لبنان 2021..مئوية لا مئويتان!

الجيش الفرنسي في لبنان
انهيار لبنان في نهاية مئويته الاولى قطع الطريق على مئوية جديدة، في ظل انهيار المؤسسات الادارية والسياسية والعقم في اجتراح حلول للازمات المتناسلة والمتلاحقة. وهو الامر الذي ينبىء بالمزيد من الازمات والخضات واضمحلال لبنان الذي كان يعرفه اهله خلال مئة عام.

مر عام 2020 مثقلاً بالاحداث ومشحوناً بالتطورات في العالم ولبنان. الاخير لا يحتاج الى العرافة العمياء “بابا فانجا” وتنبوءاتها المأساوية لهذا العام واخيه الآتي خلال ساعات للاستدلال على واقع الحال المأزوم والمتشظي على السنة لهب ازمة اقتصادية ومالية ومعيشية غير مسبوقة خلال 100 عام على قيامه.

لبنان الذي كان يعرفه ابناؤه، إنتهى وتلاشت منظومة بلد المصارف والخدمات والسياحة والاصطياف والاشتاء الخليجي. وصار الكيان كيانات والوطن اوطاناً، ولم يعد فيه من مكان صالح لأن يكون لا “مرقد عنزة” ولا زاوية مطلة ينعق من فوهتها البوم.

مقومات دولة كانت واعدة!

مئة عام كانت كفيلة بتأسيس مقومات دولة، انهت في أعوامها الثلاثين الاولى الانتداب الفرنسي. وهذا الوطن نال في العام 1946 استقلالاً، كُتب له ان يُتوّج بمؤسسات ومقومات دولة مؤسسات حقيقة ارساها الرئيس فؤاد شهاب.

فترة الازدهار الشهابي ورغم وجود “المكتب الثاني” وانتقاده في مجال التضييق على حرية الاعلام والحريات العامة، لم يكتب لها الاستمرار طويلاً، حتى اتت الحرب الاهلية لتمعن في تدمير البلد ومقوماته بعد فترة ذهبية بين 1960 و1973 وهي التي اطلق فيها على بلد الارز، لقب “سويسرا” الشرق.

انجاز اتفاق في العام 1990 لم يكن انجازاً سياسياً بل ما حققه هو وقف اطلاق النار وازالة المتاريس من الشوارع

ومنذ العام 1975 وحتى العام 1990 لم يسلم لبنان من شتى صنوف التدخلات الخارجية والحروب منها الاسرائيلي والفلسطيني وحروب “لاخوة”، والمليشيات الاسلامية والمسيحية، والاسلامية – الاسلامية والمسيحية- الدرزية الخ.

انجاز اتفاق في العام 1990 لم يكن انجازاً بالمعنى السياسي بالكامل، بل ما حققه هو وقف اطلاق النار وازالة المتاريس من الشوارع.

إقرأ أيضاً: الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية (١٨): التظاهر أمام أبوابها يفتح «باب الإجتهاد» لا العناد!

ولكنه لم ينه شبح الحرب الاهلية وفقدان الثقة بين امراء الحرب الذين اوقفوا الرصاص والقذائف على بعضهم في الشوارع ، وابقوها في نفوسهم واذهانهم واستعملوها في السياسة ومجلس النواب والحكومات المتعاقبة، التي حكمت بوهج الوجود السوري، الذي امن الغطاء لنهب مقدرات الدولة ولنخر مؤسسات الدولة وافراغها من مضمونها وصولاً الى الاغتيالات، بدءاً من الرئيس الشهيد رفيق الحريري والعديد من الاغتيالات ومحاولات الاغتيال لنواب ووزراء وشخصيات في 14 آذار.

ووصولاً الى المحكمة الدولية وما تلاها من انقسامات وتطيير حكومات، وليس انتهاءاً بتدخل “حزب لله” في سوريا وما جره من ويلات على لبنان. وكان سبق تدخله حرب 2006 التي سببها اسر الجنديين الاسرائيليين ومن ثم قيامه باجتياح بيروت في 7 ايار 2008.

