حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: روحاني الرئيس المخدوع

حسن فحص
يخص الصحافي المتخصص في الشؤون الإيرانية والعراقية حسن فحص "جنوبية" بمقال أسبوعي ينشر حصرياً على صفحات الموقع و منصاته الإلكترونية.

لم يتردد رئيس البرلمان الايراني المتشدد الجنرال محمد باقر قاليباف باستغلال اي فرصة لتعميق الجرح في جسد الحكومة ورئيسها حسن روحاني، وعدم ترك المجال للرئيس بأن يلتقط انفاسه ويستوعب التداعيات المتسارعة للقرارات التي يلجأ النظام الى تمريرها من خلال مؤسسات الدولة، خاصة التشريعية. 

اقرأ أيضاً: حسن فحص يكتب لـ«جنوبية»: العراق.. اسئلة تبحث عن حكومة

فقبل انتهاء المهلة الدستورية المحددة بخمسة ايام لرئيس السلطة التنفيذية لابلاغ القوانين الصادرة عن البرلمان الى الجهات الادارية والرسمية لاتخاذ الخطوات اللازمة لدخولها حيّز التنفيذ، والتي من المفترض ان تنتهي يوم الاربعاء في 9/12/2020، عمد قاليباف وبخطوة تعتبر استباقية والتفافية على روحاني بتولي هذه المهمة يوم الثلاثاء، اي قبل يوم واحد من انتهاء المهلة الدستورية والقانونية التي تسمح له بعد ذلك المبادرة الى هذا الامر. مسوّغا ذلك بان هذه المهلة قد انتهت لأن القانون الصادر يوم الخميس الماضي مرّ عليه اكثر من خمسة ايام باحتساب يوم الجمعة الذي يعتبر يوم تعطيل رسمي. 

يستغل قاليباف اي فرصة لتعميق الجرح في جسد الحكومة ورئيسها روحاني

روحاني وقاليباف في المواجهة

روحاني وفي الرد على التجاهل الحاصل له بصفته رئيساً للمجلس الاعلى للامن القومي ولادارته الدبلوماسية التي توّلت مهمة التفاوض حول الاتفاق النووي، واكتشافه التنسيق الذي جرى مباشرة بين الامانة العامة للمجلس الاعلى للامن القومي مع البرلمان حول تفاصيل وبنود القانون الجديد المتعلق بالملف النووي من دون المرور به أو بوزارة الخارجية، المح الى امكانية عدم انصياعه لرأي البرلمان والامتناع عن ابلاغه للدوائر المعنية بالتنفيذ، معتبراً ان هذه الخطوة تعتبر خرقاً دستورياً وضرباً للمسار السياسي والتفاوضي الذي كلف ايران جهداً وعملاً كبيرين على مدى عقد من الزمن، رافضا المحاولات التي بدأت تتبلور والتي توحي بها جملة من القوانين اصدرها البرلمان وتتعلق بالخطط الاقتصادية التنفيذية وبادر الى ابلاغها عبر الجريدة الرسمية في مسار يصب في جهود محاصرة دور السلطة التنفيذية واظهارها بموقع العاجز في معالجة الازمات التي يعاني منها الاقتصاد والمجتمع نتيجة سوء ادارة الحكومة لملف العقوبات الامريكية والدولية. 

روحاني من ناحيته والفريق الاداري في رئاسة الجمهورية، اعلنا عن استغرابهما لهذه الخطوة واكدّ المتحدث باسم الحكومة أنّ الرئيس كان في صدد ابلاغ القانون وتنفيذه في اليوم الاخير للموعد الدستوري المقرر، اي الاربعاء، وان خطوة قاليباف بصفته رئيساً للسلطة التشريعية تبعث على الاستهجان لجهة الاستعجال، وتدفع على الاعتقاد بان المطلوب من وراء هذه الاجراءات اهداف تكتيكية تضرب المصالح الاستراتيجية للنظام من اجل توظيفها في معركة الانتخابات الرئاسية، وتلبية لطموحات البعض للظهور بمظهر المنقذ بما يساعده على فرض نفسه خياراً حصرياً لدى المعسكر المحافظ لتولي السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية المقبلة، فضلا عن تكريس نفسه والمعسكر الذي ينتمي له – تيار النظام والمحافظين- بانه الخيار القادر على قيادة اي عملية تفاوض مستقبلا مع المجتمع الدولي من منطلق امساكه بالقرار على المستويين السياسي والايديولوجي، بغطاء مباشرة من الجهة التي تملك حق التقرير الاستراتيجي لخيار المنظومة الحاكمة. 

