كورونا سوريا عداد آخر للموت وتخبّط في إحصاء الإصابات

كورونا سوريا
كحالها في الحرب، لم تسلم سوريا من تضارب الأنباء في ما يتعلق بفيروس كورونا، مع اصدار ثلاث نشرات يومياً تحصي عدد المصابين تبعاً لمناطق السيطرة.

منذ انتشار الفيروس عالمياً، تصدر وزارة الصحة في دمشق نشرة رسمية للإصابات، في حين يصدر عن الحكومة المؤقتة في مناطق الشمال السوري إحصائية ثانية. وبدورها، تحصي الإدارة الذاتية الكردية الإصابات في مناطق سيطرتها في شمال شرق سوريا.

إذ كشفت وزارة الصحة حتى اليوم عن ما يقارب عشرة آلاف إصابة وستمائة وفاة منذ انتشار الفيروس عالمياً، وهذا رقم ضئيل للغاية مقارنة بدول الجوار كلبنان مثلاً رغم أن عدد القاطنين فيه حالياً يعادل تقريباً نصف المتواجدين داخل سوريا إلا أن متوسط الإصابات في لبنان حوالي 1500 إصابة يومياً.

ويؤكد عدد من قاطني دمشق لـ”جنوبية” أن شوارع وازقة العاصمة تكتظ أسبوعياً بأوراق نعي لمتوفين، لا تقام مراسم دفنهم. كما تحفل حسابات مستخدمين سوريين لمواقع التواصل بتعليقات وتغريدات تنعى أقاربهم وأفراد عائلاتهم.

ورغم تعدد المصادر، فإنّ الإحصائيات الثلاث تعاني من عدم الدقة بحسب تقارير صحفية دولية شكّكت في دقة الأعداد، خاصة في مناطق سيطرة النظام، لقلة الفحوص ومحاولة النظام التعتيم على الوضع الصحي.

أعداد الإصابات المعلن عنها ضئيلة جداً إذا ما قيست بدول الجوار

 فبحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، فإن السوريين يعانون من ارتفاع كبيرة في حالات الإصابة، في ظل نظام صحي منهك ومستنزف جراء الحرب المستمرة منذ 10 سنوات.

حتى مطلع كانون الأول، كانت وزارة الصحة أحصت ما مجموعه 8580 إصابة، فيما أحصى مجلس الأمن، بالاعتماد على التقارير الواردة من داخل البلاد، ما لا يقل عن 30 ألف إصابة حتى التاريخ ذاته.

كما أفاد مجلس الأمن أن الحالات ازدادت أكثر من أربعة أضعاف في تشرين الأول وتشرين الثاني مقارنة بالشهرين السابقين.

نساء سوريات يقفن في انتظار فحص الحرارة
نساء سوريات يقفن في انتظار فحص الحرارة

الأثر المباشر للصراع

 منذ اندلاع الصراع لم تسلم المنشآت الطبية من الاستهداف. ووثقت “منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان 595 اعتداء على المرافق الصحية في سوريا. وأرجعت 90 بالمئة منهم إلى قصف الحكومة السورية أو حلفائها الروس.

كما أحصت مقتل 923 طبيبا، عدا عن هجرة الكوادر الطبية، وهذا ما خلق فجوة في القطاع الصحي واكتظاظاً في المنشآت الطبية، ما أفقد المواطنين الثقة في القطاع الصحي لا سيما العام منه.

إقرأ أيضاً: الخطر يقتحم الأبواب.. موجة ثانية من الكورونا في سوريا!

وبحسب تقرير لمنظمة الصحة العالمية، فإن النقص في عدد العاملين في القطاع الصحي، إلى جانب الحالة الكارثية للمستشفيات في سوريا بعد عقد من الحرب الأهلية، يترك ملايين الأشخاص في خطر التعرض لعواقب وخيمة إذا أصيبوا بالعدوى. ويشكل أطباء الطوارئ 0.3 في المائة فقط من العاملين في المستشفيات العامة في البلاد.

ولطالما حذّرت منظمات صحية ودولية من تداعيات التفشي المتزايد للفيروس في مناطق شمال وشمال شرق سوريا، التي تعاني من نقص في المرافق الطبية وتضم آلاف المخيمات المكتظة بالنازحين.

أطفال المخيمات الأكثر عرضة للخطر بسبب غياب التباعد الاجتماعي
أطفال المخيمات الأكثر عرضة للخطر بسبب غياب التباعد الاجتماعي

الواقع مرعب

يبدو الواقع الصحي مرعباً للغاية في سوريا كون وزارة الصحة تعمد على إحصاء إصابات المتواجدين فقط داخل المستشفيات، بحسب ما أفاد الدكتور مازن العابد لـ “جنوبية”، أحد الأطباء العاملين في أحد مستشفيات دمشق، وهذا ما يجعل الأرقام ضئيلة نسبة إلى عدد الإصابات الحقيقية.

وأضاف العابد أن الكوادر الطبية في مستشفيات العاصمة دمشق تعلم أن حجم الإصابات خارج المستشفيات مضاعف لمرات عدّة، لكنّ محدودية اختبارات الـ pcr التي تجريها الوزارة تكشف عن عدد محدود من الإصابات فقط.

