل في مكتب السيد حسن الشيرازي في بيروت الذي اغتالته مخابرات البعث العراقي في محلة الرملة البيضا عام 1980، ولكن الشيخان استطاعا تحويل مسار عملهما للعمل بوكالة الشيخ حسين علي منتظري المرجع المعارض للخمينية السياسية في مرحلة لاحقة بعدما كان خليفة للخميني ولكنه ترك الخلافة واختار طريقاً آخر أدى لفرض الإقامة الجبرية عليه لحين وفاته ..
الشيخ خليق صانع المؤسسات
ومن وكالة المنتظري انطلق الشيخ محمد إسماعيل بتأسيس مجموعة من المؤسسات في لبنان ، فعمل على ترخيص أنشطة جمعية التعاون الإسلامي هو وبعض الوجوه اللبنانية لتبدأ هذه الجمعية برعاية مشاريعه التي كانت تُموَّل من التبرعات والحقوق الشرعية ومساعدات المنتظري، وأغلب رأسمالها كان من اللبنانيين ومن الأرباح التي كانت تحققها مردودات مرافقها التجارية والاقتصادية ، فقد امتلكت ما كان يُعرف بمركز التعاون الإسلامي الذي كان مؤسسة تجارية مساهمة استهلاكية كبرى قبل حرب تموز 2006 ، ولكن تمت تصفيتها بعد الحرب بعدما تعرضت للدمار.
وامتلكت الجمعية مزرعة لتربية الدواجن، ومحطة للوقود، وكانت نواة مشاريعها حوزة معهد الرسول الأكرم للدراسات الإسلامية وحوزة السيدة فاطمة الزهراء النسوية، والعديد من المشاريع والمؤسسات الأخرى، حيث تعاظم رأسمالها في خمس عشرة سنة من عمرها بشكل ملحوظ لفت أنظار قيادة حزب الله التي كانت في تلك المرحلة لا تمتلك من تلك المؤسسات شيئاً، بل كان مسؤولوها وعناصرها الكبار يتقاسمون الفيء الإيراني والدعم الكبير المتواصل من ال Fresh Money بالدولار الأمريكي بلا حسيب ولا رقيب، حتى تعاظمت ثروات جميع المسؤولين والقيادات في الحزب بشكل واضح للعيان.
واستمرت جهود ومساعي الشيخ محمد إسماعيل خليق في تطوير ثروة جمعية التعاون الإسلامي مستقلاً عن حزب الله وقيادته والقرار الحزبي مما أثار حفيظة قيادة حزب الله تجاهه، إلى أن أبصرت النور مؤسسة القرض الحسن كظاهرة فريدة من نوعها بين المؤسسات المالية والنقدية في لبنان، والتي بدأت نشاطها باستقبال رؤوس أموال من داخل وخارج لبنان بحجة أنها تقرضها لقضاء حاجات الناس ودون نظام الفائدة المتبادلة المعتمد في البنوك الربوية ولكن واقع الحال لم يكن كذلك.
فقد سرَّب بعض الموظفين في البنوك التجارية الربوية وقتها أن رأس المال بالعملات الصعبة وغيرها الذي كان يجتمع في هذه المؤسسة كانت إدارة المؤسسة توظف جزءاً كبيراً منه في البنوك الربوية التجارية وتتقاضى عليه فوائد عالية، فالقضية كانت تحايلاً على الجمهور المتدين وغير المتدين لاستقطاب رأس المال.
خطف خليق وتنازل عن المؤسسات
وبقي الحال هكذا حتى استولى حزب الله على جميع مؤسسات الشيخ خليق عبر تنازل رسمي منتصف التسعينات من القرن الفائت، قالت بعض الروايات حينها انه تم عبر عملية خطف قامت بها مجموعة مُمَوَّهة للحزب وضعته في صندوق السيارة بالقوة، وتم اختطافه لأيام لم تعرف فيها عائلته وزوجته مكانه، فنشرت زوجته في جريدة السفير بلاغاً تطالب فيه الجهة الأمنية بكشف مصير زوجها ، وسُئل يومها المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله عن مكانه فقال : ” إنه عند ولاية الفقيه ، أنا لا أتدخل في هذه القضايا ” ، وبعد أيام تم الإفراج عن الشيخ خليق بعد إجباره على التنازل عن كل مؤسساته وأملاكه بالغصب والقوة في تصرف واضح الحرمة بكل المقاييس الشرعية والقانونية ! وسُمح له بالإبقاء على ملكيته لداره الذي تسكنه عائلته فقط ..
القرض الحسن الذي يعتبر القوة الاقتصادية الأولى لحزب الله الآن هو مؤسسة غصبية
فالقرض الحسن الذي يعتبر القوة الاقتصادية الأولى لحزب الله الآن هو مؤسسة غصبية اغتصبت من ممتلكات الشيخ محمد إسماعيل خليق بالقوة والقهر والغلبة ، لذلك – بحسب قول الفقهاء والعلماء العدول الأتقياء الورعين – يكون التعاطي معها والعمل فيها حراماً بموازين الفقه الإسلامي عموماً، والفقه الجعفري خصوصاً، وليست هذه هي المرة الأولى التي يغصب فيها حزب الله ملكيات خاصة في لبنان منذ نشأته، وسنأتي على ذكر أمثلة ونماذج أخرى في هذه السلسلة من الحديث إن شاء الله.
فحزب الله الذي يحارب الصهاينة لأنهم غصبوا أرض لبنان وحقوقه المائية والنفطية والغازية عند الحدود وغصبوا أرض فلسطين وسورية وسابقاً أرضاً من مصر والأردن، حزب الله الديني في الظاهر والإسلامي في الشعارات والشيعي في ظاهر المنطلقات والادعاءات، هذا الحزب يغتصب بدوره أملاك الشيخ محمد إسماعيل خليق الذي اضطره اضطهاد حزب الله له للمهاجرة إلى بلاد الغرب …
سيناريو حزب الله المتنقل
وذكر خبراء و متابعون أن حزب الله كان يخطط لسيناريو مشابه ومماثل بالنسبة لمؤسسات : ” جمعية المبرات الخيرية ” في حياة مؤسسها المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله يوم كان الخلاف بينهما على أشده عندما لم يكن المرجع فضل الله يعترف بقيادة ومرجعية السيد علي الحسيني الخامنئي، وذلك قبل أن تصالحهما القيادة الإيرانية وتفرض على قيادة الحزب الاجتماع بالمرجع فضل الله كل خمس عشرة يوم مرة على أثر تهديدات لمناصري المرجع فضل الله يومها بتأسيس حزب شيعي ثالث في لبنان والمنطقة تحت اسم” حزب العمل الإسلامي “، فبادر الإيرانيون لوقف الحرب على مؤسسات فضل الله وفرضوا على السيد حسن نصر الله والشيخ نعيم قاسم الاجتماع به كل خمس عشرة يوماً لاستيعابه وإيقاف فكرة الحزب الشيعي الثالث، والثلاثية الشيعية التي كانت سوف تنشأ بعد أمل وحزب الله.
القرض الحسن الحالي بدأ برأس مال مغصوب ومعتدى عليه وبمال حرام بالموازين الفقهية الشرعية
فالقرض الحسن الحالي بفروعه الثلاثين أو أكثر بحسب الخبراء والمتابعين بدأ برأس مال مغصوب ومعتدى عليه وبمال حرام بالموازين الفقهية الشرعية، لذلك يمكننا القول : إن القرض الحسن في لبنان هو مؤسسة مالية ونقدية غصبية. وللحديث بقية…