اللعب على حافة العقوبات 

قد يكون روحاني قد ازاح عن كاهله ما قد يترتب على هذه الخطوة من تبعات في المستقبل، لان تنفيذ وتطبيق ما جاء في نص القانون “الخطوة الاستراتيجية لالغاء العقوبات” يضع ايران وكل الجهود التي بُذلت على مدى السنوات العشر الماضية في التفاوض وصولاً الى الاتفاق النووي والمحافظة والابقاء عليه حيّا بعد انسحاب الادارة الامريكية منه برئاسة دونالد ترمب، يضعها في مهب الريح ويدخل ايران في دائرة الخطر بامكانية عودة العقوبات الدولية واعادة وضع ايران تحت البند السابع للامم المتحدة ومجلس الامن، كونه المعني المباشر باي خطوة تشكل خرقا للاتفاق النووي ولبنود القرار الصادر عنه رقم 2231 الذي شكل المظلة الدولية للاتفاق. 

روحاني يحاول الدفاع عن موقع الرئاسة تأسيسا لخروج ايران من نفق المواجهة مع المجتمع الدولي والخروج من عبء العقوبات

محاولات روحاني في الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية والدور الذي قامت به في السنوات الاخيرة والتي يعتبرها تأسيسا لخروج ايران من نفق المواجهة مع المجتمع الدولي، وايضا للخروج من عبء العقوبات التي انهكت وشلّت الاقتصاد الايراني، تضع في الخندق الاخير في الدفاع عن “جمهورية النظام” التي تحفظ ما تبقى من آليات ديمقراطية “شكلية” يقوم عليها المشهد السياسي، وما عودته في هذه المرحلة الى طرح موضوع اشكاليّ بدأ منذ عهد الرئيس الاسبق محمد خاتمي عن صلاحيات رئاسة الجمهورية في الدستور، والحديث عن نسبة لا تتعدى 33 في المئة من صلاحيات دستورية لهذا الموقع وهذه السلطة، قد تكون محاولة لتعليق جرس انذار لتنبيه الجهات المعنية لحجم الاخطار التي تهدد النظام من خلال ضرب الصيغة او التوليفة التي قام عليها منذ اربعة عقود في المزج بين “الجمهورية” و”الاسلامية”.

الطرف الايراني المفاوض ليس سوى قيادة النظام العليا

عسكرة الرئاسة

فضلا عن الخطر الكامن وراء المساعي التي تدور خلف الكواليس لعسكرة هذا الموقع من خلال الدفع بمرشح من المؤسسة العسكرية ليكون على رأس السلطة التنفيذية في الانتخابات المقبلة، وهي مساعي تكشف عنها اعداد الطامحين او الاسماء المطروحة للسباق الرئاسي من المؤسسة العسكرية وتحديدا من جنرالات حرس الثورة مثل محمد باقر قاليباف، ومستشار المرشد وزير الدفاع السابق حسين دهقان والجنرال سعيد محمد قائد مقر خاتم الانبياء للبناء والاعمار الذراع الاقتصادية للحرس. 

التنسيق الثلاثي الذي حصل في المسار المؤدي لاقرار القانون الاخير حول استراتيجية الغاء العقوبات بين البرلمان والامانة العامة في المجلس الاعلى للامن القومي ومجلس صيانة الدستور الذي اقرّ القانون خلال ساعات في سابقة بتاريخ االتشريعات في النظام الايراني، قد يكون الهدف منه المسارعة في حشد كل الاليات التنفيذية والتشريعية والسياسية والاستراتيجية لاخراج ملف التفاوض من دائرة صلاحيات رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية، ورميها على الرئاسة المقبلة، اولاً لقطع الطريق على امكانية استخدام اي تقدم في التفاوض مع الادارة الامريكية الجديدة في اعادة احياء القوى الاصلاحية والمعتدلة ودخولها كمنافس غير مرغوب به في الانتخابات الرئاسية، وثانيا ايصال رسالة الى المفاوض الامريكي ومعه الاوروبي بان الجهة الممسكة بالقرار الايراني هي من يقرر من يمثلها ويمثل مصالح النظام، ولعل كلام وزير الخارجية محمد جواد ظريف بان المفاوضات التمهيدية التي جرت بين طهران وواشنطن واستضافتها سلطنة عمان قبل عام 2013 كانت بموافقة واشراف ورعاية المرشد الاعلى للنظام ، وان كان في معرض الرد على معارضي المفاوضات والاتفاق النووي، يكشف من حيث لا يقصد بان الطرف الايراني المفاوض ليس سوى قيادة النظام العليا، وان رئيس الجمهورية والحكومة والخارجية مجرد ادوات لتنفيذ توجهات واستراتيجية هذه القيادة.

السابق
العميد حلو يثمن خطوة القضاء: ولكن ماذا عن مصدر شحنة الأمونيوم وحقيقة وجهتها؟!
التالي
المحكمة الدولية تصدر حكمها بقضية اغتيال الحريري.. وهذه عقوبة سليم عياش!