تعاني المستشفيات من اكتظاظ هائل، ما دفع للبحث عن حلول بديلة لتجنب الازدحام

ورجح العابد أن السبب الرئيسي يعود إلى خلل في نظام الإحصاء داخل وزارة الصحة، وهذا ما ينسجم مع تعميم صدر عن وزارة الصحة للأطباء يلزمهم التعامل مع أي مريض بدت عليه عوارض كورونا على أنه مصاب بالفيروس.

ونظراً إلى قلة عدد المرافق الصحية وقلة الثقة بالقطاع العام، لجأ عدد من المواطنين إلى التزام منازلهم عند الشعور بأعراض كورونا، معتمدين على استشارة طبيب عبر الهاتف أو على فرق طبية جوالة أو شراء أسطوانة أوكسجين، وهذا ما يغيّب عدد كبير من الإصابات عن الإحصاء.

التعامل مع الوفاة

يعاني الكادر الطبي من نقص حاد في الأطباء وغياب البنية التحتية المناسبة
يعاني الكادر الطبي من نقص حاد في الأطباء وغياب البنية التحتية المناسبة

واقع المستشفيات فرض حالة من الرعب داخل المرافق الطبية العاجزة عن الاستجابة، وهو ما أظهرته مقاطع فيديو تم تداولها عبر مواقع التواصل. وذكرت مواقع إخبارية معارضة أنّ النظام السوري يتستر عن حالة الوفاة الجماعية بسبب الفيروس عن طريق الدفن الجماعي للمتوفين.

إقرأ أيضاً: تقارير دولية: رعب الانهيار في سوريا إذا تفشى كورونا!

ولدى سؤاله عن كيفية التعامل مع جثث المتوفين جراء الفيروس، يتحدّث العابد عن “تعامل حذر” عبر كتابة سبب الوفاة، أي الكورونا، ليتم غسل الجثمان وإخراجه من المستشفى مع أخذ الاحتياطات مناسبة لمنع انتقال الفيروس إلى شخص آخر.

منظمة الدفاع المدني السوري تعمل على تعقيم أحد المخيمات
منظمة الدفاع المدني السوري تعمل على تعقيم أحد المخيمات

أنباء متضاربة

وسط فوضى المعلومات المتاحة حول الفيروس، لجأ عدد كبير من السوريين إلى منصات التواصل الاجتماعي حيث نشأت صفحات تعنى بأخبار الفيروس مثل “ميد دوز” و “كوفيد نيوز بالعربي”.  كما نشأت مجموعات تفاعلية تعمل على تقديم استشارات صحية بشكل تطوعي مثل “عقّمها” و “على شو عم تدور” و”سماعة حكيم”.

وترى سما السيد، وهي طبيبة في مستشفى حكومي في دمشق، أنّ هذه الصفحات لعبت دوراً إيجابياً وسلبياً في الوقت ذاته. وتوضح أن دورها كان إيجابياً حين تدار من قبل أطباء واختصاصيين إذ تكتسب قيمة علمية أكبر.

تنشط الصفحات الإلكترونية في نقل أخبار الفيروس والمساعدة في تأمين الأدوية واسطوانات الأوكسجين

وتتابع أن لولا هذه الصفحات لاعتمد متابعون كثر على اتباع علاجات صحية بناء على ما يسمعونه من معلومات متناقلة.

إقرأ أيضاً: «الوضع الصحي محطّم أصلاً».. أطباء سوريون يكشفون كارثة وصول كورونا إلى سوريا!

في المقابل، لعبت بعض الصفحات دوراً سلبياً عبر اعتمادها على معلومات مغلوطة، كنشر أسماء أدوية والترويج لها كتجارة، ما تسبّب على سبيل المثال بارتفاع سعر علبة دواء “هيدروكسي كلوركين” في شهر آذار من 5000 ليرة سورية (2 دولار تقريباً) للعلبة إلى 15 آلف ليرة خلال يوم واحد بعد انتشار أنباء عن فعالية هذا الدواء قبل أن تؤكد كل من منظمة الصحة العالمية وهيئة الغذاء والدواء الأميركية عدم فعاليته.

تبدو الحياة في سوريا وكأن الوباء يحدث في كوكب آخر
تبدو الحياة في سوريا وكأن الوباء يحدث في كوكب آخر

ما الحلّ؟

الحل وفق السيد يكمن في تعاضد الكوادر الطبية والإعلام خصوصاً المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي. فاستعرضت مثالاً عن الأثر الإيجابي لحملات الأطباء والكادر الصحي على صفحات “فايسبوك” خلال الصيف الفائت لزيادة الوعي وتحذير المواطنين في منازلهم من العبث بأمنهم الصحي والتذكير بضرورة ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي. وقد خفف ذلك، وفق السيد، من حدة الإصابات وقصّر من المدة الزمنية للموجة الأولى من الفيروس.

السابق
بالتفاصيل… تعديل التدابير الوقائية لمواجهة كورونا اعتبارا من هذا اليوم
التالي
انخفاض بعدّاد كورونا… كم بلغ عدد الاصابات والوفيات اليوم؟