عدم الاستقرار السياسي والفساد والعقم في السياسات المالية والاقتصادية، اوصل البلد الى الافلاس، والى اعلان الشعب ثورته على هذه الطغمة الحاكمة في 17 تشرين الاول 2019، وهي ثورة اسقطت حكومتين، ولا تزال تضغط على هذه الطبقة السياسية التي تحاول التمديد لها بوجوه جديدة في حكومة جديدة بالاسم لا بالفعل.

اذا كان العام 1920 شهد ولادة “لبنان الكبير” وقسم العالم العربي بين فرنسا وبريطانيا فإن العام 2020 سجل استعادة نظام القطبين!

ومع نهاية العام الماضي، كان لبنان يترنح على وقع جائحة “كورونا” المستعرة والاقتصاد المنهار والترهل السياسي وفقدان الثقة بين الشعب والطبقة الحاكمة، ووصولاً الى التوجه لرفع الدعم عن المواد الاساسية والدواء، وهو ما سيؤدي الى كارثة اجتماعية وثورة نارية جديدة بعد ان سرقت هذه الطبقة الوادئع وتجهز على ما تقبى منها لاسكات الشعب وتخذيره اجتماعياً ومعيشياً.

تراجع ايران و”حزب الله”!

وإذا كان العام 1920 شهد ولادة “لبنان الكبير”، وكرس انتهاء حقبة الانتداب العثماني واعاد تقسيم العالم العربي والشرق الاوسط بين فرنسا وبريطانيا، فإن العام 2020، سجل استعادة نظام القطبين العالميين اميركا وروسيا.

و”الدولتان العظيمتان” تتقاسمان النفوذ في الشرق الاوسط من سوريا الى البلقان، في حين يُسجل افول واضح للمد الاسلامي “الاخواني”، او الاسلام السياسي بالاضافة الى بدء العد العكس لانتهاء مفاعيل ثورة الامام الخميني في العام 1979، وفي عقدها الرابع مع وصول ايران “الثورة” الى الحائط المسدود، وتخبط خياراتها ودفعها فاتورة باهظة على المستوى الاقتصادي والمالي والشعبي والمعيشي.

بيروت القديمة في العام 1955
بيروت القديمة في العام 1955

ومع استمرار الحصار الاميركي عليها وصولاً الى “تحجيمها” امنياً وعسكرياً ووصول “مشذب” دونالد ترامب الى اكبر قائد عسكري في تاريخ ثورة الخميني وهو اللواء قاسم سليماني وقائد التمدد الايرني الفارسي في المنطقة العربية ومحرك الاذرع الايرانية من صنعاء الى بيروت، وليس انتهاء بالعالم النووي وابيه محسن فخري زادة.

التراجع الايراني انعكس بدوره تراجعاً ملحوظاً لمنظومة “حزب الله” السياسية والعسكرية والامنية والمالية في لبنان، ابتداءاً من اخر ازماته منذ ايام، والمتمثلة بأكبر خرق سيبراني في تاريخه لمنظومته المالية والاقتصادية السرية، والتي تهاوت اسرارها ومكوناتها في لحظات.

وهذه الخضة والتي يقال انها استهدفت اكثر بكثير مما اعلن عنه لتتجاوز “القرض الحسن”، الى كل الاسرار التي يمتلكها امين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله في 40 عاماً من عمر وتأسيس “الحزب”.

وانتكاسة “القرض الحسن” ومالية “حزب الله” بشكل عام يترافق ايضاً مع عقوبات مالية اميركية وحصار اقتصادي خانق وغير مسبوق، وصل الى “مد اليد” الاميركية على حلفاء حارة حريك.

