اللبنانيون رهائن التعطيل وجنون «الصهر» حتى ينهار الهيكل

جبران باسيل

منذ أن دخل تشكيل الحكومة اسبوعه الأول بعد تكليف الرئيس سعد الحريري، تم توجيه المسار بإتجاه التعطيل، كإحدى أكثر أساليب الضغط انتاجاً في “توجيع” اللبنانيين، والدفع الى منحدر سريع يضمن الوصول الى جهنم التي بشر بها رئيس الجمهورية ميشال عون، ليصبح عموم اللبنانيون رهائن لدى “صهر مريض بالميغالومانيا”، فهذا المرض لا يحتاج الى الشفقة كما يظن البعض، بل يحتاج الى المواجهة وعدم الإنجرار ومنعه من قيادة المركبة لأن حتماً حامل هذا المرض يأخذها ومن فيها للهلاك، ويعرضهم للخطر.

إقرأ أيضاً: هل انهى الحريري العهد والصهر؟!

هذه المرة نجح الرئيس الحريري من خلال عناده المطلوب وعدم الرضوخ لابتزازات فريق يعتبر التعطيل انجازاً وانتصاراً وخياراً استراتيجياً في اثبات وجوده، أن يكشف للرأي العام اللبناني والدولي من هم المعطلين، لان ذلك يعد من اسوأ أنواع السياسات في العصر القديم والحاضر والمستقبل. على إعتبار الموت الجماعي للبنانيين أرحم لهم من ان يُفكك الوطن لقيام دولة حزب الله.

لهذا التزاوج بين حزب الله والوطني الحر، هو عقد “متعة مؤقت” حتى إشعار تفكيك ما تبقى من هذا الكيان، ف”جنون الصهر”،  شخصية مريضة تتناسب مع حزب الله المُبتكر “لعبة تحويل البشر الى دروع”، فكان له ما اراد أن يجعل من اللبنانيين رهائن حتى تمرير كل ما يطمح إليه ضمن رؤيته في تفكيك كامل هيكل الكيان اللبناني لإعادة تركيبه في عقد جديد  وصيغة جديدة وتحت رعاية السلاح وطبعاَ ضمن المشروع الذي يصارع الحزب من اجله.وبالتدقيق أكثر، لم يكن تأخير تشكيل الحكومات بسبب واحد بالزائد وواحد بالناقص بقدر ما هو مشروع، فمثلاً لبنان  وهو بأمس الحاجة لحكَومة حيادية مستقلة ومتخصصة مهمتها اعادة الثقة الدولية لوقف النزيف الإقتصادي الحاد، ذهب حزب الله وعون وتوابعهما بتأليف حكومة حسان دياب ويدركون انها لن تستطيع حتى ادارة الأزمة، بل تساهم اكثر في فرض عزلة دولية كاملة وتفاقم الانهيار، وبعد الانفجار الكبير وارتدادته والتصدعات التي أحدثها في البنية اللبنانية، وفكرة قيامة دولة لبنان، لم يتهاون هذا الفريق في دوامة التأخير بتشكيل حكومة ترضي المجتمع الدولي وتعطي بصيص أمل بوقف حالة الإنهيار.

بل ذهب أبعد حتى اراد تحويل المسارات التعطيلية الى وضع كامل اللبنانيين رهائن، على قاعدة “نأخذ ما نريده أو يُحرق البلد بمن فيه”، وذلك ترجمة لجميع مسارات تشكيل الحكومات السابقة، حيناً بحصة الرئيس ودائما بالثلث المعطل وفي كلتا الحالتين خروج عن الدستور وانتهاك فاضح له.

هكذا ينتهج الرئيس عون انتهاكاً دستورياً بصيغة التوازنات التمثيلية بين مكونات المنظومة، مزايداً بمسيحيته حتى على البطريرك بشارة الراعي، ناسفاً مفهوم الوطنية ومداميك قيام الجمهورية، تعبيدا للطريق أم ترشيح “الصهر” خلفاً لعهد لم يتسن له الانجاز، ليمارس سطوة الملك دون مملكة، ويتسلل هارباً من مسؤولياته نافضاً يديه من كل الملفات، كما فعل قبيل لجوءه الى السفارة الفرنسية صبيحة الثالث عشر من أكتوبر (تشرين الأول) 1990.

ليغادر البلاد على صهوة عدائه الأسد الأب، ويعود في 2005 برعاية وحماية الأسد الابن وبدعم إيراني مفتوح، دون اعتذار من “شعب لبنان العظيم”، وكأن شيء لم يدمر، وكأن لبنانيون لم يقتلوا بوهم “العظمة”، عاد حاملاً بضعة أفكار “هجينة” تتحدث عن الفساد ولا تحاربه، تتحدث عن الوطنية ويمارس اسوأ اسلوب محاصصاتي مر على الجمهورية، يدعي الديمقراطية والشفافية فيما يمارس القمع على منتقديه، فتحول تياره الى حزب العائلة.

وعند محطة 1990 تتوقف ذاكرة الرئيس ناسياً انه كان سبباً رئيسياَ في اتفاق الطائف، وان من اتى بالدين العام، ذاك الدمار الذي احدثه وباقي المنظومة، وطالما أحداً لم يقدم اعتذاراً أو مراجعة يعترف أنه كما الجميع ارتكبوا خطاء بحق لبنان لأهواء الطائفة، واختبؤوا خلف مقولة حرب الآخرين على أرضنا”، فلن يكون هناك وطن ولا مواطنون، فكشف التسلسل المتعرج لتلك الفترة منذ 2005 بعد انسحاب الوجود السوري، عدم بلوغ الجميع سن الرشد الوطني. وقبلها خروج اللبنانيين من الحرب الأهلية لم يكن بارادتهم ولا بوعيهم الكامل، بل بمتاريس الغريزة الطفولية المذهبية المتجددة عند كل استحقاق. من هنا توجب المحاسبة على تراكم الدمار الذي خلفته “منظومة الحرب الأهلية وليس فقط على سرقات واختلاسات المال العام”.

للأسف ان منظومة الحرب الاهلية تريد مسح ذاكرة اللبنانيين من 1990 الى 1975، وكأنهم ليسوا هم ملوك تلك المرحلة السوداء، لذا سقوط الطائف يعني سقوط صيغة “اتفاق وقف الحرب الأهلية”. من هنا لا يمكن محو ذاكرة “الناس” بكتاب سمي ب” الابراء المستحيل”، ففي علم السياسة لا وجود لمصطلح “ما خلوني”، كصيغة تبريرية على استسهال ركوب صهوة الفساد والنهب، وتجييشاً طائفياً دفاعاً عن ” صلاحيات الرئيس الماروني”، ليعطي انطباعاً مغايراً ومعكوساً تماماً، للإسراع بإنهيار البلد بكامل مؤسساته لأخذه الى مؤتمر تأسيسي يريده حزب الله في المقابل جائزة ترضية بإيصال “الصهر” إلى سدة الرئاسة، هكذا تتعطل الحكومات ولهذا السبب لا حكومة في المدى المنظور.

وبحسب مصادر بعبدا أن رئيس الجمهورية لن يوقع على تشكيلة الحريري ما لم يطرأ تعديلات، اهمها ان باسيل هو من يسمي الوزراء المسيحيين. بإسلوب ممجوج متكرر غير آبه من انعكاسات التعطيل على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية ومصير الدولة اللبنانية.

السابق
هل انهى الحريري العهد والصهر؟!
التالي
موسكو تخلط أوراق اللعبة في سوريا.. بقاء مشروط للأسد وتحجيم دور إيران