القرصنة التي استهدفت “القرض الحسن” يتردد انها اكثر بكثير مما اعلن عنه لتصل الى كل الاسرار التي يمتلكها نصرالله

فأكل حليفه الماروني – البرتقالي جبران باسيل “الضرب” من الاميركيين بسبب تحالفه مع نصرالله، حيث شكّل باسيل مع عمه رئيس الجمهورية ميشال عون طوال 14 عاماً “مظلة” مسيحية لمشروع وتغلغل “حزب الله” في مفاصل الدولة اللبنانية، ومنها تغطية نشاطه ووجوده الامني والعسكري في سوريا.

انتكاسة سياسية لحلفاء حارة حريك

واذا كانت العقوبات الاميركية على باسيل بداية- النهاية للعلاقة مع “حزب الله”‘ فإن باقي حلفاء حارة حريك تضرروا من هذه العقوبات سياسياً واقتصادياً واعلامياً وشعبياً، من الرئيس نبيه بري ورئيس “حركة امل”، والذي استهدف بالعقوبات عبر معاونه السياسي علي حسن خليل، فتضرر اسوة بحليفه المسيحي الآخر سليمان فرنجية عبر العقوبات على يوسف فنيانوس.

إقرأ أيضاً: عام في منتهى الألم.. سوريا في 2020 وجع الليرة وانقلاب التحالفات

وازمات “الحزب” استكملت ايضاً باستقالة حكومة حسان دياب، والتي لم تنتج الا الازمات والويلات مررواً بأزمة “كورونا” والتخبط في مواجهة الفيروس القاتل والفتاك وكذلك بـ”إنفجار العصر”، في مرفأ بيروت في 4 آب الماضي ووصولاً الى الاستدعاءات في ملف التفجير لحلفاء “حزب الله” من حسان دياب الى وزراء “حركة امل” والمردة الثلاثة السابقين: علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، ورفضهم المثول امام المحقق العدلي في فضيحة قضائية لم يشهدها لبنان في تاريخه.

وفي الملف الحكومي، شهد لبنان في “عهد حزب الله” إنتكاسة جديدة وتمثلت بتكليف الرئيس سعد الحريري ومن دون الوصول الى التأليف، وهو سيكون مؤجلاً حتى ولوج “سيد البيت الابيض الجديد” جو بايدن القصر البيضاوي في 20 كانون الثاني لتكون حكومة الحريري ان تشكلت بعد 20 كانون الثاني فرصة ولو ضئيلة لالتقاط الانفاس المالية والاقتصادية.

العام 2021 سيكون النموذج الجديد الذي سيحاول “حزب الله” وحلفاؤءه فرضه على لبنان لتعويض خسائره في المال والسياسية والامن والاقتصاد

وإذا كان العام 2020 ايضاً هو عام الافول المالي والاقتصادي لنظام الفوائد والالاعيب المالية لرياض سلامة والحكومات المتعاقبة من فوائد خيالية للمودعين وسياسة الهندسات المالية لتعبئة جيوب النافذين والفاسدين، فإن العام 2021 سيكون النموذج الجديد الذي سيحاول “حزب الله” وحلفاؤءه فرضه على لبنان لتعويض خسائره في المال والسياسية والامن والاقتصاد من محاولة وضع يده على الحكومة الجديدة الى الالتفاف على العقوبات الاميركية.

وكذلك انتهاج المزيد من الضغط الاعلامي، وترهيب الخصوم والمعارضين عبر التهويل والقمع، والاستدعاءات القضائية، والدعاوى للتغطية على التراجع والافول الذي كرس العام 2020 اول ارهاصاتها، والتي ستتوضح رويداً رويداً خلال العام الجديد الذي بدأ منذ ساعات.

خلال اعلان لبنان الكبير
خلال اعلان لبنان الكبير
السابق
الخلل القانوني ينخر المحكمة الجعفرية (١٨): التظاهر أمام أبوابها يفتح «باب الإجتهاد» لا العناد!
التالي
كارثة «كورونية» يعلنها الصليب الأحمر.. مستشفيات بيروت ممتلئة والمرضى يموتون في منازلهم!